دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج23

349

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج23

أ.د. فرست مرعي

وفي التاسع عشر من شهر آذار/مارس عام2015م، أعلن في أربيل رسميا عن تشكيل المجلس الأعلى للزرادشتيين في كردستان العراق، والذي سيتولى الترويج للديانة الزرادشتية ونبيّها زرادشت!، وفقا لما أعلنه ( لقمان حاجی كریم) رئيس المجلس، في مؤتمر صحافي أقيم بالمناسبة وسط أربيل.
ويرى رئيس المجلس الأعلى للديانة الزرادشتية في كردستان العراق أن غياب هذه الديانة كان سببا في عدم امتلاك الأكراد دولة مستقلة، في حين يعتبر علماء دين مسلمون أن إحياء الزرادشتية هو قضية ذات أبعاد سياسية لا غير.
ويشير رئيس المجلس الأعلى للديانة الزرادشتية في كردستان العراق إلى أن أعدادهم في ازدياد مستمر، ما دفعهم إلى فتح أول معبد لهم نهاية أغسطس/آب عام2015م في مدينة السليمانية بكردستان العراق.
ويؤكد أن المجلس سيؤسس معابد أخرى في الإقليم بعد الحصول على الموافقات الرسمية من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
وللمرة الأولى منذ أكثر من 1000 سنة، قام السكّان المحليون في منطقة ريفية من محافظة السليمانية بمراسم قديمة في شهر أيار/مايو من عام2015م؛ حيث يضع الأتباع حزامًا خاصًا يدل على أنهم مستعدون لخدمة الدين واحترام معتقداته. إنّه أمر يشبه المعمودية في المسيحية.
وتعمل وزارة الأوقاف في كردستان العراق حسب قانونها الصادر من برلمان الإقليم على “ضمان حق العبادة وحرية الدين واعتناق الديانات والمذاهب والمعتقدات لجميع المواطنين”.
وقال مدير العلاقات والإعلام في الوزارة (مريوان النقشبندي)، في بيان له في 1/12/2015م إن: ” أتباع الديانة الزرادشتية ظهروا من جديد في كردستان، وقدموا طلبا رسميا ليكون لهم ممثل في الوزارة، وأن يتم افتتاح معابدهم الخاصة، وأن الأشهر الأخيرة شهدت عودة هؤلاء في الأوساط الجماهيرية والثقافية الكردستانية بشكل محسوس، وهو ما يشير إلى هجرة الكرد المسلمين لديانتهم والتوجه إلى دينهم القديم؟” وفق قوله.
وتابع النقشبندي أنه “لا ينظر إلى ظهور الزرداشتيين وقبلهم البهائيين بمنظار المؤامرة، وأن تكون وراء ذلك أيادٍ خارجية أميركية وإسرائيلية أو ما يسمى بالماسونية العالمية، أو الادعاءات الأخرى التي يحاول البعض من خلالها أن يتهرب من وقائع الأحداث الجارية الآن”.
يذكر أن الزرادشتية كانت الديانة الرسمية للامبراطورية الساسانية (226م- 651م)، ويقدر عدد معتنقي الديانة حول العالم حوالي 190 ألف شخص، يتركز معظمهم في الهند وإيران وأفغانستان وأذربيجان، فضلا عن المهاجرين من هذه المناطق في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكندا وسنغافورة.
والدعاية للديانة الزرادشتية لها جذور تاريخية يراد إحيائها من جديد، ففي نهاية العقد العشرين من القرن الماضي، إدعى بعضهم بأنهم إكتشفوا أبيات من الشعر على قطعة جلد في كهف (هزار ميرد) قرب مدينة السليمانية تصف وقائع الفتوحات الإسلامية فى منطقة شهر زور( = شرق كردستان العراق) وما تمخض عنه هذا الهجوم من قتل زعماء الكرد! وهدم معابد النيران! وفرار الرجال إلى المناطق البعيدة وما تلاها من وقوع النساء والفتيات في الأسر!.
