الرباط عادل نجدي آفاق المستقبل سُدّت في وجوههم (Getty)
عادت مجدداً الهجرة السرية من شواطئ المغرب باتجاه “الفردوس الأوروبي” بواسطة قوارب الموت، وذلك بعد هدنة امتدت إلى خمسة أشهر من جراء تقييد حركة التنقل وإعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد
كان لافتاً خلال الأسابيع الماضية، في المغرب، انتشار مقاطع فيديو توثق مشاهد سجود شبان ومراهقين اتضح أنّهم مغاربة، سجدة شكر، تعبيراً عن فرحهم بتمكنهم من بلوغ شواطئ الجنوب الإسباني، ما شكل حافزاً أغرى آخرين بالمغامرة بحياتهم، من بينهم قاصران حاولا “الحريك”؛ أي خوض الهجرة السرية، على متن مركب مطاطي صغير خاص بسباحة الأطفال وذلك من أحد الشواطئ، قبل أن يتمكن شبان من إنقاذهما وهما في عرض البحر.
وبينما كان تفشي فيروس كورونا الجديد وما تبعه من إجراءات قد حدّا من التنقل وإغلاق الحدود، وفرض الفيروس سطوته على وتيرة نشاط شبكات تهريب البشر بين المغرب وأوروبا، إذ تراجعت بشكل غير مسبوق، فقد تغيرت الصورة تماماً منذ بداية الرفع التدريجي للحجر، إذ سجلت كثافة في محاولات الهجرة السرية في الأسابيع الأخيرة، سواء منها تلك التي نجحت في بلوغ الشواطئ الأوروبية أو غيرها مما كان مآله الفشل.
ويبدو أنّ زيادة تلك المحاولات قد أثارت هواجس قوات الأمن المغربية، أكثر من كلّ مرة، ما دفعها إلى المسارعة لشنّ عمليات ضد شبكات تهجير البشر، كان آخرها ما عاشته مدينة الداخلة، جنوبي المغرب، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حينما جرى إحباط عملية للهجرة السرية، مع توقيف أربعة أشخاص كانوا يخططون لخوض هذه المغامرة الخطيرة وغير محمودة العواقب، وذلك خلال استعدادهم للانطلاق نحو جزر الكناري، وهو الأرخبيل الواقع في المحيط الأطلسي، والتابع للسيادة الإسبانية، والذي ينقسم إلى مقاطعتين، هما: سانتا كروز دي تينيريفي، ولاس بالماس.
“المهم هو الوصول إلى الشاطئ الآخر بأي ثمن، وإذا فشلت محاولتي الأولى، فسأكررها مرة أخرى بالرغم من كلّ المخاطر المحتملة” هذا ما يقوله أحد المخططين للهجرة السرية، بعدما فشل، قبل أيام، في تحقيق حلمه ببلوغ الضفة الأوروبية، وذلك من خلال عملية أمنية في منطقة الشاطئ في حي شماعو، بمدينة سلا، على المحيط الأطلسي، بالقرب من العاصمة المغربية الرباط. وأسفرت العملية الأمنية عن اعتقال أربعة أشخاص للاشتباه في تورطهم في تنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر، وكان برفقتهم ثلاثة وثلاثون مواطناً مغربياً من عاقدي العزم على الهجرة باتجاه إسبانيا.
يضيف الشاب، الذي طلب عدم كشف هويته، لـ”العربي الجديد”: “أتاحت لي فترة رفع الحجر الصحي الفرصة لاستئناف مشروع الهجرة الذي كنت أخطط له قبل تفشي فيروس كورونا الجديد، فتمكنت من تدبّر أمري عبر الاتصال بأحد الوسطاء، وهدفي من الهجرة إنقاذ نفسي وعائلتي من الظروف المعيشية القاسية التي نعيشها، لكن، للأسف، جرى القبض علينا. لكن، هل أتخلى عن هذا الحلم؟ كلّا، بل سأعيد المحاولة بالرغم من كلّ المخاطر المحتملة”.
