قصة قصيرة..لا زال الجحش يتكلم عربي

243

تفرق الجمع بعد خطبة الجحش المستشار الذي لا شك ان اللب من دماغه طار فرعية تسلك مسالك الحيوان لابد أنها ذاقت الكثير من كلام الحمير فتشبهت بالحمورية وصارت تفقه مثلما يفقه الحمار ساعة ضربه بسوط راع لا هم له سوى خوزقة من تحت يده في الحياة بعد أن خوزقه الزمن بعقد آدمية السلوك، العقيدة، التدين، الشريعة القوانين كلها قيود تفرض على الفقير ويطبقها من بالله يستجير فلا ناقة له بامور السلب والنهب ولا بكثرة الطغاة من كبارات الحمير، شاعت اخبار الفاقة في تلك البلدة حتى هزت أذنابها بقية الحمير التي تسكن جوارها فمنهم من أخرج كلابه السعرانة لنهب أطراف أرض والآخر منهم شرع بمد يد طرف ثالث لإتيان بعقول فرغت من الولاء للأرض بعد أن سلكت مسالك الأفيون المستورد… بيعت الأفخاذ بين أزقة ترى العاهرات يرتادن بيوت شرفاء ولكن؟؟؟ إنه زمن تحول الرجل فيه الى خنثى يتمايع كي يبدو ممن يتناكح مع الشيطان لمتعة تمارس على ارض مقدسة تستهل الغيرة والناموس والأغرب أنهم يمارسون الرذيلة من غير عرب اللسان فلقد فقهوا ان الدين دراهم ولحية ولفافة تبغ توضع على الرأس ما ان تشعل فتيلها بدينار حتى تطيح أهله دون خمار…

هتك البؤس أهل المجتمع أنساقوا وراء كلمة المستشار، منهم من أخرج ما ضمره ليوم اسود كهذا اليوم والبعض ساق نفسه وما يملك ليبيعها فداء للحاكم التعبان الذي أنهكته المهمام، فالحكم ليس هينا خاصة إذا كان بين من يسمون نفسهم العربان… خرجت الرعية المستور منها والعريان، جريا حيث ساحة الحرية شعروا ولأول مروا أنهم ليسوا الضحية، قرعوا طبلوا صدحت حناجرهم بالولاء للأرض دون نفوس مريضة أو فرق موسيقية … إنساقت الحمى الى المجتمعات المجاورة هتفوا للمطالبة بتغيير الوجوه التي ساقتهم الى الهلكة و روعت الجنين في بطن من تلده وهنا على وهن، بعثوا برسائل الى الجميع قفوا واصطفوا فالطابور طويل منا من جلب الغطاء والحصير افترش الأرض قبرا دون مغتسل ينام فيه وبلا نفير، سارع كل من له صوت ينادي نعم نحن نريد الحاكم لكن دون مستشار او وزير لا نطلب سوى حكم الشعب بحرية وديمقراطية ودستور لا يكتبه فاسد أو حقير، إننا قوم فطرنا على الذبح بالشعيرة الإلاهية فالله أكبر حين نصلي، الله أكبر حين ننتصر، الله أكبر حين نفجر، الله أكبر حين نقتل، الله أكبر حين نذبح من غير المله او الدين وندعو الى الله به نستجير دون ضمير… سَخِرنا من أنفسنا!! صرنا بلا ربان سفينة العوز تسير في بحر تتلاطم فيه وجوه شبعت من الدين حتى دلفت بأهلها الى فسطاط ذلك الخنزير أكل وشرب وملاذ يؤمنون أنهم عن عقاب الله بعيد وإن كان فالله لهم دينار يعبد، شرع جديد يمدد، فالرعاع هم وقود جهنم وحين فرزهم صاروا الناس والحجارة التي يعبدون فأين من الله تفرون…

