الكاظمي يدخل عش السلاح المنفلت والفصائل المسلحة تراوغ

357

تخوض ثالث حكومة خلال السنوات الـ5 الماضية حملة “حصر السلاح”، فيما لا تبدو الجهات المستهدفة مستعدة في الوقت الحالي للتخلي عن ترسانتها التي قد يفوق حجم أسلحتها ضعفي عدد نفوس العراق.

ووصف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، السلاح المنفلت، الذي تمتلكه جماعات مسلحة متعددة وعشائر متحاربة، بـ”الخنجر” الذي يضرب في قلب الوطن، رافضا اي دعوات لـ”حمل السلاح” خارج نطاق الدولة. وخلال الحرب ضد داعش (استمرت نحو 4 سنوات) شُكل أكثر من 70 فصيلا مسلحا ضمن “الحشد الشعبي” لمواجهة التنظيم، أغلبهم لديهم مخازن سلاح في اغلب مدن العراق – باستثناء اقليم كردستان- تتوزع بين السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف.

وأعلن قيس الخزعلي، قائد فصيل عصائب أهل الحق في وقت سابق، بأن فصيله يمتلك نوعين من الصواريخ، كما كرر هادي العامري زعيم “منظمة بدر”- وهو أحد أكبر تشكيلات الحشد- تأكيده في اكثر من مناسبة أن فصيله “صار أقوى من الجيش”. وأنفق العراق، بحسب مسؤولين، قرابة الـ100 مليار دولار على شراء السلاح والذخيرة وصيانة الآليات والضربات الجوية خلال المعارك ضد تنظيم داعش حتى اعلان النصر نهاية 2017.

لا توجد ارقام رسمية لاعداد السلاح الواقع خارج نطاق الدولة، لكن بحسب مصادر امنية رجحت لـ(المدى) ان “اعداد قطع السلاح التي بيد مسلحين وعشائر ضعفي نفوس العراق”.

وبهذا الحجم الهائل من السلاح الذي يعود تاريخ صنع بعضه إلى العهد الملكي، تصبح مهمة “حصره” قضية معقدة، لأنه ينتشر بيد عشائر لها تغلغل في عمق الدولة وفصائل تابعة للحشد الشعبي، وهي مؤسسة تابعة للحكومة أيضا.

التعقيد يأتي من أن عملية نزع السلاح من المجموعة “الخارجة عن الدولة” يعني الاعتراف ضمنيا بوجود تلك الجماعات بشكل رسمي، وهي في العادة ترتبط بجهات سياسية متنفذة بالدولة، ولذا يجب على الحكومة نزع سلاحها دون المساس بها. يوم الاحد الماضي، قال رئيس الوزراء إن “الدعوات التي نسمعها إلى حمل السلاح، ستواجه بقوة القانون، الدولة فقط من يتحمل مسؤولية الاقتصاص. الدولة لا تنتقم، الدولة تشيع الحق، وتأخذ بحق الضحية عبر معاقبة المعتدي”.

واكد الكاظمي على أن “السلاح المنفلت وعصابات الجريمة والاغتيال والخطف” هي خنجر في قلب الوطن وفي قلب كل عراقي، معلنًا أن القوى الأمنية تجري تحقيقات موسعة، “سنعلن عنها حال اكتمالها من أجل انصاف عوائل الضحايا ومعاقبة المعتدين. ليس هناك أحد فوق القانون، ليس هناك أحد فوق العراق العظيم”.

وفي أول خطاب بعد تكليفه، في ايار الماضي، تعهد الكاظمي بحصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية، وقال ان “السلاح اختصاص الدولة فقط وليس الأفراد أو المجموعات”.

وكانت حكومتا حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، قد حاولتا في السنوات الماضية، “حصر السلاح” واعادة ترتيب اوضاع الفصائل المسلحة لكنها وصلت الى طرق مسدودة.

سلاح عابر للحدود

يقول قيادي سابق في الحشد الشعبي لـ(المدى): “هناك فرق شاسع بين التسليح الذي تملكه الحشود العشائرية في المناطق السٌنية، والشيعية في الحشد الشعبي، ما يعني ان بعض الاسلحة تأتي من الخارج”.

واعترفت عصائب اهل الحق (أحد تشكيلات الحشد) بامتلاكها صواريخ “البتار” و”القاهر”، والاخير يبلغ وزنه 600 كغم، ومداه الأقصى يبلغ 5 كم ورأسه الحربية شديدة الانفجار لا يقل وزنها عن 250 كغ. وفي وقت سابق، قال ظافر العاني، النائب في تحالف القوى وقائد في الحشد العشائري، في شمال بغداد لـ(المدى) ان “هناك تمويلا للحشد الشعبي من الخارج”، بينما اغلب الافواج في الحشد العشائري تملك اسلحة خفيفة، وباعداد محدودة.

وكانت تقارير غربية في عام 2018، ذكرت ان طهران نقلت عشرات “الصواريخ الباليستية” الى العراق وتم خزنها في مواقع تابعة لفصائل شيعية، وهذا الحدث قد يكون مرتبطا بهجمات بعضها امريكية، استهدفت في الاشهر الماضية معسكرات الحشد. وبالتزامن مع تصريحات الكاظمي الاخيرة، اعلن تحالف القوى العراقية، انه آن الاوان لضبط السلاح المنفلت وفرض هيبة الدولة.

وذكر التحالف في بيان انه “يؤكد ما سبق وأن ردده في كل مناسبة، من ضرورة ضبط السلاح المنفلت الموجود خارج الدولة، والذي أصبح خطرا على أمن المجتمع وأمن المؤسسات الرسمية”.