يبدو للباحث أن الذي حدا الى ظهور هذه المزاعم هو اكتشاف ثلاثة وثائق مدونة فى منطقة (هاورامان) الواقعة على الحدود العراقية الايرانية التابعة لشهرزورعام 1909م، اثنتان منها كتبتا بالحروف اليونانية الكلاسيكية، والثالثة دونت بالخط الآرامى القديم، نشرت الوثيقتان الأوليتان في مجلة الدراسات الهيلينية عام 1915م من قبل البروفيسور مينس MINS، أما الثالثة فقد نشرت من قبل البروفيسور كاولى A. COWLEY في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية البريطانية عام 1919م، ويعتقد بأن جميع هـــذه الوثائق ترتقي إلى العصر الفرثي (الأشغاني – ملوك الطوائف- 226ق.م-224م) ، وهذا العصر يسبق عصر الفتوحات الإسلامية بأكثر من ثمانية قرون، فضلاً أن وثائق منطقة هاورامان مدونة باللغتين الآرامية واليونانية، أما الوثيقة المزعومة المزورة فهي مدونة باللغة الكردية (لهجة منطقة هاورمان).
وعند دراسة اللغوي الكردي الدكتور (كامل حسن البصير) الاستاذ في جامعة بغداد لهذه الأبيات الشعرية وجد من خلال النقد الداخلي لها بأنها منحولة، ” اصطنعها بعضهم من اللهجات الكردية المعاصرة لغرض ما” .
ومن جانب آخر فإن الباحث قد اطلع على أربعة أبيات شعرية باللغة الكردية – اللهجة الكرمانجية الجنوبية (السورانية) انتحلها الصحفي الكردي العراقي (حسين حسني موكرياني) وأودعها في مجلته (زار كرمانجي – اللهجة الكرمانجية – العدد 21 في 6 نيسان 1930م) الصادرة في مدينة اربيل، وضمنها فيما بعد المؤرخ الكردي الايراني (رشيد ياسمي) في كتابه (كرد وبيويستكي ونزادي وتاريخى آو) باللغة الفارسية )الروابط العرقية والتاريخية للكرد)، أدعى بأنها وجدت في كهف يقع في جنوب جيشانة في منطقة هورامان.
وترجمتها باللغة العربية:
خـربت المعابد وأطفئت النـيران
وأخفى كبــار الـقوم أنفسهم
هـدم العرب الظالمون منـازلنـا
من كَهناو وبالهيى إلى شَهرَزور
ســبوا النسـاء والعـذارى
وتخبـط الأبـطــال بالدمــاء
عادات وديانة زرادشت بقيت وحيدة
فلن يرحم هرمزد بعد اليـوم أحداً
ويبدو أن الطبيب الكردي الإيراني (الدكتورسعيد بن ملا رسول) الملقب بـ (سعيد خان كردستاني) من أهالي مدينة سنندج(= سنه) عاصمة كردستان الإيرانية والمتوفى سنة 1942م، والذي كان قد تنصّر على يد إحدى الإرساليات البروتستانتية التي كانت تعمل في منطقة أذربيجان الإيرانية حوالي سنة 1880م، كان له دور في انتحال هذه الوثيقة بالتعاون مع الباحث الكردي الإيراني الآخر (البروفيسور رشيد باسمي) الاستاذ في جامعة طهران والذي ينتمي إلى عشيرة الباجلان الكردية ومن أتباع المذهب الشيعي الغالي ( أهل الحق – العلي إلهية- اليارسان)، فتعاون هذان الشخصان في انتحال هذه الوثيقة لتشويه سمعة الإسلام. بالإضافة إلى ذلك فإن (ياسمي) بحكم عقيدته الشيعية وارتباطه الايديولوجي بمخططات الشاه الإيراني محمد رضا بهلوى(1925-1941م)، كان يحاول هو الآخر الدعاية لأفكار الشاه حول توحيد الأمم الآرية (= الإيرانية) تحت رايته (آريا مهر) أي ضوء الآريين، وإعتبار الكُرد جزءاً من المنظومة الإيرانية؛ لذا لم يمنحهم الحقوق لأنهم مثل أقرانهم الفرس سادة البلاد على الأقل من الناحية النظرية؛ لذلك كان يحاول بشتى السبل حرف الكُرد عن الإسلام واللغة العربية وربطهم باللغة الفارسية والديانة الزرادشتية على أساس أن زرادشت هو نبي الآريين (الفرس والكرد والبلوش والبشتون).
لذلك تلاقت أفكار هذين الرجلين في انتحال هذه الوثيقة، مهمة (سعيد خان) المرتد المسيحي تتجلى في تشويه سمعة الإسلام وكيف أنه انتشر عن طريق السيف!، فيما كانت مهمة (ياسمي) الشيعي الغالي تذهب إلى الدعاية للديانة المجوسية (= الزرادشتية)، وتشويه سمعة الإسلام من ناحية ثانية، وتحديداً سمعة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب الذي قضى على الدولة الفارسية الساسانية، وأطفأ النار المجوسية. لذلك أدرج كل هذه المعلومات المزورة وغير الموثقة في كتابه المنوه عنه آنفاً.
