بغداد/ تميم الحسن
شجع ما فعلته القوات الامنية في فض اعتصامات البصرة بـ”القوة” على اعادة طرح مشروع اقليم الجنوب – الذي تم تأجيله بشكل مؤقت في اعقاب انطلاق احتجاجات تشرين- كحل اخير لما تعتبره المدينة الغنية بالنفط “الغبن المزمن” التي تتعرض له من الحكومة الاتحادية.
وعلى اثر ذلك الاجراء، اكد متظاهرون في البصرة استمرار “الثورة”، وتجددها بصور مختلفة، كما دانت مدن اخرى ما جرى.
كذلك بدأت الناصرية وبابل خطوات تصعيدية كرد على محاولات “تقييد الاحتجاجات”، واعادة المطالبة بمحاسبة قتلة المتظاهرين.
وشهدت ساحة البحرية في البصرة ليلة السبت، صدامات واسعة مع عناصر الأمن، بعد رفض المحتجين مغادرة الساحة التي قررت القوات الأمنية إنهاء الاعتصام فيها، واستخدمت قنابل الغاز لتفريقهم، ما تسبب بتسجيل حالات اختناق في صفوف المحتجين، كما أحرقت العديد من الخيم.
وقال علي عدنان، احد المتظاهرين في البصرة لـ(المدى) ان “نحو 10 خيم تم احراقها من قبل قوات مكافحة الشغب، كما تعرض نحو 15 متظاهرا الى حالات اختناق”.
وجاء فض اعتصام ساحة البحرية بعد ساعات على فض الاعتصام المركزي، في ساحة التحرير وسط بغداد.
وأعلنت قيادة عمليات بغداد، السبت الماضي، إعادة فتح ساحة التحرير وجسر الجمهورية وسط بغداد بعد إغلاقهما لأكثر من عام إثر الاحتجاجات الشعبية.
ورفعت قوات الجيش الخيم المتبقية في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد من دون أي صدام مع المحتجين.
وأكد عدنان ان “التظاهرات في البصرة لن تتوقف وسيكون هناك رد على تلك الافعال”، متهما المحافظ اسعد العيداني باعطاء الاوامر لفض الاعتصامات. وأضاف: “ستكون التظاهرات المقبلة ضد المحافظ”.
ويثير المحافظ اسعد العيداني جدلًا واسعًا منذ سنوات بسبب تمسكه بمنصبه، على الرغم من تسجيل 18 تظاهرة ومحاولة من داخل البصرة والبرلمان، لاجبار العيداني على التنازل عن احد المنصبين، إذ فاز الاخير بمقعد نيابي في انتخابات 2018، ما زال شاغرا حتى الآن.
وظل العيداني في منصبه على الرغم من تغيير الحكومة في بغداد مرتين. ويتهم متظاهرون، العيداني باستخدام العنف المتكرر ضد المحتجين، كما لا يخلو التصعيد ضده من بعض الجوانب السياسية والصراع على المنصب الذي تتصارع عليه بعض الكتل.
خيار الإقليم
بالمقابل يقول الناشط البصري سمير المالكي، ان ماجرى في البصرة “امر متوقع” بسبب تراجع المتظاهرين في بغداد ورفع الخيم من وسط ساحة التحرير.
واضاف المالكي لـ(المدى): “كان عدد من المتظاهرين في البصرة قد قرروا قبل تشرين الاول 2020 ان لا يشاركوا في هذه الاحتجاجات والبقاء على طلب الاقليم، لانه برأيهم الحل الوحيد والاخير”.
وامام رأي غالبية سكان البصرة، قرر المالكي وزملاؤه، تأجيل مطلب الفيدرالية وانتظار نتائج احتجاجات تشرين.
وتابع :”الان صار طلب الاقليم اكثر شعبية، بعدما لم تنجح الاحتجاجات في تنفيذ اغلب مطالب المتظاهرين، ورفعت السلطات الخيم بالقوة”.
وكان عدد من مؤيدي فيدرالية البصرة ومنهم مجلس المحافظة (المنحل)، قد طالبوا حكومة عادل عبد المهدي السابقة، بتنظيم استفتاء لإعلان الاقليم، بعد تجاوز مرحلتي جمع التواقيع الـ(2% و50%) من عدد الناخبين في المدينة.
ويمنح الدستور حق إقامة الإقليم شريطة ألا يكون على أساس طائفي، وهو يعطي الحرية لمحافظة، أو لعدة محافظات، بتقديم طلب للانتقال إلى إقليم بعد إجراء استفتاء شعبي من قبل مفوضية الانتخابات، وأن يحظى بموافقة أكثر من نصف المواطنين المشمولين بالاستفتاء.
