دعت مجلة “فورين بوليسي” الاميركية الى اغلاق السفارة الاميركية بحجمها “البغيض” في بغداد والحاق مبانيها الكبيرة بجامعة بغداد، بغض النظر عن دوافع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو بالتهديد باغلاق السفارة، سواء لضمان حمايتها أو تحقيق نتيجة ديبلوماسية لذلك.
واشارت المجلة الاميركية المرموقة في تقرير كتبه ستيفن كوك، تحت عنوان “وحش عفى عليه الزمن”، ان السفارة الاميركية في بغداد أكثر من مجرد مبنى، فهي اصغر بقليل من “ديزني لاند، وتضم 20 مبنى للمكاتب، وستة مجمعات سكنية وغيرها من المنشآت الخاصة بالعاملين والموظفين الذين بلغ عددهم في مرحلة ما 16 الف شخص، وقد بلغت كلفة انشائها 750 مليون دولار.
وذكرت المجلة ان مبنى السفارة “تجسيد مادي للغطرسة الاميركية في العراق. وهي، بخلاف ديزني لاند، لم تتحقق أحلام فيها هنا”.
ودعت الادارة الاميركية المقبلة الى اغلاق مجمع السفارة وتسليمه الى العراقيين، مشيرة الى ان المباني يمكنها ان تكون اضافة جيدة لجامعة بغداد.
لكن ستيفن كوك اعتبر ان التخلص من مبنى السفارة الاميركية في بغداد، لا يعني ان على الولايات المتحدة التخلي عن المدينة بشكل كامل، مذكرا بأن وزارة الخارجية الاميركية المحت الى فكرة نقل السفير الاميركية الى اربيل، في اقليم كوردستان، الا انه اشار الى ان هذه الفكرة ليست جيدة.
ودعا واشنطن الى الى شراء مبنى في بغداد ملائم الى المهمة الاساسية للسفارة ودورها ونفوذها في العراق. وأوضح انه اذا كان المبنى الحالي للسفارة يعبر عن عنجهية العقدين الماضيين، فان منزلا جديدا للسفارة سيمثل رمزيا الى التواضع الاميركي بعد الغزو السيء والخاطئ.
واعرب عن الاسف لان المبنى القديم للسفارة الاميركية الذي صممه المهندس الاسباني الشهير جوزف لويس سيرت في الخمسينات من القرن الماضي، استولت عليه الحكومة العراقية وحولته الى مبنى لوزارة الشؤون الخارجية، وهو مبنى متواضع ويعكس جمالية الطراز المعماري لاواسط القرن الماضي.
وأكد كوك انه ما زال هناك الكثير مما يجب على الولايات المتحدة القيام به في العراق، مضيفا ان المسؤولين الاميركيين جعلوا الاصلاح السياسي والاقتصادي العراقي جزءا من الحوار الاستراتيجي الذي استؤنف في الفترة الماضية بين البلدين، لكن من الصعب ان تؤخذ هذه الاهداف على محمل الجد. ولقد مضى اكثر من 17 سنة على غزو العراق، وما من سبب يدعو الى ان الولايات المتحدة ستصادف نجاحا أكبر الآن مما كان عليه الوضع سابقا، وعلى العراقيين انفسهم ان يحددوا معالم طريقهم الخاص اذا كانوا يريدون تحقيق سياسة لائقة واقتصاد مزدهر.
لكن هناك مهمة ضرورية على الولايات المتحدة ان تحافظ عليها في العراق وهي الأمن، خاصة الجهود المرتبطة بجهود ابعاد المتطرفين وضمان سيادة العراق، مشيرا الى ان هذه الجهود مرتبطة ببعضها البعض وتتطلب اهتماما اميركيا كبيرا.
وعلى الرغم من ان مدينة الموصل تحررت في يوليو/تموز 2017 وقتل زعيم داعش ابو بكر البغدادي في سوريا في اكتوبر 2019، الا ان هجوما من جانب داعش وقع على قوات الامن في كركوك مؤخرا، والتنظيم ناشط في محافظتي ديالى وصلاح الدين، مضيفا ان تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب المتكررة حول الحاق الهزيمة بداعش، هي ببساطة ليست دقيقة.
وحذر من فكرة خروج الاميركيين من العراق، لا بسبب ان لدى الولايات المتحدة مسؤولية تجاه العراقيين، ولكن ايضا لان احدا لن يعود الى العراق ما ان تنسحب الولايات المتحدة منه. واعتبر ان المفارقة في العراق تتمثل في ان ما تواجهه واشنطن هو ان الطريقة الافضل للخروج من البلد والبقاء خارجه، هي في البقاء مدة أطول.
واشار الى وجود 3 الاف جندي اميركي حاليا في العراق، وهو رقم متواضع مقارنة بحملة جورج بوش والتي كان العدد خلالها اكثر بخمسين مرة من هذا الرقم، مضيفا ان مهمة تدريب متواضعة في العراق ستكون بمثابة “احتلال” فقط اذا كانت النظرة اليها مسيسة.
واعتبر ان التحدي الثاني المهم في العراق امام الولايات المتحدة هو مساعدة قوات الجيش والامن على حماية السيادة العراقية، مذكرا بان القوات التركية وقوات الحرس الثوري الايراني من خلال فصائل عديدة، وحزب العمال الكوردستاني، بالاضافة الى القوات الاميركية، كلها تنشط في العراق حاليا، وهناك القليل مما بامكان العراق ان يقوم به للتعامل معهم، خصوصا مع الدور الايراني الاكثر فظاعة، على الرغم من انه من المنطقي بالكامل بالنسبة الى الايرانيين ان يسعوا من اجل التأثير في السياسة العراقية، لكن ثمن ذلك سيكون فادحا على العراق.
وبعدما ذكر بدور فصائل مثل كتائب حزب الله ومنظمة بدر في ان تكون اداة في يد النفوذ الايراني على حساب العراق، اعتبر ان ذلك لا يشمل تهديدا امنيا فقط، وانما يساهم ايضا في الحاق الضرر بالسياسة العراقية، مضيفا ان العراقيين سيظلون مكشوفين امام الايرانيين طالما ان قوات الامن العراقية لا تمتلك القدرات والثقة على تأكيد سلطتها، مشيرا ايضا الى انها مسألة ارادة سياسية.
وذكر ايضا باعتقال خلية تابعة لكتاب حزب الله وكيف ردت الفصائل باستعراض القوة، كما ذكر باغتيال المحلل العراقي البارز هشام الهامشي، مشيرا الى ان الجهود لاخضاع الفصائل لم تتحقق، فيما استمرت الهجمات التي تستهدف القوات الاميركية.
وخلص الى القول ان الرئيس دونالد ترامب يريد بوضوح الخروج من العراق والشرق الاوسط بشكل عام، لكن يتحتم عليه ان يحافظ على مستويات وجود القوات الاميركية على ما هي عليه. وعلى الرغم من ان الانسحاب العسكري يحقق تعهدا اطلقه الرئيس خلال انتخابات العام 2016، الا ان خطوة كهذه ستكون ضارة بشكل معاكس. ان ترك العراقيين امام مخاطر داعش وارادة الايرانيين، سيفاقم من ضعف العراقيين وعدم استقرارهم، ويمنح ايران نصرا استراتيجيا، داعيا الى صبر اميركي اكثر بقليل في العراق. وأكد ان سفارة اميركية بهذا الحجم البغيض، لن تحقق هذه الاهداف.