فوزي توركر
في تصريحاته للقناة الحكومية في الثالث من تشرين الأول 2020 أعرب رئيس الوزراء الاستاذ مصطفى الكاظمي عن حبه واعتزازه بجميع مكونات العراق، حيث أشار في تلك التصريحات الى مكونات العراق باسمائها ،الشيعة والسنة والعرب والاكراد والمسيحيين واليزيديين .واعتبرهذا التنوع عنصرقوة للعراق ولكنه نسي او تناسى الاعتزاز باهم عنصر للقوة في العراق وهم التركمان ثالث اكبر مكون بعد العرب والاكراد.
وان كان مكتب رئيس الوزراء الكاظمي،أشار في رده على ايضاح طلبه رئيس الجبهة التركمانية العراقية النائب أرشد الصالحي “ان عدم ذكر التركمان قي تصريحات رئيس الوزراء الكاظمي أمرغير مقصود تجاه التركمان وان الحكومة الحالية تنظر للجميع بعين واحدة ومن دون اي تمييز” . نحن التركمان نظن بأن عدم اشارة الاستاذ الكاظمي للتركمان في تلك التصريحات التي عبر فيها عن اعتزازه بجميع مكونات العراق عدا التركمان كان أمرا مقصودا وليس امرا ناتجا من النسيان ،لأن مساعدي ومستشاري رئيس الوزراء يجهزون له كل ما تحتاج اليها خطبه وتصريحاته قبل موعدها حيث لا يدعون له أي مجال للنسيان.
التركمان ، مكون عراقي اصيل وعريق له حضارته وتاريخه ، ولا ولاء له لغيروطنه العراق الذي استبسل في الدفاع عنه ضد الغزاة والطامعين في الماضي. يكن التركمان كل المحبة والخير والاستقرار لوطنه ويسعى للحفاط على وحدنه. وأن السبب فيما عاناه ويعانيه هذا المكون من تهميش واقصاء وهضم للحقوق منذ تاسيس الدولة العراقية كان ولا يزال ناجما عن حرصه الشديدعلى وحدة العراق.وأنه يدفع اليوم الثمن باهضا لتمسكه بوحدة ارض وشعب العراق.
اذا كان عدم ذكر رئيس الوزراء الاستاذ الكاظمي لثالث اكبر مكون في العراق موقفا مقصودا ومتعمدا ،فهو ممالاشك يعتبرتهميشا مثيرا للاستياء والاستغراب واضاعة لمشاعر حسن الظن بحكام العراق،وموقفا مرفوضا لا يليق برئيس وزراء يفترض فيه ان يكون راعيا للمساواة وسيادة القانون، وتجنب التفرقة والتمييز بين الموطنين. وأن هذا التهميش نعتبره نحن المكون التركماني عملا مقصودا ومسيئا له وموقفا له دوافع عديدة ناتجة من الضغائن الشخصية اوالوشاية المغرضة اوالتقاريرالكاذبة التي أخذ بها رئيس الوزراء الكاظمي بعين الاعتبار وادت الى تشويش افكاره. والضرورة الوطنية تحتم على رئيس الوزراء ان يسرع ويحقق التوازن بين جميع المكونات. وان يدرك بان تهميش التركمان لا يمكن له ان يخدم استقرارالعراق ووحدته الوطنية، وهو امر يدعوه للاسراع والاعلان عن اعتذاره من التركمان.
أن رئيس الحكومة الاستاذ الكاظمي، ليس المسؤول العراقي الرفيع المستوى الوحيد الذي تعمد في تهميش وتجاهل المكون التركماني لدى تطرقه لمكونات الشعب العراقي للقناة الحكومية. فقد سبقه رؤساء وزراء وسياسيون ورجال دين، في تهميش مكون كبير ومخلص للعراق لا يقل تعداده عن المليونين ونصف المليون نسمة.وانه لأمرعجيب ومؤسف ان يتعمد هؤلاء الحكام في تهميش الشعب التركماني فقط دون غيره من المكونات.وهذا الموقف لحكام العراق حيال التركمان يدعوهم الى ضرورة توحيد صفوفهم وخطابهم السياسي للبحث عن الدوافع الخفية لهذا الموقف الخطير على مستقبلهم ، والتهيؤ العاجل لمواجهة تحدياته بكل الوسائل الممكنة.
يا ترى أي ذنب اقترفه التركمان لكي يتعرضوا لهذا الكم الهائل من العداء والتهميش المقصود والظلم وسياسات التطهيرالعرقي والتعريب المقيت منذ ما يقرب من قرن من لدن الحكومات العراقية ؟ وهل لأنهم المكون الوحيد في العراق الذي لا ظهيرله يسانده ويدعمه اقتصاديا وسياسيا وعسكريا؟ وهل انه يعاني ما يعانيه لكونه لم يخن العراق أوانه لم يحمل السلاح ضد الدولة؟ وعلى ماذا يحاسب هذا الشعب الأصيل والمخلص للعراق؟ هل لأن قادته لم يدخلوا بغداد كمعظم حكام العراق على ظهر الدبابات الأميريكية عام 2003؟.
