قراءة في كتاب .1

174

ليلة البارح وقبلها بليلتين سهرت مع كتاب ( صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره ) للمؤلف البروفيسور طارق يوسف إسماعيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليغاري الكندية ورئيس المركز العالمي لدراسات الشرق أوسطية المعاصرة وترجمة الصحفي والمترجم العراقي عمار كاظم محمد ، ويبدو كانت ترجمة الكتاب الحرفية صعود وسقوط الحزب الشيوعي العراقي وللتخفيف من عبأ الوقع على النفوس وببراعة المترجم صدر بعنوانه الحالي ، كنت حريصاً في تقليب صفحاته بقراءة هادئة ومتأنية ومفيدة في تقليب صفحات التاريخ وأعادة القراءة لسنوات قضت من حياتنا ، سبق وأني قرأت عنه بأكثر من ناصية وموقع وصحيفة وسمعت من بعض الرفاق والأصدقاء ، الذين حظوا به وقلبو صفحاته بوعي ودراية ، والذي زاد من أهتمامي في الحصول على نسخة منه رغم الصعوبات التي فرضتها تداعيات ( جائحة كورونا ) على حرية حركة الناس ، لكن بمبادرة طيبة وهذه ليست الأولى من نوعها الرفيق والصديق أبن المناضل المرحوم حسين سلطان الرفيق خالد ومن بغداد الحبيبة حمله مشكوراً بسام أبن المرحوم المناضل حسين الكمر وعبر العزيز إبراهيم أبن المناضل باقر إبراهيم وصل لي بأمان فالشكر لتلك الايادي النظيفه . كان جل أهتمامي في الحصول على نسخه منه وقراءته حين وصوله على حساب قراءات أخرى ، كانت ضمن البرنامج المهيأ لي . وما تركه هذا الكتاب في عشية صدوره من سجال وآراء وخلاف في وجهات النظر وصلت بعضها حد التشهير والأتهامات الرخيصة من رفاق الأمس على مانشيتات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ، كان محط أهتمامي وزاد من فضولي بتقليب صفحاته .

الكتاب الذي طبعته جامعة كامبردج يستعرض تاريخ الحركة الشيوعية في العراق منذ بداية ارهاصاتها الاولى في العشرينيات من القرن الماضي وحتى فترة ما بعد تأسيس مجلس الحكم العراقي بعد الغزو الامريكي للبلاد عام 2003.

”ويرصد الكتاب تاريخ الحركة الشيوعية العراقية الذي تغطي قرن من الحياة السياسية للبلاد التحولات التي طرأت على الدولة العراقية منذ بداية الحكم الملكي وحتى نهاية الحكم الجمهوري عارضا صورة شاملة لكل الوقائع التي رافقت الحركة الشيوعية في العراق منذ نشاطها الطليعي في الاربعينيات والخمسينيات الى انحسارها وتراجعها في الوقت الحالي محللا بشكل محايد الاسباب التي ادت الى انتكاسها بشهادات ووثائق وعشرات المقابلات مع الشخصيات المهمة في الحركة تم جمعها من قبل المؤلف وتنسيقها بشكل علمي طوال اربعين عاما من العمل المضني ”.

الكتاب الذي صدر بترخيص من جامعة كامبردج بمجلد من 630 صفحة من القطع المتوسط عن دار ( سطور ) في العاصمة بغداد ضم الكثير من الاسرار والخفايا التي تنشر لأول مرة واحتوى على اسماء وشخصيات مازالت لحد الان ضمن المشهد السياسي الحالي في العراق.

يعتبر ومن وجهة نظر العديد من المتابعين والمعنيين يالشأن أول كتاب شامل يصدر خارج الحزب عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي . وقد صدر في وقت سابق باللغة الانكليزية وقدم له مقدمته المرحوم والمناضل اليساري حسقيل قوجمان ، وتطلع في حينها الى ترجمته الى اللغة العربية لتسهيل قرأته من قبل جيش من الشيوعيين العراقيين ، الذين يتوقون الى تاريخ حزبهم المجيد .

