عبد الحليم الرهيمي
شهد العراق خلال الأشهر الأخيرة تطورات نوعية مهمة ولافتة في علاقاته مع الدول العربية الإقليمية وهي كل من مصر و الأردن و السعودية وذلك على مختلف الصعد الاقتصادية و الاستثمارية و الأمنية وتبادل الخبرات والتعاون، وبذلك انطوت هذه التطورات في العلاقات بين الدول الأربع على دلالات مهمة على الصعيد الستراتيجي الاقتصادي والسياسي للمنطقة.
ففضلاً عن اهمية هذا التطور في العلاقات بذاته بين العراق وهذه البلدان التي تتسم بأهمية ستراتيجية، كونها تمثل احياء واصلاحاً للعلاقات المتعثرة مع بعضها، فانها تحدث الان في ظروف اقتصادية و صحية وأمنية وسياسية صعبة ومعقدة، وبما يمكننا من القول إن العراق هو اكثر من الآخرين بحاجة الى التطور النوعي بهذه العلاقات، تطلعاً للمساهمة في إيجاد الحلول للمشكلات والازمات التي يواجهها على مختلف الصعد.
هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية العراقية تجاه عدد من دول الاقليم العربي انطلق منذ اجتماع القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمّان في 25 من شهر اب الماضي، وضمت كلاً من رئيس الوزراء العراقي و الرئيس المصري والعاهل الأردني، حيث مثل هذا الاجتماع خطوة مهمة وصفت بالتاريخية على صعيد البلدان الثلاثة، لاسيما بمبادرة رئيس الوزراء العراقي بطرح ما اطلق عليها برؤية ستراتيجية ( المشرق العربي الجديد) وهو الامر الذي فسر بأنه الدعوة لأقامة مشرق عربي يختلف بتوجهاته واهدافه وادائه عن المشرق العربي القديم.
وتعد هذه الرؤية للمشرق العربي الجديد التي كانت أحد المخرجات المهمة التي تمخضت عنها قمة عمان الثلاثية، الاساس الذي ستبنى عليه عملية توسيع وتطوير هذا المشروع في مراحل لاحقة، والذي سيضم دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وما تمثله من وزن اقتصادي وسياسي كبير ومؤثر في المنطقة. وبالفعل لم يمر وقت طويل على قمة عمان و طرح مشوع المشرق العربي الجديد و دور العراق في تفعيله، حتى تقدم العراق بخطوتين مهمتين في هذا الاتجاه عبر تعزيز و تفعيل علاقته الثنائية مع مصر من جهة، واحياء و تطوير علاقته مع السعودية من جهة اخرى، بما يعنيه ذلك من تواصل، و ربما احتمال انضمام المملكة السعودية إلى لقاء دول قمة عمان الثلاثية مستقبلا.
فعلى صعيد تطوير علاقة العراق مع مصر بوشر خلال الفترة الماضية القيام بخطوات مهمة لتطوير وتعزيز هذه العلاقة، التي بدأت بعقد اول اجتماع للجنة العراقية- المصرية في بغداد غير المفعلة منذ 31 عاماً وذلك في الحادي و الثلاثين من شهر تشرين الأول المنصرم. وخلال وجود الوفد المصري برئاسة رئيس الحكومة مصطفى مدبولي وقعت بين الوفدين العراقي و المصري 15 مذكرة تفاهم و برتوكول و برنامج تعاون بين البلدين في مختلف المجالات. وقد وقع على محضر الاجتماع رئيسا الحكومتين العراقي والمصري، والذي ركز فيه رئيس الحكومة العراقية امام ضيفه المصري دعواته لتوسيع دور مصر في اعمار العراق و الاستفادة من تجاربها العمرانية.
اما مذكرات التفاهم واتفاقات التعاون فقد تضمنت تعزيز العلاقات بين البلدين و التبادل التجاري و تطوير هذه العلاقات على صعيد الطاقة والزراعة والصناعة والسياحة والربط الكهربائي و الاعمار.
اما على صعيد العلاقة مع المملكة العربية السعودية، فقد بوشر بتطويرها وتعزيزها في الفترة الماضية، حيث اتجه هذا التطوير ليس فقط بالبناء على ما انجز عام 2017 و تأسيس( المجلس الأعلى للتنسيق بين البلدين) بل تجاوزه إلى افاق ابعد وقد جرى التعبير الأولي عن ذلك بوصول وفد سعودي كبير الى بغداد يضم عدداً من الوزراء و الخبراء من مختلف الاختصاصات، اجتمع مع نظرائه العراقيين لمدة يومين حيث وقع وفدا البلدين باختتامه على (9) مذكرات تفاهم واتفاق وتعاون في مختلف مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والسياحة والاتفاق على تنفيذ الجانب السعودي مشاريع عملاقة في الزراعة ( في الانبار والمثنى مثلا) والصناعة والربط الكهربائي، وقد رافق هذا الانجاز الاجتماع عبر دائرة إلكترونية بين رئيس الوزراء العراقي وولي العهد السعودي للتأكيد على تطوير و تعزيز العلاقة بين البلدين والتمهيد لزيارة الكاظمي إلى السعودية في الفترة القريبة، بعد ان أجلت سابقاً بسبب مرض العاهل السعودي.
إنَّ هذا التطور النوعي في علاقات العراق مع كل من مصر و السعودية وقبله اجتماع القمة الثلاثية في عمان سيساعد، اذا ما انجزت الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة، من دون عراقيل، في تحقيق تقدم كبير ومهم لتطوير العراق في مختلف المجالات ويخفف عن عبء الازمات الاقتصادية و المالية التي يعاني منها، وان اعتراض البعض على هذا التوجه يتوجب عليه إدراك ما سيتحقق و يجني العراق من فوائد كبيرة في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء، عن المواقف الأيديولوجية و النظرة القاصرة للقضايا المهمة.