وكان صلاح مهدي حنتوش، وهو قيادي في الحشد الشعبي، قد تم تنصيبه العام الماضي، كقائد للقوة الجوية التابعة للحشد، وهو امر رفضته الحكومة بعد ذلك.

واضاف تحالف القوى إن “التحذير الذي نطلقه إنما ينطلق من تجربة مريرة عانتها المحافظات المحررة، وقد أدت إلى النتائج المأساوية المعروفة، والتي لا يتمنى أي عراقي مخلص تكرارها في مكان آخر”. وفي صيف 2019، تمرد فصيل تابع لاحد تشكيلات الحشد الشعبي، على اوامر رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، بالخروج من سهل نينوى، شمال شرقي الموصل. واتهم الفصيل بقيادة وعد قدو حينها، بانتهاكات ضد السكان.

واوضح بيان الكتلة السنية إن “احتكار الدولة وحدها للسلاح قد ورد في البرامج الوزارية لكل الحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة مصطفى الكاظمي، إذ أن الفقرة أولا /ثالثا من المنهاج الوزاري لحكومته والذي مُنحت بموجبه الثقة بتصويت مجلس النواب قد نصت على أن من أولوياتها (فرض هيبة الدولة من خلال حصر السلاح بيد المؤسسات الحكومية والعسكرية وفرض التزام الجميع بالقانون والخضوع لاحكامه)”.

واشار الى انه “آن أوان العمل من أجل تنفيذ هذا الهدف من دون تلكؤ، فهذا السلاح أصبح يُستخدم لتحقيق مآرب شخصية، أو لتصفية الخصومات المحلية، والتجاوز على ممتلكات الدولة وهيبتها”.

واختتم التحالف بيانه بالقول انه “سيقوم من خلال التشاور مع كل القوى المؤيدة لمنهج إصلاح الدولة وتعديل مسيرتها، بالعمل على كل ما من شأنه تحقيق هذه الغاية؛ من أجل مجتمع آمن ودولة مُهابة الجانب”.

عاصفة الحلبوسي

وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قد قال في مقابلة متلفزة قبل ايام، ان السلاح المنفلت في العراق هو “سلاح شيعي بيد الفصائل”، ويتعين على رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي “ضبط هذا السلاح باعتبار ان الحكومة شيعية”.

وتسبب كلام الحلبوسي، بعاصفة من الانتقادات. وقال قيس الخزعلي، قائد فصيل عصائب اهل الحق، إن بعض الجهات تغض النظر عن السلاح المنفلت “الحقيقي” الذي يهدد هيبة الدولة وسيادتها، وبعض الجهات تقصد بالسلاح المنفلت هو “سلاح المقاومة” و”فصائل المقاومة”.

ووجه الخزعلي اتهامًا إلى أميركا. وقال في بيان الاحد: “هل أن السلاح الأميركي والسلاح الذي قتل المهندس وسليماني هو السلاح المنضبط؟ وهل السلاح الذي “قتل أبناءنا من مقاتلي الحشد الذين كانوا على الحدود مع سوريا هل هو منضبط؟”.

كذلك قال الخزعلي: “هل أن السلاح التركي اجتاح حدودنا ويمتلك قواعد عسكرية على الأرض العراقية هل هو سلاح شرعي؟ وهل سلاح البيشمركة تابع للقائد العام للقوات المسلحة ويأتمر بأمره؟ وهل يستطيع القائد العام ان يحرك قطعة واحدة من سلاح البيشمركة؟ ولماذا لا يتكلم البعض عن سلاح البيشمركة ولا ينتقده؟”.

بالمقابل اعتبر تحالف الفتح (المظلة السياسية للحشد في البرلمان) التصريحات التي تحدث بها رئيس البرلمان “صادمة ومخجلة وأكاذيب وظلم فاضح لكل التضحيات التي قدمها العراقيون من أبناء الوسط والجنوب من مسلسل استهداف ممنهج للغالبية الشيعية تقوده جهات عرفت بمعاداتها للعراق”.

وقال النائب حامد الموسوي عن “الفتح” ان الحلبوسي “نفث بسمومه الطائفية وحاول خلط الاوراق كعادته المحببة في ممارسة الزيف السياسي والأفك الاعلامي من خلال اللجوء للتعميم واتهام مكون واحد بأنه وراء السلاح المنفلت (..) متناسيًا بعمد ان السلاح المنفلت وضرب الدولة وتكفير أجهزتها جاءت لأول مرة من جغرافية ينتمي لها الحلبوسي، وكانت بفعل سياسييها السابقين ملاذات للارهاب وحواضن للقتل والتكفير الطائفي”.

وناشد الموسوي في بيان ان “تحالف الفتح بدأ بفك شراكة مكذوبة والعمل مع بقية القوى الشيعية والوطنية بالبدء عمليا بإجراءات سحب الثقة عن الحلبوسي لانه اصبح غير صالح للاستعمال السياسي كرئيس أعلى لسلطة الشعب من المفترض أن يكون حاميا وممثلا لكل العراقيين من جميع المكونات، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى انه افرغ محتوى المؤسسة البرلمانية والتي من المفترض أن تمارس مهامها الرقابية ومحاسبة الفاسدين الا اننا لم نشهد استجواب او محاسبة اي من الفاسدين خلال مدة رئاسته للبرلمان بل وفر غطاء سياسيا للكثير من الصفقات على حساب المواطن والدولة”.

المصدر