الشعر موقف أم ماذا؟

335

طالب عبد العزيز هل ينبغي أنْ يكونَ للشاعر موقفٌ ما، إزاء ما يحدث حوله؟ قد يبدو السؤال على غير طبيعته، إذ يُجمع كثيرون على أنَّ الاجابة بنعم، هي الصحيحة، فقد كان الشاعر عبر الزمن لسانَ حال القبيلة، والقبيلةُ بمفهومنا اليوم، تعني في ما تعنيه المجتمع والوطن والسياسة وما الى ذلك. أعتقد بأنَّ سؤالاً كهذا كثيرا ما يطرح في البلدان ذات الأنظمة التوليتارية، والدكتاتوريات الفردية والحزبية، وربما في الدول الثيوقراطية أيضاً، أو التي لم تتشكل هويتها السياسية والوطنية بعد، أما في الدول ذات الانظمة الديمقراطية، والقائمة على حكم المؤسسات فينعدم السؤال هذا فيها، مثلما تنعدم الاجابة عنه تماماً. معظمنا (شعراء وكتاب) عانى بشكل أو بآخر من المطالبة بموقف مؤيِّد، صريح ومعلن من النظام السابق، والحرب مع إيران أو غزو الكويت، فقد كانت السنوات تلك الاصعب في امتحان المواهب، واختيار الانتماء، والتعبير عن الحقيقة، حيث تباينت النخب، منتجة الثقافة في مواقفها، إزاء ما كان يحدث، لذا، ذهب البعض (قانعاً أو خائفاً) بكلّيته أو ببعضها الى التأييد والمجاهرة به، بينما احتال البعض الآخر على الامر، بلغة غامضة ومبهمة، مستعيناً بما في كتب الغنوص والمتصوفة والمشعوذين من قصص وتهاويم، وهناك من لاذ بالصمت، وارتضى الانزواء في ركن مهمل من الحياة، في تعبير عن رفض مطلق لما يحدث، وبذلك مرّت الحروب والحصارات، وسنوات التعسف برعبها الكبير، دون أن تترك أثراً ذا معنى في الشعر أو في السرد، بل وبعامة الثقافة العراقية. لم يكن للغجر وطنٌ ذات يوم، ولم يُعرف عنهم انتسابٌ لقومية ما، أو أنهم آمنوا بدين، وربما تفرقت انسابهم وأصلابهم في ظهور وبطون الغير، في التغريبة العجيبة، وعبر ترحلهم التاريخي، الذي جابوا بلدان الارض به، لكنهم أطلعونا على شعر كان غاية في العذوبة والصدق، وعبر قصائد قصيرة نقلوا لنا حياتهم، التي كانت، دونما تزويق ومراء، كان خلاصهم من تابوهات الوطن والقومية والدين قد منحنا أدباً خالصاً، كالذي نبحث عنه بعيداً عن اشتراطات السلطة، ايِّ سلطة. ليس الشاعر ملزماً بموقف، تريده أو تقترحه عليه جهة ما، فالشعر ابن الحرية المطلقة، وهو البرعم الناتئ الجميل في شجرة المعاني الكبيرة. إذا كنّا لا نجدُ بدّاً من مطالبة الشاعر بموقف معين، فإننا نطالبه بموقفه من الحياة والموت، وجدوى وجودنا على الارض، نريده متأملاً المصائر الكبرى، التي تقف بانتظارنا، وإذا أردناه قريبا من مشاعرنا واحاسيسنا فليكتب لنا قصائد في الحب والعشق، والطبيعة والعلائق الانسانية، لا نريد من الشعر والشاعر أنْ يكونا راويةً لمآسينا، إنما نريدهما معينا لنا على نسيانها. العراقالمصدر