بدون دولة قوية لا توجد مشاريع استثمارية ولا اقتصادية تنموية فعلية
بقلم مهدي قاسم
تذكرّني حالة الدولة العراقية المتداعية الحالية ، بحالة الدولة اللبنانية المتقوّضة ــ حيث كنتُ أعمل صحفيا في بيروت حينذاك ــ إبان الحرب الأهلية المثقلة بوجود عشرات من منظمات يسارية و قومية لبنانية ، وأخرى عديدة تابعة ل” المقاومة الفلسطينية ” في غرب بيروت ، و عديد من الميليشيات ” المسيحية ” في شرقها ، والتي عُرفت ب”القوات اللبنانية ” حتى يمكن القول أن في كل محلة أو حي كانت توجد حكومة ميليشاوية ومستقلة وذات ” دولة ” خاصة لهذا تنظيم أو لتلك الحركة أم الجبهة ، محاطة بحواجز وسواتر مدججة بالدوشكات !..
وقد استمرت هذه الحالة لسنوات طويلة والدولة اللبنانية في حالة غياب أو غيبوبة متواصلة ، حتى أنهت عملية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في عام 1982 تلك الحالة القائمة من اللادولة ، حيث أُجبرت المقاومة الفلسطينية على الخروج من لبنان إلى الجزائر وتونس واليمن بينما المنظمات والفصائل اللبنانية المسلحة قد اختفت منهية وجودها المسلح إلى الأبد ، فبعد الانسحاب الإسرائيلي أخذت الدولة اللبنانية تستعيد أنفاس وجودها وكيانها لتكون دولة حقيقية ومعتبرة وخاصة بعدما اصبح قتيل التفجير الإرهابي رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة وبصفته كرجل أعمال ، حيث بدأت مشاريع الإعمار والخدمات الكبرى تجري على قدم وساق بفضل الدعما لمالي الخليجي ، حتى استطاعت بيروت استعادة القها وتوهجها السابق قبل أن تفقدها مجددا ــ شيئا فشيئا بعد اغتيال الحريري وهيمنة حزب الله على بيروت الغربية ومناطق الجنوب ..
والدولة العراقية تمر بنفس حالة الدولة اللبنانية المشابهة من غياب سيادة وغيبوبة حضور أمني قوي ، واضحت دولة هامشية تتحكم بها ميليشيات صاحبة أمر ونهي أكبر وأقوى ..
والأنكى من ذلك إن قيادات هذه المليشيات هي مَن جاءت بمصطفى الكاظمي ــ ولو على مضض ــ وطفقت تهدده بعد ذلك بالطرد وقطع اللسان إذا حاول تقليم أظافرها والحد من سيطرتها وسطوتها على شؤون الحكومة والدولة ، مع الاستمرار في ابتزاز الشارع العراقي ب” فضل المقاومة الإسلامية ” في تحرير العراق من عصابات داعش الإرهابية ، يعني:
ــــ اتركونا نصول ونجول بقوانا المسلحة ونبقى دولة عميقة متنفذة داخل الدولة العراقية الهشة مع بقاء كل مظاهر الفساد ، من حيث السيطرة على المصالح الاقتصادية الفئوية والمقاولات الوهمية ومصادر كسب المال الأخرى لأننا عملنا فضلا عليكم و حررناكم من الغزو الداعشي فأخرسوا وإلا عناصر داعش تنتظر خلف أسوار بغداد لتغتصب نساءكم !!..
بينما ، وكما هو معروف ، بدون دولة قوية ومتماسكة ـــ وخالية من الفساد بنسبة كبيرة ــ لا تجري أية عمليات إعمارية و تحديثية مطلوبة ، ناهيك عن عمليات استثمار وتنمية اقتصادية ضرورية لتحسين المعيشة والخدمات للمواطنين ..
وهو الأمر الذي لا تريد أن تدركه أو تفهمه القوى السياسية الفاسدة والمجموعات و الميليشيات المسلحة المسيطرة على زمام الأمور في العراق أو تتظاهر وكأنها لا تفهمه ..
مع أنها تدرك جيدا حقيقة الوضع الاقتصادي الكارثي للعراق ..