تقرير: حقيبتان نوويتان لأول مرة في الولايات المتحدة.. ماذا حدث لحظة تنصيب بايدن؟

509

سلط تقرير صحفي الضوء على أزمة الحقيبة النووية التي يفترض أن يسلمها الرئيس المنتهية ولايته للرئيس الجديد بحسب العرف السائد في الولايات المتحدة، وخالفه ترامب بعدم حضوره حفل التنصيب، الأمر الذي أدى إلى اعتماد حقيبتين في ان واحدة.

وبحسب تقرير لصحيفة “الاندبندنت”فقد “رافقت إحدى الحقائب النووية دونالد ترمب إلى ولاية فلوريدا حيث يقيم صباح يوم التنصيب، وأعدت الرموز الموجودة على بطاقة الإطلاق المرتبطة بهذه الحقيبة بحيث تتوقف عن التشغيل بحلول ظهيرة ذلك اليوم بتوقيت شرق الولايات المتحدة، تماماً مثلما يتم إلغاء أي بطاقة إئتمان مصرفية، وذلك في ذات اللحظة التي يؤدي فيها الرئيس الجديد جو بايدن اليمين الدستورية في العاصمة”.

وأضاف التقرير، أن “حالة القلق من بقاء الحقيبة النووية إلى جوار الرئيس ترمب، استمر حتى الساعات الأخيرة من بقائه في السلطة، ففي الأسابيع الأخيرة، أشار الديمقراطيون في الكونغرس مراراً إلى سلطة ترمب المنفردة لإطلاق أسلحة نووية من هذه الحقيبة للتدليل على خطورة الأمر بيد رئيسٍ سعوا إلى عزله من منصبه قبل يوم 20 يناير (كانون الثاني) الحالي”.

ادناه نص التقرير..

على مدى عقود ظلت الحقيبة النووية الأميركية التي تحتوي على رموز إطلاق ترسانة الأسلحة النووية ويمكن أن تقضي على أعداء أميركا بضربة واحدة، تنتقل شخصياً من الرئيس الأميركي المغادر إلى خلفه خلال حفل التنصيب، ولكن لأن الرئيس السابق دونالد ترمب خالف التقاليد بعدم وجوده في واشنطن العاصمة لحضور حفل تنصيب الرئيس جو بايدن، كان لا بد من اعتماد ترتيبات أخرى للقيام بهذه العملية الحساسة بالنسبة للأمن القومي الأميركي، فما هي تفاصيل هذه الترتيبات؟ وماذا لو اندلعت أزمة نووية يوم تنصيب بايدن؟ وهل توجد حقيبة نووية واحدة أم أكثر من حقيبة؟

منذ ستينيات القرن الماضي حين بدأ استخدام هذه الحقيبة التي يُطلَق عليها أيضاً اسم “حقيبة الطوارئ” أو “كرة القدم النووية”، ظلت دائماً في متناول الرئيس الذي يُعدّ القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، ويملك وحده حصرياً قرار إطلاق مئات أو آلاف الصواريخ النووية للرد على هجمات الأعداء أو استباقاً لهجمات مضادة بعد ترتيبات محددة مع قيادات وزارة الدفاع (البنتاغون).

حدث استثنائي

غير أن ما حدث في يوم تنصيب الرئيس الجديد للولايات المتحدة، كان أمراً فريداً من نوعه لدرجة أثارت القلق لدى عدد من خبراء الأمن والإستراتيجية، بسبب تغيير تقليد متبع منذ عقود، نتج عنه استخدام حقيبتين نوويتين في وقت متزامن لأول مرة، فكيف تم ذلك؟

رافقت إحدى الحقائب النووية دونالد ترمب إلى ولاية فلوريدا حيث يقيم صباح يوم التنصيب ، وأعدت الرموز الموجودة على بطاقة الإطلاق المرتبطة بهذه الحقيبة بحيث تتوقف عن التشغيل بحلول ظهيرة ذلك اليوم بتوقيت شرق الولايات المتحدة، تماماً مثلما يتم إلغاء أي بطاقة إئتمان مصرفية، وذلك في ذات اللحظة التي يؤدي فيها الرئيس الجديد جو بايدن اليمين الدستورية في العاصمة.

