دور انتفاضة تشرين المجيدة في تقوية الوعي الجماعي بحقوق المواطنة
بقلم مهدي قاسم
مهما كانت تقييمات البعض المتحاملة والحاقدة والمفترية ا ضد انتفاضة تشرين المجيدة ، في محاولة بائسة ومضحكة للحط منها ، و تحديدا ضد المتظاهرين ووصفهم بأقذع وأقذر أوصاف وهي ــ حقيقة ــ تليق بالواصفين أكثر مما تنطبق على الموصوفين من غالبية المتظاهرين الوطنيين الشرفاء و الفقراء العاطلين عن العمل من الخريجين وغيرهم منذ سنوات طويلة ، ومهما كان الأمر فمن المؤكد أن الوضع السياسي في العراق لم يُعد ، ولن يبقى ، مثلما كان قبل انتفاضة تشرين المجيدة ( حيث كان اليأس والاستسلام للأمر الواقع الخانق هو المهيمن والمتواصل اقتصارا على شكاوى عقيمة أمام الفضائيات فحسب !!) نقصد من ناحية تقوية ليس الوعي الوطني العام فقط ، إنما حتى الوعي الفردي والجماعي بحقوق المواطنة و المطالبة بالخبز و الخدمات والعمل والإصرار على تحقيق ذلك مهما كلف المر من تضحيات جمة ، ولو بتضحيات كبيرة متجسدة بدماء زكية ونفوس غالية ، و خاصة ما رافق ذلك من سقوط وزوال رتوش و أقنعة ” مقدسة ” لدجالي ولصوص وخونة الزمن العراقي الرديء ، ممن استلموا السلطة ــ بمجانية عجيبة ــ على صينية من ذهب وهم قادمون من دهاليز أجهزة مخابرات أنظمة الجوار كعبيد أذلاء كانوا محتقرين ومنبوذين ، وذلك حسب شاهد عيان متجّسد في شخص السياسي المتقاعدة عزت الشابندر ، و الذين برهنوا بالدليل القاطع ــ خلال 17 عاما من فشل إداري وسياسي و لصوصية وتخريب وفساد ونهب منظم للمال العام ـــ على إنهم ليسوا أهلا للحكم والسلطة وإدارة البلاد و الحكومة ، بقدر ما يصلحون أن يبقوا عملاء صغارا في دهاليز تلك الأجهزة المخابراتية الأجنبية مقابل بضع مئات من دولارات أو تومان ، إذ لولا انتفاضة تشرين لما سقطت حكومة الفاسد والقاتل الجماعي عادل عبد المهدي مهدي ومعها النخبة العميلة والفاسدة ، ولما تشكلت حكومة الكاظمي التي أُجبرت على اتخاذ خطوات مهمة ـــ حتى أن لم تكن في مستوى الطموح حتى الآن ــ ولكنها بالمقارنة مع حكومات سابقة استطاعت السيطرة على منافذ الحدود الجمركية و توجيه الموارد والجبايات الحدودية الطائلة جدا إلى خزينة الدولة بدلا من جيوب أحزاب وميليشيات ، واعتقال قسم من زعماء و أفراد من عصابات الإجرام المنظم وتجار المخدرات والخطف والاغتيال ، و كذلك تعديل قانون الانتخابات ، واتخاذ إجراءات للحد من السلاح المنفلت ، ولوبشكل نسبي ، وتوقيف بعض زعماء الميليشيات البلطجية ، بطبيعة الحال أن كل هذه الإجراءات ليست بمستوى الطموح ــ مثلما أسلفنا ــ لهذا فأن الضغوط السياسية المُمارِسة من قبل المتظاهرين على الكاظمي لا زالت متواصلة للمضي قدما في تحقيق إنجازات أكثر أهمية وجذرية وشمولية ، طبعا حسب الإمكانيات المالية الشحيحة المتوفرة والواردة من بيع النفط وبعضها الآخر عن طريق الاقتراض المتواصل ، علما أن حيدر العبادي قد صرّح أبان ترأسه للحكومة حينذاك أنه قد استلم ” القاصة فارغة ” من عميد الفاسدين نوري المالكي وجاء بعده عادل عبد المهدي و أكد نفس الشيء من ناحية القاصة الفارغة ، طبعا دون أن يعمل شيئا من أجل تنويع الدخل العام للدولة ، مثلا السيطرة على موارد الحدود ـــ التي اتضحت الآن بأنها موارد هائلة وطائلة جدا ـــ وكذلك جبايات وزارة الداخلية و الخارجية و الضرائب الداخلية من عشرات مولات و مئات آلاف من محلات و فضلا عن أسواق كثيرة الخ ..
إذن فكيف يمكن تحميل المتظاهرين أو حكومة الكاظمي مسؤولية أو مغبة إفلاس الدولة أيها المفترون و عديموالضمير ومشوّهي قول الحق على حساب إبراز وجه الباطل البشع ، كل ذلك دفاعا عن سلطة الفاسدين واللصوص وعن مصالح النظام الإيراني في العراق ؟..
أما كون المظاهرات كانت مخترقة أحيانا من قبل عناصر أو أفراد مشاغبة أو إجرامية فهو أمر طبيعي جدا ، ويحدث مع أية مظاهرات أخرى في العالم ، بما في ذلك في دول أوروبية أيضا ، في باريس وبركسل وبرلين مثلا ، ولعل آخرها كانت في التظاهرات الضخمة والكبيرة في أمريكا على أثر مقتل جورج فلويد على يد الشرطة ، حيث رأينا كيف أن قسما من المتظاهرين الرعاع قد نهبوا محلات راقية وكذلك بعض البنوك والمصارف ، والبعض الآخر أطلق النار على رجال الشرطة وجرح بعضا منهم ، إذ من المعروف أن التظاهرات تجري في الشوارع والساحات بعشرات أو مئات آلاف من رجال ونساء من مختلف المستويات الثقافية والفكرية وحتى أصحاب سوابق ايضا ، حيث يصعب السيطرة عليها فردا فردا وبانضباط عسكري صارم يمينا يسارا دررر!! ، إذ في النهاية لا تجري هذه المظاهرات الضخمة في أندية اجتماعية أو فنية وحسب عضوية مسجلة مسبقا ، ليدّخلوا المعروف الملتزم و يمنعوا المجهول المشاغب !! ..
عموما فأن انتفاضة تشرين التي تعمدت بدماء سبعمائة متظاهرا شهيدا، فقيرا ، عاطلا عن عمل ، مع تفجع قلوب مئات من أباء وأمهات وأخوات و زوجات ، كل ذلك من أجل غد أفضل للعراقيين ، نقول أن انتفاضة كهذه لهي أكبر بكثير ــ من حيث كونه سيكون حدثا تاريخيا خالدا فيما بعد بكل تأكيد ـــ لهي أكبر بكثير من أن يسيء إليها نكرات بائسون و مثيرون للشفقة حقا ، كمخلوقات كاريكاتورية مضحكة فحسب ..