ولما كان المؤرخ والصحفي الكردي الناشىء(حسين حسني الموكرياني) يحاول ملء حلقات مفقودة من تاريخ الشعب الكردي، وكنهجهه في نشر مثل هذه الروايات دون تمحيص، أو الإشارة الى المصدر الذي نقل منه هذه الوثيقة المزورة المنتحلة في مجلته (زار كرمانجي) عام 1930م المارة الذكر، ولم يدر بخله بأنها تشوه صورة الإسلام دين غالبية بني قومه الكُرد؛ ومن ثًمً فإن العديد من الكتاب والمؤرخين الكُرد والفرس نقلوا هذه الوثيقة المزورة في مؤلفاتهم نقلاً عن المؤرخ الايراني ( رشيد ياسمي) دون التثبت من مصدرها الأصلي، أو التحقق في مدى وجود هذه الوثيقة أصلاً؟. ينظر: فرست مرعي، الكرد وكردستان – جدلية الأسطورة والتأريخ والدين، مؤسسة بانكي حق، 2006م، ص121-123.
ومن جانب آخر فإن محاولة بعض المثقفين الكرد تخليص زرادشت من ايرانيته وإعادة انتاجه كنبي كردي؟ لا يقع خارج الصراع الحزبي والمناطقي في كردستان العراق، بالاضافة الى التدخلات الاقليمية، وتم الدعاية لهذا الغرض من خلال طبع إحدى أقسام الآفستا (=الكاثا الكاتا – الاناشيد) باللغة الكردية – اللهجة السورانية، مع كتب أخرى تخص الزرادشتية على حساب مركز الفردوسي في لندن.
ومن الجدير ذكره أنه تم ادراج صورة العلم الفارسي الساساني(درفيش كاويان- راية كاوه) في مقدمة الآفستا المترجمة الى الكردية؛ كدليل على تضامن هؤلاء مع الفرس الساسانيين ضد العرب المسلمين، في إشارة الى معركة القادسية التي استطاع الصحابي (ضرار بن الخطاب الفهري) من قتل حامل(درفيش كاويان)، ولذلك منحه الصحابي القائد (سعد بن ابي وقاص) جائزة تقديراً لشجاعته.
ويذكر احد الباحثين الكرد أحد اسباب إحياء الزرادشتية في كردستان، لقوله:” بعد أن وجهن ضربات مؤلمة من الانظمة التابعة للدول التي تحتل وتقسم کردستان، ضربات لم تنحصر في أسلوب واحد من الھیمنة، بل أمتد الی التھجیر والتعریب والإبادة الجماعیة، وأستغلال الاسلام وحشره في صراعھم لأعطاء وأضفاء الشرعیة علی الزحف العسکري بأتجاه قری وقصبات کردستان، تحت شعار عملیات الانفالات الاولی ومرورا بالثانیة الی أن ختمت بالتاسعة، وکذلك أعطاء أسماء الصحابة للفرق والمجموعات والقواعد العسکریة التي کانت تھاجم ، باسم الاسلام، تحت سمع وبصائر الدول والمنظمات الاسلامیة، دون أن یحرکوا وتھین وتقتل المواطنین الکرد بدم بارد. ينظر: ابراهيم صادق ملا زادة، الزرادشتیون الجدد، عودة للجذور، بحثا عن ھویة مفقودة، مركز المسبار للدراسات والبحوث، نقلاً عن الدين، القومية، كيف تم تعبئة الدين في حملات الأنفال رسالة ماجستير غير منشورة للمؤلف نفسه.
فيما تذكر باحثة أمريكية (إديث سزانتو) استاذة في الجامعة الامريكية في السليمانية سبباً آخر بقولها:” وکذلك، بعد سنة ٢٠٠٣ وتحدیدا بعد إنتشار القاعدة في المنطقة ومن ثم ظھور جنود منظمة الدولة الاسلامیة(= داعش) قرب ثغور کردستان لضرب التجربة الکردیة وفرض حرب الوکالة علی الکرد وتنفیذ أجندة دول المنطقة، لأنھاء التجربة الکردیة التي تشکل أقلیم کردستان، کبر الشرخ الثقافي والتباین وسط الشباب الکردي الذي صدم بأسلام یھاجمھم وجراح الأنفالات لم یندمل بعد، فأدی بھم ذلك الوضع الی البحث عن ھویة أخری، غیر الھویة التي أصبحت وقودا للعدوان علیھم . ينظر: سزانتو إديث، كان زرادشت كرديا- الزرادشتية الجديدة بين كرد العراق وإيران والقوقاز، 2008م.

