القضاء الأعلى: الأحزاب السياسية استغلت الفراغ الدستوري وطرحت مقترحات تخرق سيادة القانون

502

فائق زيدان – رئيس مجلس القضاء الأعلى
يذكرني البعض عند الحديث عن (استقلال القضاء) وضرورة الحفاظ عليه بشعارات النظام السابق التي كان يتجمل بها مثل (الوحدة والحرية والاشتراكية) التي كانت توضع في الساحات العامة والمدارس ومؤسسات الدولة، لكن في الواقع العملي لم يكن هناك وجود (للوحدة أو الحرية أو الاشتراكية). لا يختلف اثنان على أن مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء هو العمود الأساس الذي يرتكز عليه بناء الدول المحترمة وسبب تقدمها، لذا حرصت معظم الأحزاب السياسية بعد تغيير النظام السياسي سنة 2003 أن تضع هذا المبدأ في مقدمة برامجها وشعاراتها الانتخابية، لكن للأسف ما لمسناه من (بعض) هذه الأحزاب أنها اتخذت من هذا المبدأ مجرد تجميل لشعاراتها لكسب ودّ جمهور الناخبين لكنها في الواقع العملي خرقت مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء في أكثر من مناسبة بقصد أو بدونه, واليوم نشهد إحدى صور محاولات خرق هذا المبدأ بمناسبة سعي مجلس النواب لإقرار قانون تعديل الأمر رقم (30) لسنة 2005 (قانون المحكمة الاتحادية) الذي أصدره رئيس الوزراء في حينه (باعتباره قانوناً مؤقتاً) لحين إقرار القانون الأصل المنصوص عليه في المادة (92) من الدستور الذي تعذر إقراره بسبب الخلافات السياسية حول بنود هذا القانون. وهنا نبين أن مجلس القضاء الأعلى سبق وأن حذر من حالة (الفراغ الدستوري) الذي أوجدته المحكمة الاتحادية بقرارها الصادر بالعدد (38/2019 في 21/5/2019) الذي قضى بإلغاء المادة (3) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 وهو النص الوحيد النافذ في حينه وكان معمولاً به منذ سنة 2005 لغاية تأريخ 21/5/2019 والذي بموجبه يتم ترشيح وتعيين رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية، إلا أنه وللأسف لم ينتبه الكثير من المعنيين لهذا التحذير الذي بانت مصداقيته منذ سبعة أشهر بسبب إحالة احد أعضاء المحكمة على التقاعد وتعطل عمل المحكمة منذ ذلك الحين بسبب القرار المذكور, إذ إنه من المتعارف عليه في المجال التشريعي والقانوني في حال عدم القناعة بوجود نص معين لأي سبب كان يصار إلى مقترح تعديل أو إلغاء هذا النص ويستمر العمل بالنص المعترض عليه لحين تشريع ونفاذ النص البديل إلا أن المحكمة الاتحادية اتجهت عكس ذلك حيث ألغت النص النافذ وطلبت من مجلس النواب تشريع نص بديل وبذلك وقع القضاء في حالة (الفراغ الدستوري), والذي يؤسف له أن هذه الحالة الشاذة دستورياً وقانونياً سببها المحكمة الاتحادية نفسها في حين يفترض أن هذه المحكمة هي الرقيب المتصدي لحالات خرق الدستور والقانون سواء من السلطة التشريعية أم من السلطة التنفيذية لكن أن تكون المحكمة الاتحادية هي من يخرق الدستور والقانون فإنه أمر معيب لأنه فسح المجال لبعض الأحزاب السياسية لأن تستغل حالة (الفراغ الدستوري) لطرح مقترحات بحجة معالجة هذه الحالة بأفكار معظمها تشكل صورة من صور خرق مبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون قد نفصح عنها في الوقت المناسب. لذا حرصاً على القضاء الدستوري في العراق ندعو السادة أصحاب القرار داخل وخارج مجلس النواب إلى ملاحظة نص المادة (90) من الدستور التي تنص على أن (يتولى مجلس القضاء الأعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية) والمادة (91/اولاً) التي تنص على اختصاص مجلس القضاء الأعلى في (إدارة شؤون القضاء والإشراف على القضاء الاتحادي) لذا نرى من الواجب إزاء هذه النصوص الأخذ بوجهة نظر مجلس القضاء الأعلى في نظر الاعتبار عند تشريع قانون تعديل الأمر (30) لسنة 2005 (قانون المحكمة الاتحادية) باعتبار أن المادة (92) من الدستور عرفت المحكمة بأنها (هيئة قضائية) مستقلة مالياً وإدارياً وهي فعلاً مستقلة تماماً عن مجلس القضاء الأعلى لكن يبقى الأخير هو المنبع الوحيد لترشيح قضاة هذه المحكمة باعتباره الجهة المسؤولة إدارياً عن جميع القضاة وهو الأعلم بمن تتوفر فيه الشروط المؤهلة لرئاسة أو عضوية هذه المحكمة، وندعو السادة المشرعين إلى أن يضعوا نصب أعينهم المهنية والموضوعية باعتبارها المعيار الصحيح في صياغة القوانين ذلك أن القاعدة القانونية تعرف بأنها قاعدة عامة مجردة (لا تفصل) على مقياس شخص أو جهة معينة وأن تكون حساباتهم مبنية على أساس أن مصلحة العراق فوق كل اعتبار وأن يحافظوا على استقلال القضاء وسيادة القانون وهو الشعار الذي طالما يدعون إليه حفاظاً على ما تبقى من مؤسسات الدولة ألا وهو القضاء.
العراقالمصدر