الراحل علي الوردي في ميزان/ المهنة و المهانة (3)  

287

عبد الرضا حمد جاسم

من النت انقلها كما هي مع الرابط:

https://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=10992&article=540882#.X4ajatAzaUk

أنيس منصور: [ردا على ما كتبه د. محمد عبد الحميد سيف الدين أستاذ التاريخ، فقد قال إن العرب لم يلتفتوا إلى الذي كان يعمله الأمير أو الخليفة إلى جانب نشاطه السياسي والديني. أي أننا لم نعرف من أي شيء كان يتكسب هؤلاء من قبل اشتغالهم بالسياسة. فقد غطت السياسة على كل الألوان الأخرى.

وقال: ومن النادر أن يذكر أحد مهنة الزعيم كأنها عورة. وكأن الخليفة قد ولد خليفة والأمير أميرا من يومه.

وهي ملحوظة وجيهة. لولا أنني قرأت لصديقي أبو حيان التوحيدي في كتابه (البصائر والذخائر) هذه العبارة التي جاءت ردا على ملاحظات د. سيف الدين. يقول أبو حيان: كان أبو طالب عطارا وأبو بكر بزازا وعمر دلالا يسعى بين البائع والمشتري وعثمان بزازا وكذلك طلحة وعبد الرحمن بن عوف. وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل، وكان العوام أبو الزبير خياطا وكان عمرو بن العاص جزارا. وكان الوليد بن المغيرة حدادا، وكذلك كان القاضي بن هشام أخو أبي جهل. وكان عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح البيت خياطا. وكان أبو سفيان بن حرب يبيع الزيت. وكان عتبة بن أبي وقاص أخو سعد نجارا. وكان القاضي أبو عمر بيطريا يعالج الخيول.

وكان الحكم بن العاص خصّاء أي يخصي الغنم. وكان أبو حنيفة بزازا. وكان المهلب بن أبي صفرة بستانيا. وكان الحجاج بن يوسف الثقفي معلما وكذلك أبوه… الخ.

ويختتم أبو حيان التوحيدي بهذه العبارة الدقيقة المتواضعة: هذه صناعة الأشراف سقتها على ما وجدتها…] انتهى الاقتباس

…………………

توقفتُ في الجزء السابق عند رقم(4) الذي ابدأ به هذا الجزء:

4 – في ص 80 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب الراحل الوردي: [وهم قد يحتقرون المهن الفكرية كمثل ما يحتقرون المهن اليدوية فالمعلم عندهم محتقر وكذلك الكاتب والمنجم والمغني والعازف والطبيب وربما احتقروا الحاذقين في معرفة الانساب والانواء او الفراسة او اقتفاء الأثر إذا كان هؤلاء يعتمدون عليها في كسب رزقهم] انتهى

يمكن تقسيم هذا القول الى:

1- (وهم قد يحتقرون المهن الفكرية كمثل ما يحتقرون المهن اليدوية) انتهى.

*تعليق: هنا امْتَنِع عن التعليق بسبب ’’ قد’’ التوقع والشك والتقليل. أي ألا جزم الذي حكم احتقار البدو للمهن اليدوية كما رأي/راى الوردي، أي إنَ’’ قد’’ هنا ما منعت الوردي من التأكيد على احتقار المهن اليدوية وكان بها جازم وحاسم لكنها جعلته في حيرة بخصوص المهن الفكرية.

2- (…فالمعلم عندهم محتقر وكذلك الكاتب والمنجم والمغني والعازف والطبيب) انتهى.

*تعليق: هنا ب (والمعلم عندهم محتقر) ألغى الوردي ’’ قد’’ التي وردت في (1) وجزم بان المعلم والكاتب والعازف والمغني والطبيب عندهم مُحتقرين ومُهانين وحالهم حال أصحاب المهن اليدوية…كيف قفز الوردي على ’’ قد’’ ومعناها وتأثيرها؟ الجواب: لا اعرف!!!

3- (وربما احتقروا الحاذقين في معرفة الانساب والانواء او الفراسة او اقتفاء الأثر إذا كان هؤلاء يعتمدون عليها في كسب رزقهم).

