العراقيون وأكذوبة تسعير أجور المولدات

553

باسل عباس خضير

أوضح بيان لمحافظة بغداد أن المحافظة حددت سعر الأمبير للمولدات الأهلية لشهر كانون الأول 2020 بواقع :

. ستة آلاف دينار على أن تكون ساعات التشغيل من الساعة الثانية عشرة ظهرا ولغاية الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وبالتناوب مع الكهرباء الوطنية .

.عشرة آلاف دينار للأمبير الذهبي الذي يعني التشغيل لمدة 24 ساعة بالتناوب مع الكهرباء الوطنية .

وقد أكد البيان أكد على ضرورة مراعاة جميع الضوابط والتوجيهات والإعمامات التي صدرت من المحافظة والتي تم العمل بها في الأشهر السابقة ، ورغم إن مثل هذا البيان يصدر شهريا من محافظة بغداد ومعظم المحافظات ( بعد أن تم تعطيل مجالس المحافظات ) إلا انه لا يعدو أن يكون حبرا على ورق كما يقولون لان اغلب أصحاب المولدات الأهلية لا يلتزمون بتسعيرة الأمبير لأنه لا يقترن بوجود آليات للرقابة الحقيقية على التطبيق ، ففي بغداد مثلا يضطر المواطنون للرضوخ إلى الأسعار التي يحددها أصحاب المولدات الأهلية لأنهم يخشون قطع التيار عنهم إذا لم يدفعوا ما يحدده أصحاب المولدات التي تصل أحيانا لضعف التسعيرة سيما في الأشهر والأيام التي يقل فيها تجهيز الكهرباء ( الوطنية ) ، إذ ليس لهم خيار لأنهم سيبقون لساعات بدون كهرباء من المولدات في ظل عدم وجود جولات تفتيشية جادة من قبل الجهات التي تحدد التسعيرة ، فالبيانات التي تصدر كل شهر لم تحدد الطرق التي يمكن ولوجها من المواطنين للإبلاغ عن المخالفات كأن تحدد أرقام الهواتف للإبلاغ عن المخالفات ، مما يتيح لبعض أصحاب المولدات الأهلية الحرية التامة في تحديد ساعات التشغيل وتحديد الأسعار واختيار أيام او ساعات للتوقف عن التشغيل بحجة العطلات ، وتزداد المخالفات شدة في المناطق التي لا تتوفر فيها البدائل للمواطنين في الاختيار بين المولدة الأفضل او حين يتفق أصحاب المولدات فيما بينهم او حين يلمح البعض بقوتهم لانتمائهم إلى بعض الجهات ، وهناك من يعتقد إن القضية لا تخلو من نظرية المؤامرة حيث تقل ساعات التجهيز بالكهرباء الوطنية في الأيام الحرجة من الشهر والتي تقع قبل وبعد نهاية الشهر كوسيلة للضغط على دفع الأجور خارج التسعيرة والبيانات ناهيك عن السكوت على مخالفات تتعلق بالتجهيز من مناطق متقاربة وليس من المولدات ، والحديث هنا يتم عن الحالات السائدة فهناك حالات استثنائية للبعض تتمثل بالالتزام الكلي وأحيانا إعطاء بعض التسهيلات كالإعفاء من الدفع في الأشهر التي تشهد تجهيزا منتظما للكهرباء الوطنية ولا توجد إحصاءات يمكن عرضها بهذا الخصوص .

ورغم السلبيات الكثيرة للمولدات الأهلية من حيث تكاليفها العالية التي تشكل اعباءا مالية على اغلب المواطنين وما تحدثه من تلوث بيئي وضوضاء وأعطال في الأجهزة الكهربائية المنزلية وغيرها ، إلا إنها تفرض نفسها كأمر واقع لا يمكن الاستغناء عنه نظرا للإخفاق في تحسين تجهيز خدمات الكهرباء منذ عقود ، فعدد المولدات الإنتاجية يبلغ أكثر من 10 الآلاف مولدة في بغداد وأكثر من هذا العدد في عموم المحافظات ، واغلبها تعمل خارج ضوابط وزارة الصحة والبيئة لان الحاجة لها تزداد عاما بعد عام رغم الإنفاقات الحكومية العالية في قطاع الكهرباء التي عجزت الجهات واللجان المختصة عن تحديد مقدارها على الأقل ، ووجود المولدات الأهلية كحاجة ملحة للسكان وفي جميع المحافظات بدون استثناء يعد واحدا من مظاهر الفشل الذي يسجل ضد العراق ، فبغض النظر عن الأضرار الصحية والبيئية التي تحدثها المولدات فهي تعبر عن إخفاق اقتصادي كبير في جدوى استمرارها ، فلو فرضنا إن معدل نفقات المستخدم العراقي على المولدات هو 50 دولار شهريا فان مجموع الإنفاق هو بحدود 250 مليون دولار شهريا ل 5 ملايين مستخدم للمولدات سواء من الصنف المنزلي او التجاري او الصناعي او الزراعي ، وبطريقة حسابية بسيطة فان الاتفاق السنوي على المولدات لايقل عن 3 مليارات دولار سنويا ليس في هذه السنة بالذات وإنما منذ عشرات السنين ، ومن الناحية العملية فان مبلغ 3 مليارات دولار تكفي لبناء قدرات لإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء لقدرات تكافئ 3000 ميكا واط سنويا ، بمعنى إن 15 سنة من الإنفاق على المولدات تعني إهدار 45 ألف ميكا واط كان من الممكن إنشائها من أموال الناس وليس من الإنفاق الحكومي ، مع الأخذ بعين الاعتبار بان المبالغ التي تدفع للمولدات اغلبها تذهب للخارج لاستيراد الوقود والأدوات الاحتياطية وتجديد الموجودات ، ورغم الأهمية التي تقدمها خدمات المولدات في تغطية عجز وزارة الكهرباء إلا إن وجودها واستمرارها كان من المفروض أن يعوض عنه أما باستثمار من شركات القطاع الخاص لمنافسة القطاع الحكومي او بتنظيم عمل المولدات من خلال وضع ضوابط محددة لنوعية وقدرات المولدات وأماكن نصبها وتوفر الشروط الصحية والبيئية فيها بما يسمح بتشغيل الأيدي العاملة فيها وعدم تعريضهم للبطالة ، وفي ظل استمرار ونمو الوضع الحالي فان بلدنا سيهدر مزيدا من الأموال والزمن وعوامل البيئة والشعب لا يحصل على احتياجاته من الكهرباء حسب الجودة والاحتياج ، بمعنى إننا نضيع ( المشيتين ) فلا وزارة الكهرباء تفلح في الاضطلاع بهذه المهمة ولا المولدات الأهلية ترضي السكان ، وكحلول مؤقتة لهذه المشاكل فان من الضروري وضع تسعيرة عادلة وملزمة لأجور المولدات الأهلية وبما يضمن الالتزام بها ومحاسبة المخالفين ، ونقصد بالعادلة أن تأخذ بمصالح المستخدمين من المواطنين والمعامل والمحلات وأصحاب المولدات فالتسعيرة اليوم هي أكذوبة يجب أن لا تستمر .

المصدر