إن الدعاية للزرادشتية المجوسية التي قد بلغت اليوم أوجها وأصبحت شعاراً لدغدغة العواطف القومية!، ليست في الحقيقة إلا ستاراً لنشاطٍ سياسيٍ مدروسٍ ومخططٍ له حدوده وأبعاده من قبل ايران وأنصارها من بعض الاحزاب الكردية اليسارية وبعض المثقفين الكُرد المعادين للاسلام، الذين يحاولون تسويق الأيديولوجيات الوهمية، فقد قال الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) في 2 مايو/ أيار عام 2015م، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح مجموعة من المشاريع التنموية، بولاية بطمان في إشارة إلى معسكرات حزب العمال الكردستاني: “نملك وثائق تؤكّد قيام القائمين على تلك المعسكرات بتعليم مبادئ الديانة الزرادشتية لعناصرهم، علينا إدراك ذلك بشكل جيد وشرحه لأخوتنا الأكراد…”.
وللعلم فإن الكٌردي المسلم لا يرجع الى الزرادشتية التي عفا عليها الزمن، بسبب كونها ديانة إيرانية بامتياز، وبسقوط دولتها على يد العرب المسلمين سقطت هي الاخرى، وأن الذين اعتنقوا الزرادشتية الذي يقدمون أنفسهم الى الناس تحت عناوين جذابة(= الدولة الكردية)، والذين يستغلون أقلامهم لمآربهم الخاصة وخدمة أسيادهم في الغرب والشرق على حدٍ سواء، دون الالتفات الى معاناة بني قومهم، والمعروفون بإنحرافهم عن التعاليم الاسلامية، والهرولة نحو منظمات التنصير وغيرها، سواء من أعلن نشاطه بعنوان الحرب ضد الاسلام، ومن جعل عنوان مكافحة الارهاب! حجة كاذبة له… إن هؤلاء لا يستطيعون تغيير عقيدة المسلمين الكرد التي مضى عليها اكثر من أربعة عشر قرناً.
كما أن الزرادشتية لم تكن دين الكرد الوحيد، فالمسيحية كانت منتشرة في وسط وغرب وشمال كُردستان مع اليهودية والميثرائية والوثنية، في حين أن الزرادشتية كانت تنتشر فقط في شرق كردستان، والدليل على ذلك وجود عدة معابد نيران فيها فقط، بعكس الاديرة والكنائس المسيحية وكُنَيسات اليهود التي كانت منتشرة بشكل لافت للنظر في كتب البلدانيين المسلمين، في حين أن غالبية معابد النيران كانت تتركز في أقاليم: فارس مسقط رأس المجوسية الزرادشتية وإقليم كرمان (= جنوب شرق إيران)، وإقليم خُراسان(= شمال شرق ايران)، وطبرستان (= جنوب بحر قزوين).

ويحمل (لقمان حاجي كريم) لقب “البير”، وهي أعلى درجة دينية في الزرادشتية، وهو المرجع الديني الزرادشتي في إقليم كردستان العراق، ويشير إلى أن “لافتتاح المركز أهمية كبيرة بالنسبة إلى أتباع الديانة، لأداء المراسم والطقوس الدينية والتعريف بكتابها المقدس آفستا Avesta”.
واعتبر الناشط نزاد نوري وهو من مؤسسي منظمة ( زند للمعرفة والفلسفة الزرادشتية) في بريطانيا عام 2006م، وافتتح المركز رسمياً في اقليم كوردستان العراق في 21 اذار 2015، أختاروا هذا اليوم وهو اليوم الاول من اعياد نوروز لأنه العيد القومي للكرد وفقا لـنزاد الذي اعتبره المبادرة دليلا للانفتاح في اقليم كردستان. وهي “ اسهامة مهمة للعودة الى الاصالة الكوردية العريقة بالعودة الى مباديء زرادشت الانسانية الكبيرة”.
