انقراض مفردات و جمل حسب مراحلها : جبهة الصمود و التصدي
بقلم مهدي قاسم ..
لا أعرف كيف خطرت على بالي عبارة تكاد أن تكون منقرضة في القاموس السياسي العربي الراهن ، إلا وهي عبارة “جبهة الصمود والتصدي ” في حين إنني لم استخدمها عنوانا في بعض كتاباتي إلا بدافع طرافة ودعابة في ذروة مرارتنا من كورونا ، وهي العبارة المفضلة و دائمة التكرار و الحضور حينذاك ، و التي كانت لا تخلو منها جريدة أو وسيلة إعلامية يومية منذ الستينات والسبعينات و حتى الثمانينات من القرن الماضي ، حيث كانت تحكم ” أنظمة قومية ” مهددة بتدمير و زوال إسرائيل أو الكيان الصهيوني غدا أو بعد غد على أقل تقدير !! ..
ولكن شيئا فشيئا ، و بتواز مع سقوط الأنظمة القومية و إحلال محلها .أنظمة إسلامية ” سنية هنا و شيعية هناك ” بدأ الانفراط وتوسع الرقعة المرتخية و المهلهلة مع عمليات تفكك و تداع متتالية التي حتى شملت أنظمة الخليج انبطاحا ..
فالبرغم من الجعجعة والتهديدات الفارغة بالتحرير والزوال و رمي العدو في البحر فما كان أحدا سواء من أنظمة عرب المشرق أو المغرب القومية يتجرأ على التطبيع والاعتراف والتبادل الدبلوماسي العلني ــ ما عدا السادات الذي دفع حياته ثمنا لذلك ــ نقول فما من نظام عربي كان ليتجرأ على ذلك لأنه كان يعتبر ” كفرا “قوميا “و دينيا لا يُغتفر ، فضلا عن الخوف من غضب الشارع العربي الكاسح ..
أما الآن فيا لعجب العجاب من كثرة حجاب و ما يجري علنا و بوقاحة خلف الهضاب ! .:
فتفضلوا و أنظروا إلى وتيرة و سرعة تسابق وتناكب من أجل كسب رضا هذه الدولة أم تلك التي كانت تعد عدوة لدودة ، كأكبر استخفاف بالشارع العربي الذي دُجن شيئا فشيئا ليتقبل أي شيء قد يكون مذلا و مهينا لحسه الوطني أو القومي ..
وهو الأمر الذي كان يكاد أن يكون مستحيلا في تلك العهود والعقود الغابرة..
يبقى أن نقول بأنني لستُ هنا بصدد تقيم هذا الأمر سلبا أم إيجابا ، كلما في الأمر أخذتني صفنة طويلة في حضرة هذه العبارة ” جبهة الصمود و التصدي ” فخطرت على بالي تلك الأعوام المتوهجة بالحماس الثوري والتحرري !!..
أما الآن فيبدو ذلك الحماس لم يبق منه إلا أطلالا مبعثرة ومتناثرة في زوايا ذاكرة الشارع العربي الذي في أغلبه ، لم يعد يهمه شيء بعد الآن في خضم كفاحه اليومي المرير من أجل الحصول على عمل و لقمة خبز و شيء من كهرباء وماء صالح لشرب بشري ، فضلا عن انترنت حتى لو كان ضعيفا و متقطعا !..