المواطنون التركمان يعتزون بانتمائهم للعراق اكثرمن حكامه عديدو ألولاء. فالدم التي يحملها التركمان في عروقهم اصيلة لا تقبل الخيانة والعمالة ، وليس لهم ولاء لغيرالعراق. ولكنهم يحبون اتراك تركيا حبا جما كما وانهم يحبون ابناء جلدتهم في جميع دول العالم التركي في تركستان الشرقية والغربية وفي القوقاز والبلقان والدول ذات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية، مثلما يحب أبناء الشعوب العربية بعضهم البعض في أوطانهم من المحيط الى الخليج .
لا يحق لحكام العراق فهم الاسوأ بالعالم من حيث سرقة المال العام ونهب ثروات العراق والولاء لامريكا وبريطانيا والسعودية وايران ، ان يهمشوا التركمان او يسيئوا الظن في اخلاصهم للعراق . فالتركمان هم اول من انتفضوا ضد المحتلين الانكليزفي تلعفرالتركمانية الباسلة بعد الحرب العالمية الاولى. وليسوا عملاء للولايات المتحدة وتركيا وايران .فتصوروا ان الولاء لايران في العراق انتقل عدواه من الحكام والسياسيين ورجال الدين الشيعة العرب الى الشعب . فعلى الرغم من ان الفرس لايحبون العرب وعلى الاخص عرب العراق ، ويعتبرون العراق ارضا فارسية، نرى بان الولاء للفرس في العراق اخذ بعدا جديدان لا مثيل له بالدول الاخرى، فمثلا الالاف من العرب الشيعة يقبلون من غير خجل احذية الزوار الفرس عند قدومهم لزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء.
في نفوس جميع حكام العراق يوجد نوع من البغض والعداء والحقد الدفين ضد تركيا والشعب التركي ورثوه من الاستعمارالبريطاني الذي كانوا يقدسونه لغاية عام 2003.اما الان فانهم يقدسون اميركا وايران،وأنهم قد يقدسون اسرائيل في المستقبل القريب. ويذهب البعض من هؤلاء الحكام الى ان يسيئوا الظن بوطنية التركمان واتهامهم زورا وبهتانا بالعمالة لتركيا. والتركمان لو كانوا عملاء لتركيا لكانوا الان بين اولوياتها في جميع المجالات .فهي تهمة باطلة وجائرة بحق شعب أصيل لا يستطيع احد ان ينكرعراقيته واخلاصه للعراق.فمعظم حكام العراق المعادون لتركيا وشعبها نراهم يحثون ابناءهم واقاربهم ليهرعوا الى تركيا وفي حوزتهم مبالغ طائلة مسروقة من اموال الشعب العراقي المغلوب على امره ، لشراء القصور والشقق في تركيا لغرض التجنس بجنسيتها اوالاقامة الدائمية فيها.
التركمان عراقيون منذ ما يقرب من الف وخمسمائة عام، ولهم الفضل الكثيرعلى العراق . وانهم باقون في موطنهم التاريخي توركمن ايلي الممتد من تلعفر في شمال غرب العراق الى البدرة في شمال شرق بغداد الى ابد الدهرعلى الرغم مما يعانونه اليوم من تهميش متعمد وهضم للحقوق .ولكن عليهم ان يطالبوا بحقوقهم لأن الحق يؤخذ ولا يعطى. وعليهم الاعتماد على انفسهم وليس على غيرهم وان لا يبقوا ضعفاء ينتظرون الانصاف والاحترام من حكام لا يخدمون بلدهم وانما يخدمون أسيادهم الاجانب. فهولاء الحكام يظلمون شعبهم، وتدمرالعراق على ايديهم ، ولكنهم لا يعلمون ان الظلم لا يدوم وان دام دمر.
نحن التركمان نعلم مصادر معاناتنا والتحديات التي تهدد مستقبلنا وتاريخنا وارضنا ولغتنا في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية الاحتلال الامريكي للعراق ولحد اليوم.ولكننا لا نعلم كيف نواجه تلك التحديات وسبل التصدي لها بكل الوسائل المنطقية والحديثة الممكنة .لأننا لا زلنا نسير في درب مسدود، وننتظر من يأتي وينقذنا من الاخطار المحدقة بنا، ونتبع سياسات خاطئة منذ نحو نحو مائة عام .تلك السياسات التي أضرت ولا تزال تضر بالقضية التركمانية.كما اننا متقاعسون في النضال وبخلاء في التضحية بالروح والمال في سبيل قضيتنا العادلة.
لقد ازداد وضعنا سوءا وتفاقم بعد عام 2003 بحيث لم يسعفنا الدستور، وتعرضت مدننا ومناطقنا الى موجات هائلة من النزوح الكردي،وبات موطننا التاريخي توركمن ايلي يطلق عليه المناطق المتنازع عليها،وساهمت المذهبية المقيتة في اضعاف وعينا القومي، وتمزيق تلعفروتشتيت شعبنا التركماني فيها.وتعرضنا لمجازرارتكبها تنظيم داعش.واصبحنا شعبا يستنكف حكام العراق من ذكراسمه حتى في تصريحاتهم اثناء تطرقهم للمكونات الاخرى. ومع هذا لا نستخرج العبر والدروس منها . فالخروج من هذه المعاناة المميتة والتخلص منها يحتاج الى صحوة قومية عارمة، ووعي قومي يضع المصلحة القومية التركمانية فوق كل اعتبار، وتنظيما سياسيا مقتدرا يقودنا الى نضال قومي يخلصنا من هذه المعاناة ويحقق لنا حقوقنا .
28 تشرين الاول 2020