في الوقت ذاته، حصل الرئيس بايدن خلال حفل الافتتاح على حقيبة نووية ثانية تم تفعيل رموز إطلاقها الموجودة على بطاقة تسمى البسكويت، وحملها ضابط عسكري على مقربة منه، بينما عاد بعد ذلك المساعد الذي اصطحب الحقيبة النووية الخاصة بترمب إلى واشنطن العاصمة بهذه الحقيبة، وهو أمر غير اعتيادي أضاف تعقيدات إلى المشهد وشكّل خطورة في هذه العملية.

المرة الأولى

وتُعد تلك المرة الأولى التي تجري فيها هذه العملية على مسافات بعيدة جداً، ففي مراسم التنصيب السابقة خلال الحرب الباردة وما بعدها، كان انتقال الحقيبة النووية وجميع إجراءات المصادقة المصاحبة لها، يتمّ بشكل غير محسوس من الرئيس المغادر الذي يجلس على منصة الاحتفال إلى الرئيس القادم الذي يدلي بالقسم مع رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة.

لكن بايدن بصفته نائب رئيس لمدة ثماني سنوات بين عامي 2009 وحتى 2017، لديه قدر من الاطلاع على نظام المصادقة في الحقيبة النووية، باعتباره الشخص الذي يرث سلطة الإطلاق النووي إذا أُصيب الرئيس بالعجز عن أداء مهماته الرئاسية وفقاً للدستور الأميركي.

قلق مستمر

ويبدو أن حالة القلق من بقاء الحقيبة النووية إلى جوار الرئيس ترمب، استمر حتى الساعات الأخيرة من بقائه في السلطة، ففي الأسابيع الأخيرة، أشار الديمقراطيون في الكونغرس مراراً إلى سلطة ترمب المنفردة لإطلاق أسلحة نووية من هذه الحقيبة للتدليل على خطورة الأمر بيد رئيسٍ سعوا إلى عزله من منصبه قبل يوم 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، كما اتصلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قبل أيام بالجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة، في ما بدا أنها محاولة للحصول على تأكيدات من قيادة البنتاغون بإبعاد ترمب عن سلسلة القيادة النووية على اعتبار أنه رئيس مختل حسب تصريحات بيلوسي، وبالتالي ينبغي منعه من الوصول إلى الرموز النووية.

لكن الجنرال ميلي لم يقدم أي التزام بأنه يستطيع منع أو إبعاد ترمب من الوصول إلى الرموز النووية، لأن ذلك سيكون عملاً غير قانوني ما لم يُفعّل نائب الرئيس ونصف الحكومة التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأميركي لإقصاء الرئيس عن الحكم، أو أدين ترمب بالتهم الموجَهة إليه بتحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول، والتي وافق عليها مجلس النواب الأسبوع الماضي.

قوة الحقيبة النووية

وبينما يمكن أن تلوح مواجهة عسكرية أو نووية إذا اقتضى الأمر، أثيرت تساؤلات واسعة حول طبيعة ومصير الحقيبة النووية التي تكون دائماً إلى جوار أي رئيس أميركي. ولا تزال الحقيبة الجلدية السوداء للرئيس ترمب، التي تحتوي على رموز الإطلاق للترسانة النووية الأميركية، حاضرة في الأذهان عندما تحدثت عنها وسائل الإعلام قبل عدة أشهر، بعدما شوهدت تُنقل على متن المروحية الرئاسية “مارين ون” مع ترمب أثناء نقله جواً إلى مركز والتر ريد الطبي للعلاج من فيروس كورونا.

