العدالة في عالم الحيوان، ح1 (*) د. رضا العطار
قد يكون هناك اناس كثيرون لا يدركون ان للحيوانات شريعة اخلاقية يعيشون بموجبها ويتقيدون بها، افضل من تقيد البشر بشريعتهم، وان لديها ضرب من الذكاء الاخلاقي.
يقول البروفيسور )دومينيك لاكابرا( المؤرخ في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة : ان القرن الحادي والعشرين هو قرن (الكشف الحيواني) فقد بدأت ابحاث الذكاء والمشاعر الحيوانية تمثل مكانة على اجندة عدد من الاختصاصات العلمية من علم الاحياء التطوري وعلم السلوك الحيواني الادراكي الى علم النفس وعلم الانسان والفلسفة والتاريخ والدراسات العقائدية.
ان حياة الحيوان الاجتماعية تتأثر بانماطها السلوكية ويؤدي الى ما هو مفترض وما هو واجب فيما يتعلق بالصواب والخطأ دورا مهما في تفاعلاتها الاجتماعية، كما هو الحال بالضبط في تفاعلاتنا. واذا كنت تشعر ببعض الريبة فاننا ندعوك لان تطلق العنان لعقلك تنظر الى الحيوان من منظور مختلف.
تذكرنا وسائل الاعلام الشعبية والعلمية على حد سواء بالاشياء المدهشة والمذهولة التي يمكن ان تقوم به الحيوانات لكننا عندما نمعن النظر في السبل التي تتعاطى بها هذه المخلوقات مع محيطها الاجتماعي ندرك ان كل ما نظنه مدهشا هو ليس بالمدهش على الاطلاق.
لننظر في سبيل المثال الى قصة انثى الغوريلا الغريبة التي تعرف باسم ـ بينتي جوا ـ التي كانت تعيش في حديقة حيوان بروك فيلد بولاية الينوي في الولايات المتحدة. ففي يوم من ايام صيف عام 1996 تسلق صبي في الثالثة من عمره جدار قفص الغوريلا وسقط من ارتفاع 29 قدم على الارض الخرسانية. وفيما فغر المشاهدون افواههم هولا، وتعالت صرخات الام الملتاعة، دنت (بينتي جوا) من الصبي الذي فقد وعيه ورفعته عن الارض واحضتنه، ثم حملته بأمان الى بوابة الدخول حيث كان العاملون بحديقة الحيوان يتنظرون.
احدثت هذه القصة عناوين الاخبار في العديد من صحف العالم. واشاد الصحفيون (بعطف) ـ بينتي جوا ـ باعتبارها بطلة في عالم الحيوان. والادهى من ذلك انها منحت ميدالية من الفيلق الامريكي في منطقتها. لم تنقذ (بينتي جوا) الطفل الصغير فحسب بل غيرت وجهات نظر بعض العلماء وفتحت الباب على مصراعيه لمناقشات لا غنى عنها بشأن الحياة الادراكية والشعورية للكائنات الاخرى.
لا يثير هذا المقال الجدل لاسباب علمية بقدر ما يثيره لاسباب فلسفية. وستبقى هذه الاهتمامات الفلسفية في مدارات نقاشنا ـ ـ اننا لو دخلنا الحياة الحيوانية الاجتماعية سيتبين لنا ان هذه الكائنات تتمتع بعوالم داخلية ثرية، حيث ان لديها مخزونا معقدا ومتنوعا من العواطف. اضافة الى درجة عالية من الذكاء والمرونة السلوكية الى جانب كونها فاعلة وماهرة جدا. إذ انها تقيم ضمن شبكة علاقات متينة، تحافظ عليها وتعيش بموجب قواعد سلوكية متوازنة دقيقة، تتصف بالاستقرار الاجتماعي.
لنستمع الى تشارلز داروين، صاحب نظرية التطور حينما يقول :
حياة الانسان حرب الجميع على الجميع، معركة لا هوادة فيها على الجنس والغذاء. يقاتل الاشقاء اشقاؤهم حتى الموت، (وهي ظاهرة تعرف باسم ابادة الاشقاء Siblicide وعندما ننظر الى الطبيعة من خلال هذه العدسات الضيقة، فإننا نرى الحيوانات تجاهد للبقاء في مواجهة القوى الساحقة للصراع التطوري. ان هذا السيناريو يصلح للبرامج التلفزيونية. فإلى جانب الصراع والمنافسة، هناك عرض رائع للتعاون والاهتمام ايضا. وقد لوحظ ان الغالبية العظمى من تفاعلات الحيوان سلمية وليست شقاقية. وقد وجد في الغابات الاستوائية جنوبي المكسيك وامريكا الوسطى والجنوبية ان 84 % .من التفاعلات الاجتماعية لدى القردة ودية تعاونية.
الى حلقة اخرى !
(*) مقتبس من كتاب العدالة في عالم الحيوان لمارك بيكوف وجيسيكا بيرس، ترجمة فاطمة غانم ط 1 عام 2010 م ، هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث والكلمة.