الوطن مذهبنا!!

124

عندما يكون الوطن مذهبا ترتقي المذاهب , وتعبّرعن قدراتها الإيجابية والتفاعلية المتلاحمة , اللازمة لصناعة المجد العزيز المشترك.

وعندما ينتفي مذهب الوطن , تفقد المذاهب بأنواعها مسوغات وجودها ودورها في صناعة الحياة , وتمضي في مسارات التداعي الإهلاك الذاتي والموضوعي , فتقتل الوطن وتلغي وجودها.

وهذه حقيقة قائمة في الدنيا منذ إبتداء التكوينات المجتمعية وتأسيس الدول والأوطان , ذلك أن الوطن هو الوعاء الذي تنضج فيه المكونات القائمة وتختمر , وتبني سبيكتها التفاعلية القادرة على التماسك والإعتصام بإرادته.

ومن الملاحظ في تأريخ الإسلام أن الهجرة النبوية إلى المدينة , إبتدأت بشعار “التآخي” , وتحقيق المذهب الوطني المرتبط بالمدينة , التي تحولت إلى وعاء جامع ضام ومانع , ولولا هذا الإعتصام الوطني (المدينة وطن الإسلام الأول) , لما تمكن المسلمون من إمتلاك القوة والقدرة على الإمتداد الساطع المنير , المترجم لجوهر معاني الإسلام.

أي أن المدينة أصبحت الرحم الحاوي الذي أنضج المعايير والضوابط والقيم والتطلعات الكفيلة بولادات مؤثرة ومتواصلة في الحياة.

ومن هنا فأن مبتدأ الإسلام كان جامعا , ومتكافلا ومتآخيا ومتراحما ومجسدا لجادلهم بالتي هي أحسن , وعندما تأسس الوطن القوي المعافى , تآلفت القلوب وتساندت الأذرع وتفاعلت العقول , وتطهرت النفوس من البغضاء والسوء , فتحررت الطاقات وتنامت لذروة قدراتها الإيمانية الصادقة النقية السامية , فبدأت الحضارة المطعمة بروح الدين القويم.

وعليه فأن عزل المذاهب عن الوعاء الوطني أو تقاطعها معه , يتسبب بتداعيات تدميرية وإستنزافات طاقوية هائلة , ذات صيرورات خياب وإنحطاط وإنهزام وهوان وخذلان , وهذا ما يحصل في واقعنا , الذي تتعادى فيه المذاهب مع الوطن , وتتجاهل أن مذهبها الأساسي هو الوطن , وكل مذهب آخر يكون بعده , فإذا إهتز المذهب الوطني وتميّع , فكل المذاهب إلى سقر.

وهكذا فأن على جميع المذاهب أن ترعوي وتعتصم براية الوطن وتقدّس الألفة والأخوة الوطنية , والتواصل الإنساني الرحيم المتكاتف المحقق لمصالح الجميع , وتبتعد عن آليات التشظي والتفرّق والتناحر , والإندحار في زوايا ضيقة تؤهلها لتدمير ذاتها وموضوعها , والسقوط في أحضان التبعية والإمتلاك من قبل القوى الطامعة بها وبوطنها , وهي لا تدري وكأنها مخدرة بأفيون الضلال والبهتان والخسران المبيد , الذي أدمنت عليه وصارت مطية للآخرين.

فهل سيكون الوطن مذهبنا لكي نهنأ ونتفاخر بمذاهبنا؟!!

د-صادق السامرائي

المصدر