بغداد/ تميم الحسن
تكاد اتفاقية “تطبيع سنجار” ان تذهب ادراج الرياح، عقب نشر ما يقارب نحو فرقة عسكرية كاملة تابعة للحشد الشعبي في المدينة ذات الاغلبية الايزيدية، على خلفية التهديدات التركية باقتحامها. ويشير مسؤولون في القضاء الذي كان تحت سيطرة “داعش” قبل عدة سنوات، بان بغداد “لا تنوي” المضي بالاتفاقية، رغم الزيارات المتكررة لكبار قادة الامن والجيش الى القضاء، ووعود إعادة النازحين الفارين منذ 2014 وبدء الاعمار.
وكان متوقعاً ان تشن انقرة الاسبوع الحالي، هجوما بريا هو الاول من نوعه، في سنجار لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني الـ”pkk”، الا ان شراسة المواجهات دفعت تركيا على ما يبدو الى تأجيل الموعد. واعلنت انقرة منتصف شهر شباط الحالي، انتهاء حملة “مخلب النسر 2” بعد مقتل عدد من عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، في شمال الموصل، فيما تشير المصادر في داخل العراق الى رواية اخرى.
ووفق مصادر (المدى) في سنجار ان “القوات التركية واجهت معارك شرسة مع حزب العمال تسببت بمقتل نحو 50 تركيا، فيما دعمت جماعات محسوبة على الحشد الشعبي تلك المواجهات لصالح الـ(pkk)”. وبدأت تركيا في 10 شباط الماضي، بشن هجوم بري على مسلحي الـ”pkk” قرب محافظة دهوك التابعة لاقليم كردستان، في ثالث هجوم تنفذه تركيا منذ حزيران الماضي، وتضمن قصفا بالطائرات. وبحسب التصريحات التركية، فإن العملية العسكرية أدت إلى تدمير مخازن الذخيرة وقواعد لمقاتلين أكراد في منطقة غارا بإقليم كردستان، نفذت فيها أيضا ضربات جوية وتم خلالها نشر جنود جرى حملهم بالمروحيات.
وقال خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، إنه تم العثور على “جثث 13 مواطنا تركيا خطفهم مسلحون أكراد في مجمع كهوف شمالي العراق”.
لكن تصريحات حزب العمال كانت مغايرة تماما، حيث قالت إن الغارات الجوية التركية استهدفت سجنا كان يضم بضع عشرات من أفراد الجيش التركي وعناصر المخابرات التركية الذين كانوا أسرى مما أدى إلى مقتل 13 منهم.
وخلف تلك الاحداث، يجري تصعيد مريب في سنجار، شمال الموصل، حيث يقول المصدر في المدنية: “قبل اسبوع وصلت ثلاثة الوية من الحشد، يصل عددها لنحو 10 آلاف مسلح”.
نهاية الأمل !
ووفق المصدر ان “تلك التعزيزات جاءت لتنهي كل الامال المعقودة على تنفيذ اتفاقية سنجار لتطبيع الاوضاع في المدينة”. وكشف زعيم منظمة بدر هادي العامري في معلومات وصفها بـ”المؤكدة”، عن نية الجيش التركي الهجوم على جبل سنجار، داعيا الحكومة لاتخاذ إجراءاتها لردع أي عدوان على أراضي العراق.
وقال العامري في بيان إن “هناك معلومات استخبارية مؤكدة أن الجيش التركي لديه نية الهجوم على جبل سنجار، لذا على الحكومة التركية الكف عن هذه الممارسات العدائية، التي لا تخدم مصالح البلدين بل ستؤثر وبشكل بالغ على العلاقات الدولية”.
وأضاف: “كنا نتوقع من الحكومة التركية الانسحاب من الأراضي العراقية بشكل كامل سواء من بعشيقة أو من الشريط الحدودي الذي احتلته مؤخرا، لا أن تقوم بالمزيد من الاحتلال”.