وتُعد هذه الحقيبة التي يبلغ وزنها 45 رطلاً، وظلت إلى جانب الرئيس طوال الوقت، واحدة من ثلاث حقائب مماثلة ، واحدة تتبع الرئيس وتكون “منظومة” (codes) التشغيل مفعّلة، وواحدة مع نائب الرئيس وتكون غير مفعّلة، بينما تظل الحقيبة الثالثة محفوظة في البيت الأبيض. وتُعد الحقيبة النووية أقرب مكافِئ في العصر الحديث لتاج وصولجان القرون الوسطى، فهي رمز السلطة العليا لأنها ترافق القائد الأعلى للقوات المسلحة حيثما ذهب. وتوصف الحقيبة ذات المظهر السري الذي تعكسه الأفلام وروايات التجسس بأنها رمز القوة المطلق.

وتُعرَف الحقيبة رسمياً باسم حقيبة الطوارئ الخاصة بالرئيس أو ما يسمى بـ”كرة القدم” النووية المحمولة يدوياً. وخلافاً للاعتقاد السائد، لا تحتوي الحقيبة في الواقع على زر أحمر كبير لشن حرب نووية، إذ إن الغرض الأساس منها هو تأكيد هوية الرئيس، والسماح له بالتواصل مع مركز القيادة العسكرية الوطنية في “البنتاغون”، الذي يراقب التهديدات النووية في كل أنحاء العالم ويمكن أن يأمر برد فوري، وتزود حقيبة كرة القدم القائد العام بقائمة مبسطة لخيارات الضربة النووية، ما يسمح له بأن يقرر إذا ما كان سيقضي على جميع أعداء أميركا بضربة واحدة أو يقتصر الأمر على محو موسكو أو بيونغ يانغ أو بكين فقط.

لماذا كرة القدم؟

على الرغم من أن السبب وراء البدء في تدشين “حقيبة كرة القدم النووية” لا يزال مصنفاً سرياً للغاية، فإنه يمكن إرجاع نشأة الفكرة إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، إذ كان الرئيس جون كينيدي يعتقد أن الأسلحة النووية جيدة للردع فحسب، وأنه من الجنون أن يكون بإمكان رجلين جالسين على جانبين متقابلين من العالم، في إشارة إلى موسكو وواشنطن، أن يقررا إنهاء الحضارة الإنسانية. وتحت تأثير خشيته من عقيدة التدمير المتبادل المؤكد، أمر كنيدي بوضع أقفال “كودية” على الأسلحة النووية وطالب بإرساء خيارات بديلة من خطة الحرب النووية القائمة آنذاك على أساس “كل شيء أو لا شيء”.

وتوثق مذكرة للرئيس كيندي التي رُفعت عنها السرية، المخاوف التي أدت إلى اختراع “حقيبة كرة القدم النووية” كنظام للتحقق من هوية القائد العام للقوات المسلحة الأميركية وهو الرئيس، إذ طرح كيندي أسئلة مخيفة ولكن منطقية مثل: ماذا أقول لغرفة الحرب المشتركة من أجل شن ضربة نووية فورية؟ وكيف يمكن للشخص الذي تلقى تعليماتي التحقق منها؟

ما المقصود بالبسكويت؟

وفقاً لوزير الدفاع السابق روبرت ماكنمارا، “اكتسبت “حقيبة كرة القدم” اسمها من خطة حرب نووية مبكرة أُطلق عليها اسم “دروب كيك”، أي أسقِط واضرب، وهو ما احتاج إلى “كرة قدم” حتى يتم تفعيلها”.

وكانت الشكوى المتكررة من الرؤساء والمساعدين العسكريين على حد سواء هي أن كرة القدم، التي تزن حالياً نحو 45 رطلاً، تحتوي على وثائق عدة. وكان الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، الذي كان مؤهلاً لقيادة غواصة نووية، مدركاً أنه لن يكون أمامه سوى بضع دقائق ليقرر كيفية الرد على ضربة نووية ضد الولايات المتحدة، ولهذا أمر بتبسيط الخطط الحربية بشكل جذري بما في ذلك عملية إطلاق صواريخ نووية، ولكي تعمل كرة القدم كما هو مخطط لها، يجب أن يكون المساعد العسكري بالقرب من القائد الأعلى في جميع الأوقات، ويجب أن يكون بحوزة الرئيس رموز التصديق الخاصة به ليستخدم بطاقته المشفرة المغلفة، الملقبة بـ “بسكويت”.

المصدر