وقال قوجمان : في أحدى متابعاته للكتاب هذا أول تاريخ للحزب الشيوعي العراقي يمكن لأي قارئ مهما كان موقفه السياسي أن يستفيد منه، لاستخلاص ما حدث تاريخيا وليس آراء من كتب هذه الأحداث . وقد أثير عشية صدور الكتاب بنسخته العربية حفيظة البعض حتى شملت ممن لم يطلع عليه وعلى تفاصيله جملة إنتقادات لاذعه له بدل من أن يأخذ على محمل الدراسة وأعادة التقييم على ضوء العقل النقدي الماركسي في فهم التاريخ .

في نسخته العربية على يد وبراعة المترجم عمار كاظم محمد والذي أستغرق في ترجمته عامان وتبادل مع المؤلف حوالي مئة رسالة وبمعونة رفاق ومتطلعين ومعنيين بالشأن السياسي العراقي . وقد قال المترجم بعد أن أنجز ترجمته والاطلاع على تاريخ الحركة الشيوعية العراقية منذ أرهاصاتها الأولى في العشرينيات من القرن الماضي وتضحياتها الجسام ولم تتمكن من بناء عراق قوي ومزدهر آمر يثير الغرابة ، ومن خلال متابعتي للاهتمامات والآراء المختلفة حول الكتاب ، يبدو أثارت حفيظة البعض من الرعيل القديم ولا خلاف على وجهات النظر المختلفة والمتصارعة ضمن سياقات الصراع الفكري وهذا يضيف معلومة جديدة وقراءة مختلفة من أجل حراك فكري ثقافي مهم ، لكن للآسف الشديد راح في متاهات أخرى بعيدة عن أرثنا التاريخي في التشهير والاتهامات مما دعا البعض يقول .. ها هم ممن كانوا يقودوننا ، ورباننا في السفينة ؟.

صدر الكتاب عام ٢٠٠٨ باللغة الانكليزية من جامعة كامبردج في نيويورك ويتألف الكتاب بنسخته الانكليزية من ٣٢١ صفحة من القطع الكبير ونال اهتماما خاصا من المتابعين والدارسين والتواقين للفكر والتاريخ ، وأعتبر الكتاب الثاني من حيث الاهمية والموضوعية والأمانة بعد كتاب حنا بطاطو ( الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق ) ، والعديد من القراء أعتبروا كتاب عزيز سباهي في مجلداته الثلاثة لم يلبي طموحات الشيوعيين في مناقشة تاريخهم . ويقول حسقيل قوجمان حين أستعرت الجزء الثالث من الكتاب وقرأته سألني أحد الاصدقاء عن رأي بالكتاب فقلت له لولا عنوان الكتاب لما عرفت أنه يبحث تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، وقد أخفق في مناقشة سياسة الحزب وأحداثه والتحيز للحزب ومواقفه ومحاولة تبرير الاخطاء منها وإيجاد الأسباب والتبريرات التي أدت الى الخطأ . فقد كان أسلوب عزيز سباهي واضحا في التحيز إلى الاتجاه السياسي الذي يؤيده ويعتبره الاتجاه الصحيح وهذا ليس تاريخا بالمفهوم العلمي للتاريخ . وكانت رؤية الحزب منذ مؤتمره الثاني ١٩٧٠ بتكليف لجنة حزبية لكتابة تاريخ الشيوعيين العراقيين التي تعمدت بالبطولة والفداء وقد تخللت مسيرته عثرات ونواقص فلابد من الوقوف عندها وتقييمها ، وقد حدا بقيادة الحزب بتكليف عزيز سباهي ١٩٩٩ بإنجاز هذه المهمة ورغم صدوره بثلاثة أجزاء عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي لكن لم يعتبر الحزب الشيوعي كتاب الرفيق سباهي وثيقة حزبية رسمية . وحسناً فعل ، فالكتاب رغم الجهد الكبير الذي بذل في تأليفه ، يحمل وجهة نظر مؤلفه القابلة للنقاش .

محمد السعدي

مالمو/شباط ٢٠٢١

المصدر