في نهاية شهر صفر (وفقا للتقويم الهجري)، من كل عام، لا يمكن ان تمر في زقاق عراقي، خصوصاً اوقات نزول الشمس، الا وتسمع اصوات ’’تكسير الزجاج’’ امام البيوت والمحلات، عادة يتبعها العراقيون منذ زمن غابر، لاستقبال شهر ربيع الاول الهجري، وتوديع صفر، املاً بتغيير ايجابي في حياتهم رفقة تحول الطقس من الحرارة القاسية الى هواء بارد يحمل معه املاً نسبياً بايام اقل ضراوة من تلك التي بقت آثارها تتحدث عنها.
تردد ام ياسمين، وهي تمسك بيدها صحناً زجاجياً بغية كسره امام عتبة دارها مساء اليوم عبارة باللهجة الشعبية: “راح الشر وانتشر على الشوك وعلى الشجر”، جملة تحمل معاني عديدة تنطقها، ربة المنزل لعائلة مكونة من 8 افراد بأب فقد بواحدة من الخروقات الارهابية.
وتوضح ما قالته “نستقبل ربيع الاول من كل عام بهذا الطقس الموروث، فهو اعلان بداية جديدة، بالتزامن مع التغيير في الطقس وقرب موعد هطول الامطار”، قالت وهي تنظر للسماء بعيون بكت كثيراً على رحيل زوجها.
استقرت قطع الصحن الزجاجي المتناثرة، امام منزل ام ياسمين، ونصحت الاطفال الذين شاهدوا ما فعلت بعدم الاقتراب منها.
وعلى ذات الطريقة، خرجن بعض النسوة وهن يحملن صحوناً او آوان زجاجية لكسرها و لنفس الاسباب تقريباً، فكل من ينهي اخر يوم في شهر صفر بكسر الزجاج او ضرب ابواب الدار او الجدران بالعصى، يأمل أن يكون القادم الافضل، ويتمنى ان لا يبقى الحزن والخوف من الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، متربعة على ايام العراقيين، ’’فقد كفانا ما عشناه طيلة 17 عاماً وما قبلها من حقبة البعث’’ يقول ابو علي وهو يرفع يرفع اكمام قميصه استعداداً للوضوء.
اواخر اشهر العام الماضي، وكل ايام عام 2020، حمل الكثير من الاسى والمعاناة والترقب للعراقيين، فاحتجاجات بمئات الشهداء، وحوادث هزت العراق كله، وتناحر سياسي، ووباء كاف لابقاء الذعر سيد الموقف خشية تمكنه من كل العراقيين، وازمة اقتصادية تهدد قوت يوم الموظفين واصحاب المهن الحرة، وصراع دولي مرير انعكست كوارثه على جميع فئات الشعب العراقي، وصحون زجاج مهشمة، املاً بالتصحيح.