بولندا – انتفاضة النساء رافعة للتغيير الشامل !
احسان جواد كاظم
موجة عارمة من الأحتجاجات شهدتها المدن البولندية, نهاية الشهر الماضي وبداية الشهر الجاري والتي استمرت لأكثر من اسبوع. كان سبب اندلاع شرارتها المباشرة اعلان المحكمة الدستورية, حكماً فحواه: ” أن فرضية الإجهاض للأجنة المريضة غير متوافقة مع الدستور البولندي”.
وجاء الرفض له قاطعاً, من اوساط واسعة من النساء منظمات وأفراد باعتباره قراراً مجحفاً ومهيناً, ومصادرة لحرية الأختيار المقرة دستورياً, ولأنه صادر لدواعي ايديولوجية دينية بحتة.
كما وجدت فيه احزاب يسارية وليبرالية اخرى, محاولة لتأطير المجتمع.
ان فرض حمل الأجنة التي تثبت الفحوصات الطبية تشوهها او تعاني من عيوب تكوينية داخلية… وولادتها, موقف يخلو من الأنسانية, بالنسبة للأم وكذلك للطفل, لما سيلحق بهما كما بكامل افراد عائلتهما من معاناة حياتية ونفسية واجتماعية واقتصادية, في ظل الغياب شبه التام للعناية الصحية المتخصصة لهذه الشريحة وضعف الدعم الحكومي في مجالات العلاج والدواء وتأمين ظروف معيشية مناسبة له.
لقد تبين أن فرض حظر كامل تقريباً على الإجهاض, والاحكام الصادرة عن محكمة مشكوك في شرعيتها, بسبب طبيعة وظروف تشكيلها من قضاة من ذوي النزعات اليمينية بالتعيين (اعترض الأتحاد الأوربي الذي تنتمي اليه بولندا على التعيينات واعتبرها خرقاً لأستقلالية القضاء والنظام الديمقراطي عموماً, تتناقض مع مبادئه ودستوره وهدد بمعاقبتها), كان بمثابة قطرة ملأت كأس مرارة مجتمع سئم الطبيعة القمعية لسلطة حزب القانون والعدالة والأيديولوجية القومية الكاثوليكية ، والتي تستخدمها حكومة ماتيووش مورافيسكي كأداة رئيسية للسيطرة على المجتمع.
لذا فان الانتفاضة اجتذبت قطاعات لم تكن مرتبطة بقضية الأجهاض حتى الآن، مثل عمال المناجم من WZZ Sierpień 80 والمزارعين من Agro Unii واتحادات طلاب الجامعات والثانويات, لكنها كانت معارضة أصلاً للحكومة قبل اندلاع الصراع على إنهاء الحمل.
هناك سبب آخر للنظر إلى تمرد الإجهاض كمظهر من مظاهر السخط العام الأوسع, فمسألة إنهاء الحمل لا تتعلق فقط بمسألة النظرة الحداثية للعالم… إنها أيضاً وإلى حد كبير مسألة طبقية…
إن عدم السماح بالإجهاض، والافتقار العملي لحقوق الإنجاب للمرأة البولندية، يقلق الجزء الفقير من النساء البولنديات، من وجهة نظر مادية ومالية بالكامل, لما يشكله من عبء كبير عليهن وعلى عائلاتهن في حياتهن اليومية.
أظهرت الاحتجاجات في المدن الصغيرة بشكل خاص ، وحتى في قرية Choczewo التي لايتعدى عدد سكانها 1400 نسمة، بأنها بداية تشكل وعي رافض… وأن البولنديات والبولنديين بدأوا عموماً يضيقون ذرعاً بحزب القانون والعدالة وسياسة حكومته, وان اندلاع هذه الأحتجاجات العارمة ( بلغت تقديرات المشاركين باحتجاجات وارشو المئة ألف امرأة ورجل )ولأكثر من اسبوع هي بداية نهاية حكمه.
وقد كان للعجز التام لحكومة ماتيووش مورافيسكي في مواجهة وباء كورونا والتدهور الواضح في الوضع الاقتصادي, المرتبط أيضاً بالفايروس والإغلاق, رافداً مهماً في تعزيز الأحتجاجات بمؤيدين, لأن السياسات الحكومية أدت الى تحميل العمال والفقراء بشكل عام تكاليف الأزمة بالكامل, بما فيها الدعومات المقدمة للشركات المعطلة.
تعددت صور الترحيب العام بالأنتفاضة, فقد ضجت وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي بصورة الشرطية التي أوقفت مركبتها وخرجت تحيي المحتجات وتصفق لهن.
كما كتب احدهم على تويتر عن صور اخرى للتضامن الشعبي معهن, في ظروف التباعد الأجتماعي بسبب كورونا, قائلاً: ” كان المواطنون يطلّون من شرفات مساكنهم, مصفقين هاتفين ورافعين شعارات التظاهرة, وسواق السيارات يطلقون مزاميرهم تحية لهن “.
سببت الأنتفاضة النسوية والشعبية صدمة كبيرة للكثيرين وخصوصاً لسياسيي اليمين ورجال الكنيسة وفاجأت الصحفيين, بحجمها وسعتها التي تجاوزت, حسب متابعين, احتجاجات واضرابات منظمة التضامن, ايام عنفوانها في سبعينيات وثمانيات القرن الماضي, ضد حكومة بولندا الأشتراكية, حينها.
انتفاضتهن رسمت وجه بولندا جديدة !