*تعليق: هنا ظهرت ’’ ربما’’ لتجعلنا في حيرة و بالذات إذا رصفناها مع ’’ قد’’… ’’ربما’’ احتقروا وربما لم يحتقروا. ثم وضع ل’’ ربما’’ محدد آخر/شرط وهو’’ إذا’’ كانوا يعتمدون عليها في كسب رزقهم…كل ذلك يعني ان الوردي في شك من ان البدو يحتقرون المعلم و الكاتب و العازف و المغني و الطبيب و الحاذقين… السؤال: إذً لماذا الطرح و لماذا لم يتعمق و يحتك ليتعلم ويجزم؟؟؟؟ هذا هو حال طروحات الراحل الوردي!!!!

’’ إذا’’ هنا كيف تتفاعل او تأخذ دورها وتفصح لنا عن رأي الوردي…أعتقد عليها ان تتحاور مع ’’ قد’’ و’’ ربما’’ كلٍ على انفراد مرة ومعاً في المرة الثانية لتستطيع توضيح الصورة لنا. ’’ ولله في خلقه شؤون’’ كما يكرر الراحل الوردي.

يبدو ان الوردي هنا تاهَ بين بدو القرن الرابع عشر الذين سمع عنهم ابن خلدون ولم يعرفهم وبدو النصف الأول من القرن العشرين الذين سمع عنهم الوردي ولا يعرفهم والعرب و البدو الذين تعايش معهم/عايشهم حافظ وهبة… كلا العالمين الجليلين ابن خلدون والوردي لم يُعايشا البدو فالاثنين بعكس حافظ وهبة الذي عاش وسطهم وكان مصدلر رزقه كد يمينه، انشغلا بالتنظير عن بعد والكتابة عن البدو من خلف الجدران رغم ان البدو غير بعيدين عنهما وعليهما وكان باستطاعتهما الاقتراب منهم و الاطلاع على حالهم عن كثب ولا يحتاجان سوى بعض التضحية ببعض الوقت و تحمل بعض المصاعب كما فعل المستشرقون او المعَّلمون… فبدوا ابن خلدون لم يحتقروا الطبيب ولا المعلم وإلا احتقروا معلميهم ومن يتطببون على أيديهم ومنهم رجال الدين وابن خلدون نفسه كما اعتقد…أما بدو الوردي وحافظ وهبة فقد أضافوا الى تقديرهم للمعلم بتقديسه وفق قول احمد شوقي ( قم للمعلم وفه التبجيلا.) ولو ان احمد شوقي ليس بدوياً.

ولدينا شهادة واضحة من زمان بدو الوردي بعنوان: [معلم في مدرسة نائية/ بدو رُحل/11.10.2020] يرويها المعلم السيد عبد الكريم خليفة حسن

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=695126

لا اعتمدها انما اطرحها للمعلومة وعسى ان تدفع من عايش البدو في زمن الوردي ان يتفضل علينا بجزء من حصيلة تلك المعايشة حيث اكيد فيها صور وعبر ومعلومات. هناك حالات كثيرة شبيهة بقصة هذا المعلم الفاضل الذي لو تعايش الوردي معه او مع غيره من المعلمين لمدة أسبوع واحد فقط لتجمعت لديه معلومات غزيرة تنفعه وتنفع الأجيال بدل الاكتفاء بالتردد على مقاهي ازقة بغداد والالتقاء بالشقاوات واتباعهم واصنافهم وكان متيسر له ذلك…أتمنى على من عايش تلك الفترة وبالذات المعلمين في المدارس النائية او مراكز محو الامية او موظفي دوائر الأحوال الشخصية والمساحة والبيطرة والأطباء والممرضين في المراكز الصحية ان يضيفوا من تجربتهم الينا لتتوضح الصورة. وهنا لابد ان اذكر ان الراحل الوردي قد عُينَ معلماً في قضاء الشطرة/ناصرية عام 1937 وقضى فيها سنة دراسية والمدينة وقتها لم تتحضر فربما كانت أقرب للبداوة من الحضارة ولم يًسجل الوردي أي شيء في كتبه عن موقف المجتمع هناك من المعلم او ما لاحظه الوردي وعلق في الوعي وألا وعي وهذا يثير الاستغراب…كانت فرصة كبيرة للوردي فقد عايش معلمين وطلبة وعشائر وحضر وبدو…أي مجتمع متنوع وبأعمار مختلفة.