ويقول المالكي إن اقليم البصرة “سيعيد النظر بميزانية المحافظة التي تحتسب لـ2 مليون نسمة، والبصرة وصلت الآن الى 6 مليون شخص”.
حكومة المستشارين
الى ذلك دان بيان صادر عن “شباب انتفاضة تشرين” استخدام القوات الامنية العنف لفض الاحتجاجات بدلا عن كشف قتلة المتظاهرين.
وقال البيان الذي وزع على عدد من وسائل الاعلام: “استيقظ ثوار ساحة التحرير السلميين السبت ٣١ تشرين ٢٠٢٠، على صوت جرافات ووقع خطوات المـئات من قوات الشغب وحفظ النظام سيئة الصيت، وهي تحاصر الساحة من كل جانب، من اجل فض الاعتصام وفتح الطرق، واعتدت تلك القوات على بعض المعتصمين، بمشهد بشع ينهي كل الوعود الكاذبة للحكومة وأحزاب السلطة والفساد”.
واضاف البيان: “كنا نأمل ان تستخدم هذه الحكومة القوات الأمنية في الكشف عن قتلة المنتفضين (..) ولكنها جيشت تلك القوات من اجل فض اعتصام ساحة التحرير، غير محترمة لأي وعود سبق وأطلقتها ولا حتى لدماء الشهداء الذين سقطوا في كل بقعة من الساحة”.
ودان البيان ما اعتبره “التحجج” بضرورة عودة الحياة الطبيعية، وانهاء الاعتصامات، وقال انه “امر غير واقعي، فلم تكن حياتنا طبيعية طوال العقود الماضية، سقط منا الآلاف بحروب عبثية وحصار اقتصادي وصراعات سياسية وازمات اقتصادية وفساد، فاين الحياة الطبيعية التي يجب ان تعود؟”.
واختتم البيان ان “كل الساحات ستكون ساحة التحرير، ونعدكم بأيام احتجاج ستهز عروشكم الفاسدة، فحقوقنا المسلوبة لن نتنازل عنها ومطالبنا المشروعة لن نساوم عليها والى النصر المؤزر بالخلاص منكم ومن النظام الفاسد والفاشل”.
وفي وقت متأخر من يوم أمس عاد المحتجون الى ساحة التحرير.
الناصرية تحذر
في غضون ذلك قال متظاهرون في الناصرية بان “ساحة الحبوبي”، وهي الساحة المركزية للاحتجاجات في المحافظة، سترد على العنف الذي حدث في البصرة.
وقال حسين الغرابي الناشط في الناصرية لـ(المدى) ان “التظاهرات ستبقى مستمرة رغم ما جرى في بغداد والبصرة، وستكون لها اوجه اخرى”، مشيرا الى ان “الحكومة لن تهاجم ساحة الحبوبي لانها ستدفع الجميع الى التصعيد وهو امر ليس في نية بغداد”.
وحذرت عوائل ضحايا الاحتجاجات بمحافظة ذي قار، الحكومة من محاولة فض اعتصام ساحة الحبوبي (بالناصرية) الذي تحول إلى مركز الاحتجاجات في البلاد.
وظهرت مجموعة من ذوي الضحايا في بيان مصور قالت فيه: “نحذر من أي تدخل لفض الاعتصام السلمي في الحبوبي ونطالب قيادة عمليات سومر وقيادة شرطة ذي قار بتوفير الحماية اللازمة للساحة”.
وأضافت: “نحن عوائل الشهداء مستمرون في اعتصامنا السلمي لحين تحقيق المطالب، ونطلب من المنتفضين والثوار ضبط النفس والحفاظ على سلمية الثورة وأمن المحافظة”.
واغلق محتجون، امس، مبنى محافظة ذي قار لعدة ساعات قبل ان يعاد افتتاحه، مطالبين بالكشف عن المفقودين.
ويتهم المتظاهرون في الناصرية، بحسب الناشط الغرابي، المحافظ وقيادة الشرطة، بالمسؤولية عن استمرار اختفاء الناشط سجاد العراقي الذي فشل جهاز مكافحة الارهاب الشهر الماضي في ايجاده.
ويتوقع بحسب مصادر الـ(المدى) انه قد تبدأ السلطات في فض بقية ساحات الاعتصام في البلاد، كما جرى في البصرة، ومن المرجح ان تكون ساحة النجف هي الوجهة المقبلة، إذ تتهيأ قوات لانهاء الاعتصام قادمة من بغداد.
بالمقابل شهدت مدينة الحلة، جنوب بغداد، مسيرات طلابية امس، اكدت على استمرار “الثورة” وطالبوا بالكشف عن قتلة المحتجين.