نزاد يقول :” ولدت مسلما ولكن بعدما نشأت وتعلمت كانت دائما لدي تساؤلات لماذا انا ما عليه؟ لماذا علي أن أصدق الاساطير!! (= يقصد الاسلام) وها هو تراث اجدادي ماثل امام عيني؟ ولذلك تعرفت تدريجيا على التراث الزرادشتي ومن هم اجدادنا وماهو تاريخنا وتراثنا وما تعرضنا له على أيدي الآخرين(= العرب المسلمين الفاتحين لكردستان).

إذا كان للإسلام خاصية تجاه الكُرد، فهو قد حافظ على كينونة وذاتية الكرد أرضًا وشعبًا ولغةً وتراثًا، فاللغة الفارسية الحالية هي اللغة الدرية التي امتزجت مع اللغة العربية، ولم يبق من البهلوية الساسانية شيء إلاّ في بطون مصادر التاريخ الإيراني.
أما اللغة الكردية الحالية فلم تتأثر بشيء مثل نظيرتها الفارسية، وإنما احتفظت بخصائصها القديمة واستعاراتها الجميلة، لأن الإسلام لم يأتِ لكي يقضي على الخصائص القومية واللغوية والنسيج الاجتماعي للشعوب، إنما جاء ليحررهم من الأغلال والقيود ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة الأهواء والآلهة المتعددة إلى عبادة الواحد الأحد؛ جاء الإسلام لكي ينقذ الكرد من تعقيدات وطقوس المجوسية الزرادشتية (= الغسل بأبوال الثيران، والزواج بالمحارم…)، والمزدكية الشيوعية وغيرها، ولكي يسمو بالأديان السماوية إلى مصاف النور والتوحيد.
وختاماُ أذكر الزرادشتيين الجُدُد في كردستان بقول المستشرق البريطاني المشهور (أدوارد براون) المتوفى سنة 1930م والمختص بالادب والتاريخ الفارسي في وصف أوستا (= الكتاب المقدس للزرادشتيين): بقوله:” … إنني متى ما رحت أطالع القرآن الكريم أكثر، وسعيت في سبيل إدراك روح القرآن أكثر، التفتُ الى قدره ومنزلته أكثر… بينما التحقيق والمطالعة في آوستا مُمِلة ومُتعِبة، اللهم إلا أن يكون الشخص بصدد التعرف على تاريخ الانسان وأساطيره…”.

الزرادشتية: معهد ومعرض وكتاب وندوة في جامعة لندن

إعداد وترجمة: محمد توفيق علي
تشهد العاصمة البريطانية حاليا معرضا بعنوان ” الزرادشتية الحيّة” وذلك ابتداء من 12 تشرين الأول، أكتوبر، ولغاية 15 كانون الأول،ديسمبر،2018 وذلك في غاليري “بروناي” في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن وحيث مركز الدراسات الايرانية ومعهد الدراسات الزرادشتية الذي افتتح حديثا في 27 حزيران العام 2018. يسرد المعرض من خلال الصور والتسجيلات الصوتية المتطورة والوثائق تاريخ الزرادشتية من جذورها الايرانية مرورا بعصري الأخميني والبارسي وثم تكريسها كدين للدولة في العصر الساساني. وامتدّ نفوذها الى آسيا الوسطى والصين عبر الساحل الغربي للهند حيث تسميتها بالبارسية وثم تطورهم من لاجئين الى جالية خلال حكم الاستعمار البريطاني ولاحقا توسعهم في الشتات وانتشارهم في أنحاء العالم، منها سنغافورة واستراليا وهونغ كونغ ودبي وهنالك جاليات في أمريكا وبريطانيا. يتضمن المعرض نماذجا من الآثار والنقود والفضة التي تجسد تاريخ عصر الامبراطورية الزرادشتية الايرانية. ترحّب الجامعة بالزوار الى المعرض مجانا نهارا من الساعة 10.30 صباحا الى 5.00 مساء في أيام الثلاثاء الى السبت والى الساعة 8.00 مساء في أيام الخميس. وعقدت في 14 تشرين الثاني مساء ندوة بعنوان أصوات من ايران: الزرادشتية: نصوص شفاهية وافادات ألقاها الاستاذ الزائر من جامعة غوثنكن، فيليب كرينبروك وذلك بمناسبة اصدار كتاب من تأليف الأكاديمية في دراسة الزرادشتية في (سواس)، سيرا ستيوارت بعنوان مشابه، أصوات من ايران الزرادشتية: المجلد 1 المراكز الحضرية. وذلك بالتعاون مع