في تلك اللحظة ارتعد الحاكم وصار يتخبط يأمر بقتل هذا وقنص ذاك ومن ثم يخرج يبكي لوعته ويمتعض إننا في مرحلة حرجة لسنا على الصراط المستقيم لقد هب فينا من لا يريد لنا الأمن والامان ولا يطلب الاستقرار فكان القرار الضرب بيد من حديد ونار وإن كان للرعية من يغضب ويستشاط فالامر ليس بيدنا … كلنا اداة لصاحب الخنزير ونافخ النار للكير…

ظلت الرعية بين ويل وحميم آن، صار الوضع رائقا للحاكم فلا لوم عليه بعد، من أي جرم او أختلاس لقد كشق غطاء القدر وأطاح بالملاس، فمن طبخ الطبخة هرب دون مداس، الشعب بات يطبق الحكمة التي تقول: ( جوع شعبك يتبعك ) إننا في شدة والأمر ليس بأيام او سنين عدة، إننا على المحك بين الرحى والفك فأين المسير لا علم لنا فلله الأمر من قبل ومن بعد، ثم اشار الى الجحش المستشار وأمره أن يخرج للرعية بوجه آخر مستعار ليحكي قصة لهم مثل شهرزاد بألف ليلة وليلة الى أن يأتي الفرج مع القافلة التي ستأتي من التبت او تلك القافلة المزرية من آل فرعون… ولا تنسى يا جحش أنك محاط بزبانية العرب البدو الرحل أصحاب يهود خيبر والنظير…

خرج عليهم الجحش المستشار و وجهه يتهلل… ما اسعدني بكم يا أهل الحمية، أنا معكم في كل مسألة وقضية، الظلم قد اكتسح بيوتنا، العوز هدد حرائرنا، صرنا نقترض من الخارج والداخل، بالت علينا الحيات

وبكت في مواكب أحزاننا التماسيح، جرت علينا الدواهي فأرقدت الكثير ارض السلام، اطاحت بكل نقي وهرب من هرب بالجمل وما حمل دون قصاص او عدل.. لكني اليوم أبشركم بوجه كريم عن الحاكم اعني وقد قهر نفسه, الزمها ان تكون لكم خادمة للعوز والحاجة مثلكم نادمة، فأشار لي بأن اكون عينه وأذنه ويده التي تسمع وترى وتنفذ فهلموا اقصدوني بمطالبكم وأعلنها أمامك بأني سأغير الكالة بالبابوج, ارفع المضموم وأكسر المكسور، لا يهمني من ينصب او يسوق العربة بالمقلوب.. سآزود من يقود عربة النفط بحمار جديد سأشرع قانون يسمح لكم بالصيد في البر والبحر بعد ان أتمم لكم ميناء كبير يسعدكم في الحياة انه مستقبلكم البعيد رغم ان هناك من يرمي بمائكم القيح والصديد، يلوث ماءكم العذب القليل الموجود… سأهتم بكم هكذا الحاكم يقول… قاسما أنه سيطيح بكل من يأكل حقكم، سيعوضكم عن صبركم بصبر جميل، أليس هذا على الحاكم بيسير، الزموا ما تؤمنون به فالله نحن به نستجير وإليه نشكو بيع الحصير.. ولقد سألته الى متى العسر أليس من يسر قريب؟ قال أأنا المجيب فالله يرزقنا وإياكم فأدعو هو القريب… ابشروا الشدة التي لا تزول حتى تفيقوا من أفيون الشعوب فإننا مقبلون على غبر الأيام خاصة عما لا يميط للحقيقة لثام، لعل هذا جل ما اوصاني به الحاكم فلقد أطاح بطويل الآذان والرأس الكبير الذي سلك مسلك الخنازيز الجدد وضم الى مجلسه أصحاب العقال والنعال والثالوث كي يصبح ماء مينائكم غورا، فلا ترسو سفينة ولا تصطادون إلا ما يسد رمقكم بالشدة.. سيعود اصحاب السبت الى حائط المبكى يتغنون من جديد فتلك أمنيتهم التي وهبت لهم على طبق من ذهب فهنيئا لكم الذلة وهنينئا لهم أحتفالهم بحمارهم العزير.

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

المصدر