المحرمات، ماذا تعني !

76

المحرمات، ماذا تعني ! (*) د. رضا العطار

الشعور باللذة والألم تصورات ذهنية محددة، تتحكم في المواقف بحيث تفضي اللذة الى القبول والرضى، كما يفضي الألم الى السخط والنفور. فالزوجة التي يرجع زوجها اليها ذات يوم وقد حمل اليها قدرا كبيرا من المال، فانها تستبشر وتمتلي نفسها سرورا، لكن اذا علمت تلك الزوجة من زوجها ان هذا المال هو مال مختلس او مسروق – بفرض ان تلك الزوجة صاحبة شرف وضمير – فانها سوف تنقلب في نظرتها الى ذلك المال من فرح الى غم، وربما ترفض ان تتناول لقمة واحدة من مائدة ذلك الزوج غير الشريف. وهكذا يستحيل مصدر اللذة – وهو المال – الى مصدر شقاء وشقاق ووخز الضمير.

وعلى العكس من ذلك فإن الزوجة التي تعلم ان زوجها يؤثر الفقر والاستدانة على الارتشاء او الوقوع في الاختلاس او الاتجار بالاشياء المحرمة او المهربة، فإنها – بفرض انها يقظة الضمير – سوف تحترمه وتحبه وتشجّعه على تحمل الفقر والتنزه عن الانجراف في طريق الرذيلة. اضف الى هذا ما يتحمله المخلصون من الموظفين في العمل من تعب وتضحية، يلتزمون بميسم الاخلاق، ولا يسايرون الاجواء الفاسدة والتيارات السائدة المشوبة بالالتواء والمخاتلة.

والواقع ان المحرمات التي يحذر الدين من اتيانها انما هي في مجموعها مناهضة للنوازع والرغبات الطبيعية لدى الانسان، او بتعبير اخر انها مناهضة لردود الافعال الغريزية المفطورة فيه باعتباره كائن حي. فالدين في تحريماته انما يعمل على الارتقاء بالانسان من مستوى ردود افعال غريزية شهوية هي من طبع الحيوان الى مستويات روحية عالية ، وكأن الدين يغرس في الانسان طبيعة جديدة سامية ترفعه من مقامه.

ولعلم القارئ اقول: ان بعض الحيوانات يمكن ان تتدرب بشكل يمكنها ان تناهض بعض طبائعها الحيوانية فالكلب مثلا ربما لا يأكل بالتدريب من الطعام الذي يحرمه سيده عليه، وكذا يمكن تدريب القردة على كثير من الوان السلوك الاخلاقية التي تناهض على نحو ما طبائعها المغروسة فيها والتي تحملها على غرائزها. ولكن الواقع ان المدى الذي يمكن ان يرتقي اليه الحيوان – مهما كان راقيا – انما هو مدى ضيق للغاية اذا ما قيس بالمدى الذي يستطيع الانسان ان يرتقي اليه وتتسع له طبيعته الجديدة التي تُخلق فيه بالتربية. فضلا عن انه يستطيع ان يربي نفسه، بينما الحيوان لا يستطيع ذلك.

هناك نصوص دينية تحرم على الانسان معاقرة الخمرة، وهناك اناس مستنيرين يقولون:
طالما ان الخمرة محرمة لانها ضارة، فإن التدخين ايضا يعد محرما لانه ضار ايضا.
بيد ان المحرمات لا ترتبط دائما بالضرر يصيب الانسان. فتصدر الوصايا الدينية بالتحريم. خذ مثالا لذلك تحريم اكل لحم الخنزير ولحم الحيوان المخنوق. ولا سبيل بالطبع الى مناقشة مثل هذا التحريم في ضوء الفائدة او الضرر. ومثلما يقال في تحريم لحم الخنزير في الدين الاسلامي، يقال في تحريم قتل القطط في بعض المعتقدات.

وهذا يسوقنا الى الحديث عن المحرمات بصفة عامة فنقول محرمات دينية ومحرمات اخرى تدخل ضمن الخرافات الشعبية. من ذلك مثلا تحريم الدخول الى المسكن الجديد بالقدم اليسرى. او ترك الحذاء مقلوبا او كنس الدار ليلا.
وهناك نوع ثالث من المحرمات يمكن ان نسميها بالمحرمات النفسية. وهي تلك التي يفرضها الانسان على نفسه. كالزيارات والجلوس في المقاهي او ارتياد دور التسلية.
وقد تجد بعض المحرمات ضارة بالمرة، كأنقطاع الانسان عن تناول بعض الاطعمة الضرورية له، او تناول الدواء اللازم لوكان مريضا. ومعظم هؤلاء الاشخاص هم من فئة المتشائمين في المجتمع.

وفي التحريم، يختلف الاشخاص في مجال المرونة. فبعضهم يستجيب لنداء المنطق وغيرهم لا يستجيب. ففي الوقت الذي يؤكد الدين على الصدق، يجيز الكذب، اذا كان في الكذب انقاذ شعب من الهلاك. كما يحدث عندما يقع قائد جيش في قبضة الاعداء اسيرا. فهنا عليه ان يكذب ويخفي عن الاعداء ولا يدلي بمعلومات هامة تتصل بالاسرار العسكرية، قد تؤثر على مسار الحرب لصالح العدو.

انك تجد ان للتحريم لدى المتعصب مغزى نفسي هو ما يسميه علماء النفس بمرض الماسوكية، جنسي في اصلها، يتلذذ الشخص المصاب ويرحب بالألم، فالتحريم عند المتعصب العنيد لا يصدرعن نسك في السلوك كما قد يبدو، بل انما لأسباب التذاذية بالتعذيب. والقهر الذاتي. وهنا يعكس المازوكي احساسه بل كفره بالعالم الخارجي.
انه ينكر قيم الحاضر والمستقبل ومن ثم يعمل على تحطيم هذا الواقع وذلك المستقبل. فالتحريم لدى المتشائم هو تعذيب الذات، بينما التحريم لدى المتفائل تقوية للروح وتنمية للمواهب وتهذيب للسلوك.
* مقتبس ن كتاب فن الحب والحياة للعلامة سلامة موسى.

المصدر