ودعا العامري الحكومة العراقية إلى أن “تتخذ كافة الإجراءات اللازمة لردع أي عدوان على أراضي العراق”، مؤكدا أن “القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي والأجهزة الأمنية قادرة بعون الله على الدفاع والذود عن تراب الوطن المقدس”. وكانت (المدى) قد كشفت قبل اسبوع من تصريحات العامري، أن انقرة ابلغت بغداد، في نهاية 2020، بانها قد تضطر لابعاد حزب العمال الكردستاني بنفسها في شباط او آذار المقبل كحد اعلى، اذا لم يستطع العراق القيام بذلك.
وتتضمن اتفاقية سنجار التي ابرمت بين بغداد واربيل، وتم الاعلان عنها في تشرين الاول الماضي، اخلاء كل المظاهر المسلحة من المدينة ومن ضمنها حزب العمال الكردستاني.
ومقابل ذلك تضمن بغداد اعادة النازحين، الذين مازالت حركتهم باتجاه العودة بطيئة جدا، واعادة الاعمار بعد اضرار كبيرة تعرضت لها المدينة عقب اكثر من عام على سيطرة “داعش”.
تحالف غير معلن
ومنذ الكشف عن الاتفاقية، بدأت جهات “شيعية”- بحسب مصادر- بتوجيه انتقادات شديدة الى بغداد وكردستان، وذلك بسبب وجود “تحالف غير معلن” بين بعض الفصائل المسلحة في سنجار وجماعات مسلحة شيعية من خارج المدينة للسيطرة على الاوضاع هناك.
وكانت بعض الفصائل في داخل سنجار قد انضمت الى هيئة الحشد الشعبي، واستولت نهاية 2018 على السلطة في سنجار، بعد طرد الحكومة المحلية السابقة. ووفق المصادر ان تلك الفصائل هي في الاصل تابعة لحزب العمال الكردستاني، وتضم جنسيات غير عراقية، منها سورية، تركية، وايرانية.
لكن الملفت في القضية، ان بغداد تصر على ان سنجار خالية من المسلحين، ورغم ذلك لم تتقدم خطوة واحدة، وفق ما يقوله مسؤولون هناك، تجاه اعادة التطبيع في المدينة.
وقبل اقل من اسبوع جددت قيادة العمليات المشتركة، التأكيد بـ”عدم وجود مظاهر مسلحة، في قضاء سنجار”، فيما أشارت إلى أن الأمن في القضاء يدار من الجيش العراقي والشرطة المحلية والأمن الوطني.
لماذا لا تطبق الاتفاقية؟
وقال المتحدث باسم القيادة، اللواء تحسين الخفاجي في تصريح للوكالة الرسمية إن “القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي وجه في وقت سابق بأن يكون قضاء سنجار خاليا من المظاهر المسلحة”، مؤكدا أنه “لا يوجد حاليا في القضاء سوى قوات الجيش العراقي والشرطة المحلية والامن الوطني، فيما تتواجد قوات من الشرطة الاتحادية في المناطق الحدودية وخارج مدينة سنجار”.
وأضاف، أن “قضاء سنجار خال حاليا، من أي حزب او جهة سياسية تتولى زمام الامن في المدينة، باستثناء المنظومة الأمنية التابعة للحكومة الاتحادية”، مشيراً الى أن “القوات الامنية تعمل وفقاً لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة على تأمين الامن في القضاء من أجل تسهيل عودة النازحين”.
ويقدر وجود 4 آلاف مسلح تابع لـحزب العمال في مناطق كردستان وسنجار شمال الموصل، وهي اكثر المناطق التي تقلق انقرة.
ويقول عبد القادر سنجاري، نائب محافظ نينوى السابق لـ(المدى)، انه “لا تغيير يجري في سنجار. الاوضاع كما هي منذ سنوات”. وبحسب بعض التوقعات ان الاتفاقية قد تبدأ بالسريان بشكل فعلي في آذار المقبل، حيث تشمل الاتفاقية الى جانب الخدمات وطرد حزب العمال، تشكيل قوة من ابناء المنطقة.
لكن سنجاري يقول: “بالعكس ليست هناك أي نية او مؤشرات قريبة على سريان الاتفاقية. العكس يحدث والمسلحين في تزايد في سنجار خصوصا بعد التهديدات التركية”.
ويعزو المسؤول السابق في سنجار، بقاء الاوضاع كما هي في المدنية الى ان “بغداد ليست لديها نية جدية في حل اوضاع سنجار”.