وهنا أستطيع ان اطرح شيء مما ورد في كُتب الراحل الوردي وهو احتفال القبائل ببزوغ نجم الشاعر: وأسأل لماذا هذا الاهتمام بالشاعر وكيف كان يعيش هذا الشاعر وهل كان مُهان مُحتقر منبوذ من كان لا يحصل منهم على رزقه بسيفه (بالسلب والنهب)؟ ثم كيف كان يعيش رجل الدين؟ كيف استقبل بدو الوردي وحافظ وهبة المستشرقين الأجانب والباحثين العرب الذين تسلحوا بالأقلام والاوراق وليس بالسيوف ولو ظاهرياً؟

يبدو ان الراحل الوردي لم يترك شيء من المهن والحرف والاعمال والاشغال دون ان يشملها وفق ’’ قد’’ و’’ ربما’’ و ’’ إذا’’ بالإهانة والاحتقار وذلك كما اعتقد ناتج عن اعجابه بقول ابن خلدون عن’’ الصانع والعالم ’’’’ صانعاً وعالماً’’ وتمسكه به وتعظيمه فتوسع في تفسير الصانع والعالم كما اشرتُ أعلاه.

أعود الى نص حافظ وهبة الذي نقله لنا الوردي وشاع/انتشر وينتشر بين المستعيرين من كتب الوردي واقصد [“إذا أرادوا تحقير انسان وسبه بكلمة تكون مجمع السباب قالوا له “يا ابن الصانع”….] انتهى

أقول: كان على الراحل الوردي ان يتوقف هنا كثيراً وهو المحاط بأبناء الصُناع والصناع أنفسهم عندما كان يلتقي الشقاوات والسقطة والسفلة في مقاهي وازقة بغداد وهو يستعد لدراسة المجتمع العراقي والشخصية العراقية وهو الذي عمل صانع في محل عطارة وكل محيطه بما فيهم أقرب الناس اليه لا يحبذون حمل السيف أي السلب والنهب ولا يدعون اليه وله وكانوا يحصلون على قوتهم بعرق جبينهم وكد يمينهم واتقان صنعتهم وبالحلال واحترام الميزان.

الصانع أبن الصانع يا سيدي الراحل الباقي بيننا الدكتور علي الوردي لا تعني ابن صاحب ألصنعة (الصناعي او الصنايعي) انما ابن صانع أو صانع صاحب ألصنعة أي بعض أولئك الذين تواجدوا في الازقة والحارات وهو ذلك الصبي الذي يشتغل عند الحرفيين مثل النجار والحلاق و’’البيسكلجي’’ و الحائك’’الحايج’’ و النداف و العطار كما عمل الوردي نفسه وصاحب المقهى الذي كان يقدم الشاي للوردي والقصاب وصاحب المطعم ذلك الصبي او الشاب الذي يقوم بأعمال التنظيف وتقديم ما يحتاجه الزائر او الزبون ويقوم بتنفيذ أوامر سيده ’’ألاسطه’’ من اعمال أخرى مثل تقديم الشاي و القهوة للزبائن او ضيوف صاحب ألصنعة الذي يسميه الصانع ’’عمي’’ والتسَّوق لعائلة صاحب العمل ’’ألاسطه’’ وغيرها حسب الظروف والتي يتعرض فيها للسب والشتم والضرب احيناً والاذلال والإهانة وربما التحرش الجنسي حتى انه يُمنع من الجلوس مع صاحب العمل وضيوفه وحتى المناداة عليه تكون بكلمات خشنة ومعيبة ومهينة من قبيل (واك تعال…) ( تعال حمار) (ولك ابن الكلب وينك … ابن الق….) ومع كلمات قبيحة خشنة أخرى وجواب الصانع على كل هذه الإهانة ’’ الميانة’’ دائما هو: (صار استادي، تأمر استادي، خدامك استادي)…

والبدو لا يحتقرون الصانع او ابن الصانع لعمله او عمل ابيه او لحصوله على قوته بكد يمينه وليس بالسيف كما يشير وأشار وأكد وركَّز الوردي في كل ما كتبه عن الموضوع انما يحتقرونه لقبوله الذل والاهانة والكلام الجارح… هذا موضوع ال “صانع”…مع ان هناك حالات لا نقول كثيرة لكنها موجودة تَبَّنى بها صاحب العمل صانعه او زَّوَجَ صاحب العمل ابنته لصانعه او سجل املاكه باسم صانعه أي وَرَّثَهُ ومنحه اسمه.

