الطب والشعر / شهادة الوفاة وشهادة الحياة

558

الطب والشعر / شهادة الوفاة وشهادة الحياة
د. حسن كاظم محمد
المشهد الأول
في ثمانينيات القرن الماضي كنت أعمل في المستشفى الجمهوري في البصرة كرئيس لشعبة الكسور والعظام ومشاركاً في التدريس في كلية طب البصرة. كان جاري المقابل أستاذ جامعي ودكتور في علوم المياه والري. تمرضت والدته وعمرها تجاوز المائة عام وباتت طريحة الفراش وكنت أنا طبيبها المعالج لحين أن وافاها الأجل رحمة الله عليها. جاءني ابنها مساءً طالبا المساعدة للذهاب معه لتدبير الأمور والحصول على شهادة الوفاة. ذهبنا إلى المستشفى وأكملنا شهادة الوفاة وتم توجيهنا إلى المدقق ليضع ختمه النهائي عليها. قام المدقق بمطابقة بيانات الشهادة بهوية الأحوال المدنية للمتوفاة ثم وجّه للجار سؤالاً (زين عرفنا أمك قسمة وبيبيتك فاطمة أم بيبيتك منو؟).
زميلي داخ وأخذ يحـك جبينه وأجاب، صدقاً لا أعرف.
أخي المعاملة ما تمشي بدون معرفة الإسم، قال المدقق.
هنا انبريتُ وقلت له أكتب أم بيبيته زهرة.
(هسّه تمام بس شو إنتَ عرفت الإسم والأستاذ لا يعرف؟).
(أخي هو مرتبك ومتألم على والدته وأنت تسأله عن إسم أم بيبيته التي توفيت قبل مئة عام).
خرجنا منتصرين بنجاح المعاملة، والتفت زميلي لي وقال (دكتور شلون دبّرتهه؟) أجبته (لا تعقّد الأمور هاي دنيه كلشي تشوف بيها وخذ تجارب منها).
المشهد الثاني
هذا العام صادف أن أكون في المملكة المتحدة لعدة أشهر بسبب صعوبة العودة الى بغداد كنتيجة لوباء كورونا. اتصل بي وكيلي في العراق مخبراً بأن المعنيين في دائرة التقاعد يطلبون حضوري شخصياً أو تقديم ما يعرف بشهادة الحياة كشرط لصرف راتبي التقاعدي.
اتصلت بالقنصلية العراقية في مانجستر (التي تبعد حوالي ثلاث ساعات بالسيارة) لكي أفهم اجراءاتهم فأجابني الموظف بأدب عال وترحاب بأن أحضر بنفسي عندهم أثناء الدوام الرسمي وسأستلم الشهادة خلال نصف ساعة أثناء شربي لفنجان قهوة. في اليوم التالي كتبت رسالة بخط يدي وتوقيعي إلى السيد القنصل شارحا أسباب تعذر حضوري إلى القنصلية الموقرة المتمثلة بظروف كورونا والحجر العام ووضعي الصحي، وزدت بأني جاهز بالظهور إليهم صورةً وصوتاً بأية وسيلة اتصال مناسبة. أرسلت الخطاب بالبريد مرفقاً به الاستمارة الموقعة وبقية المتطلبات من صور شخصية وغيرها.
بعد يومين اتصل بي من القنصلية أحد الموظفين الكرام عرف نفسه من القنصلية قسم إصدار الشهادات وتم بناء على طلبه محاورة قصيرة بالصورة والصوت على تطبيق واتساب. شكرته على العمل الطيب وبلغته تحياتي إلى كافة العاملين داعيا الله أن يكثر من أمثالهم وأن يحميهم من شر كورونا اللعين. استلمت الشهادة بعد يومين بالبريد وأرسلتها إلكترونيا إلى بغداد وتم إ نجاز المعاملة والحمد لله.
القصيدة
جَـيتْ الـدِنْـيـتك فِـتحـو إلك صَفـحـه وسِجِـلْ
وثَـبّـتـو إسمـك وصار عـيد إلك بي تِـحـتـفل
حَـصّلِـت أوّل شهاده بْـديـت تِـمشي عَ رِّجـل
سِرَت الدِنـيه مَسَـرّه للي جِـره بيهه وحِصل
حَـصّلِـت مرتَـبه عُـليا وِصْبحت گـول وفِـعِـل
والشهـاده تْـعَـلِّـگت وفـاخـرو بـيـهـه الأهـل
بَعَـدهه تَـمّـت شراكه ودِيـنك البيهه اكْـتِـمـل
هَـم شَـهـاده هْـنا إجَـت بـيهـه يِـزداد الأمـل
∞ ∞ ∞ ∞
وِصلـت إيّـام الـتقـاعـد وراتـبك مِـنّـك خِـجَـل
صارت الـدِنيه ثـگيـله والـمشي عِـندك ثِـگل
والطريق اللي مِـشيته الـبـاب سَـدّه وِنْـقـفـل
بعَـد ما مِش شي يـفـيدك غَـير طـيْبات العمل
وإلى اللقاء

المصدر