يمضي الشاب يومه في البيت أو رفقة أبناء حيه في انتظار أن تلوح فرصة جديدة لتحقيق حلمه، ويقول عن ذلك: “حياتي هنا صعبة جداً، إذ لا فرصة عمل تتوفر، فيما الوضع بات أصعب بكثير مع جائحة كورونا بالنسبة لغير الموظفين أو العاملين في مهن مستقرة، لذلك، لا خيار لي سوى الحريك، كي أتمكن من تحقيق ذاتي وأحلامي، وكي أجعل عائلتي تفتخر بي بعد نجاحي في الوصول إلى أوروبا”.
وتسبب تفشي فيروس كورونا الجديد في المغرب بأزمة اقتصادية ومجتمعية خطيرة أثرت في العاملين كأجراء في المصانع والمقاهي والمتاجر خصوصاً، إذ أوقفت تلك الأعمال نشاطاتها. لكنّ الأثر الاقتصادي الأشدّ للجائحة لحق بأولئك العاملين في القطاع غير المنظم ممن يزاولون مهناً بدخل متواضع في الغالب، من دون قدرة على الادخار. يقول محمد الحنفي، وهو أحد العاملين في القطاع غير المنظم، لـ”العربي الجديد”: “ما عانيته في الأشهر الماضية بسبب أزمة كورونا دفعني إلى التفكير ملياً في البحث عن مستقبلي خارج أرض الوطن، لذلك، أسعى إلى تدبّر أمري من أجل توفير تكاليف الحريك”.
الصورة
يضيف: “من كانوا يمارسون التجارة اضطروا للتوقف بسبب الحجر الصحي من دون موارد مالية، والوضع أكثر صعوبة بالنسبة لمن يتحمل بمفرده مسؤولية توفير تكاليف الحياة لعائلته في ظل التقلص الكبير لفرص العمل وتراجع النشاط التجاري”.
من جهته، يقول محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية): “نحن أمام عودة قوية لظاهرة الهجرة السرية، في ظل واقع يشير إلى أنّ الشبان المغاربة بمختلف طبقاتهم الاجتماعية يرون فيها الحلّ الوحيد لتحقيق أحلامهم، لا سيما في ظل تصريحات صادرة عن بعض المؤسسات الوطنية تقول إنّ الاقتصادين المغربي والعالمي لن يبدآ في التعافي قبل سنة 2023”. يلفت إلى أنّ قضية الهجرة السرية ستكون خلال السنوات الثلاث المقبلة على الأقل في صلب النقاش العمومي في المغرب وأوروبا.
ويقول بنعيسى: “عودة هذه الظاهرة في هجرة المغاربة نحو أوروبا، بعد فترة خمول دامت أكثر من سنتين، مرتبطة في الأساس بعوامل بنيوية اقتصادية، اجتماعية وسياسية متمثلة في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، والهدر المدرسي في أوساط القاصرين، وكذلك تراجع الأمل في التغيير”. ويؤكد لـ”العربي الجديد ” أنّ “تلك العوامل البنيوية ستزيد من حدتها جائحة كورونا التي عمّقت الجراح وكشفت عن ضعف المؤسسات والفاعلين في الاستجابة لآمال وطموحات الشباب في وطن آخر يحتضنهم ويحقق أبسط أحلامهم”. ويكشف الناشط الحقوقي أنّ دراسة ميدانية أجراها مرصد الشمال لحقوق الإنسان بالشراكة مع مكتب الدراسات “فيوتشر إيليت” أظهرت أنّ 85 في المائة من الشباب يرون أنّ وباء كورونا زاد من تكريس الفوارق الاجتماعية، مقابل 11 في المائة رفضوا الإجابة، في حين قال 4 في المائة إنّهم لا يرون ذلك.
وبحسب الدراسة، التي ستُنشر تفاصيلها في وقت لاحق، فإنّ 18 في المائة من الشباب المستجوبين يعتبرون أنّ الهجرة هي هدفهم المستقبلي، فيما أشار 38 في المائة إلى أنّ الهدف إتمام الدراسة، وقال 17 في المائة إنّهم سيحاولون تأسيس مشروع مهني خاص إذا توفر الدعم، و13 في المائة إنّهم سيبحثون عن وظيفة في القطاع العام.المصدر