الأكاديمية مندانا معاونات في ذات الكلية. من اصدار دار نشر “هراسوفيج” الألمانية والترقيم الدولي للكتاب ISBN 978-3-447-11129-4. الزرادشتية من أقدم الأديان وانحدرت من بين قبائل ايرانية في آسيا الوسطى وذلك في الألفية الثانية قبل الميلاد وانتشرت الى ايران حيث غدت العقيدة الرئيسية لحين حلول الاسلام. تؤمن هذه الديانة بوحدانية الاله الواحد ” آهورا مازدا” و رسوله”زرادشت” وعقيدة الفصل بين الخير والشر. تمثل التواشيح التي تسمى ب”غاثا” “زارا وسترا” أول تجسيد في العالم لتعاليم ديانة سماوية والمدونة باللغات الايرانية القديمة، الآفستية والبهلوية والفارسية والهندية “الغوجراتية” والمدونة على مخطوطات سبق وأن كانت تحفظ شفهيا وقد أثرت على الأديان السماوية الاخرى، اليهودية والمسيحية والاسلام. تجسدت العقيدة الزرادشتية والأساطير التي سبقتها وذلك تلو غزو العرب لإيران في القرن 7 الميلادي، تجسدت في الأدب والشعر. وخير مثال على التعبير عن “الهوية الايرانية” لعكس ثقافتها قبل حلول الاسلام تم تدوينه في ديوان “الشاهنامه” في القرن 11 الميلادي للشاعر الفردوسي (940-1020) ميلادية وحيث تم تدوين وحفظ عقائد دينية. وبحلول القرن 19 الميلادي، في عصر الامبريالية، انخرط الفارسيون بحيوية في التجارة مع الصين في بضائع الحشيش والشاي والحرير والعاج والبهارات ولاحقا القطن. تبنى الأغنياء من البارسيين فن التصوير الأوربي الذي يتضمن المعرض نماذجا منه.
وتشهد العاصمة البريطانية لندن والمدن الجامعية في المقاطعات الاخرى مهرجانا وللمرّة السنوية الخامسة عن الانسانية بعنوان “كوننا بشرا” وذلك على مدى 10 أيام متتالية اعتبارا من 15 ولغاية 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.
تعقد المهرجان كلية الدراسات المتقدمة في عامها الثالث والعشرين، 23، بمركز جامعة لندن وبمشاركة الأكاديمية البريطانية ومجلس بحوث الفنون والانسانيات. وتتضمن الكلية مركز حقوق الانسان وهو المركز الوحيد في المملكة المتحدة الذي يختص في القانون الدولي عن اللاجئين. يتضمن المهرجان أكثر من 250 فعالية ثقافية متنوعة تعقد في 73 جامعة أو معهد في 50 مدينة في المقاطعات الادارية المختلفة، أسكوتلندا، ويلز، ارلنده الشمالية بالإضافة الى انجلترا التي تقسّم جغرافيا الى المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية التي تشمل لندن، محور التنسيق فيما بينها. ومما هو جدير بالذكر هو ان عمارة مركز جامعة لندن (سينيت هاوس) سبق وأن استخدمتها الحكومة كمقر لوزارة الاعلام خلال الحرب العالمية الثانية وحيث توجد شبكة من الأنفاق وغرف خاصة تحتها، الأمر الذي استلهم منه الكاتب جورج اورويل مؤلَفه الشهير، العام 1984. والدخول الى معظم الفعاليات مجانا وبعضها يتطلب التسجيل مسبقا لكثرة الطلب عليها. وهي مدَونة حسب التسلسل الزمني وعناوينها والمؤسسة المعنية بإدارتها لكل مقاطعة أو منطقة.
وكذلك تشهد العاصمة البريطانية حاليا معرضا بعنوان أنا آشوربانيبال: مَلك العالَم. مَلك بلاد آشور. وذلك في المتحف البريطاني اعتبارا من 8 تشرين الثاني 2018 ولغاية24 شباط 2019 نهارا. الدخولية 17 £ للعاملين.
ولمزيد من المعلومات بالإنجليزية والصور راجع الروابط المدونة أدناه
https://www.soas.ac.uk/gallery/living-zoroastrianism/ https://www.britishmuseum.org/whats_on/exhibitions/ashurbanipal.aspx?_ga=2.57217706.1099278827.1542285543-1276861125.1505895347. http://beinghumanfestival.org/

المصدر