اما موضوع الحائك…فالبدوي لا يعرف الحائك لعدم وجوده في محيط تواجده في البادية فحياكتهم تتم في بيوتهم من قبل نسائهم…واعتقد بعد ان سكن المدينة’’ أصبح من القبائل الاصيلة كما وصف الوردي’’ ما كان يخجل من صاحب محل حياكة في السوق…المكروه والمنبوذ ذلك الحائك الذي يعمل داخل بيته وتساعده نساء البيت والذي يضطر في عمله ان يدخل عليه كل زبون فيكون تواجد الزبون وسط نساء البيت وهذا العمل وتكراره يجعل زيارة بيت الحائك مسموح بها حتى في غيابه ومن هنا كانت صنعته معيبه ولا يُفضل الارتباط به بعلاقة الزواج فبناته سبق ان عملن معه وانكشفن بهذا الشكل او ذاك للرائح والغادي و يرفضون ان تحتك نسائهم بنسائه. يضاف الى ذلك كما أتصور ان متطلبات عمل الحائك تدفعه للبحث عن المواد الأولية فيضطر الى ترك عائلته ربما لعدة أيام وفي غيابه يزور العائلة من له مطالب او احتياج او مواد مُحاكه.

في ص177 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/ 1965 كتب الراحل الوردي تحت عنوان فرعي 🙁 مراتب الشرف) ما يلي:

[…ان القبائل البدوية التي سكنت العراق وامتهنت الزراعة تنظر الى القبائل الأخرى نظرة استعلاء وشموخ ولكي تميز نفسها عن غيرها نجدها تستنكف من تربية الجاموس او زراعة الخضر او صيد السمك بالشبكة. ان هذه الاعمال في نظرهم معيبة جدا اذ هي تجعل أصحابها كالبقالين المتجولين الذين يحملون بضائعهم في القرى والاسواق لبيعها] المصدر شاكر مصطفى سليم /الجبايش ج2 ص562 ـ 565

ثم يقول: [سألت أحد شيوخ القبائل ’’ الأصيلة’’ في الفرات الأوسط: لماذا تحتقرون البقال؟ فقال: انه يعيش على الميزان، وهذا عيب! يبدو ان الشيخ أراد ان يقول: ان البقال يحمل الميزان بدلاً من السلاح وهذا مخالف لخصال الرجولة والشجاعة] انتهى

ثم يقول: [ان الفرد من أبناء القبائل ’’ الأصيلة’’ يقف على ساحل النهر وبيده’’ الفالة’’ ليصيد بها سمكة واحدة او بضع سمكات، انه يستنكف ان يصيد السمك بالشبكة فالشبكة تأتي له بالسمك الكثير وهو مضطر ان يبيعه في السوق. أما’’ الفالة’’ فلا تأتي له بالسمك الا القليل وهذا يكفي لغذائه وغذاء عائلته ومما يجدر ذكره ان’’ الفاله’’ تعد من الأسلحة الحربية في الريف العراقي اذ هي حربة لها ثلاثة رؤوس حادة وكثيرا ما تستعمل في القتال اما الشبكة فهي شأن البقالين المستضعفين] انتهى

* تعليق: البدوي لا يعرف الجاموس ولا يستطيع تربيته ولا يعرف زراعة ومواسمها ليزرعها ولا يعرف السباحة وركوب القارب وصناعة الشبكة عليه لا يعرف صيد السمك بها و بغيرها ولا يستنكف بل يشعر بالنقص من أصحاب تلك المصالح ان صح القول لأنه فاشل ويستعر منه أصحاب الجاموس والحساوية وصيادي الأسماك الذين يحتقرهم ان صح تفسير الوردي وحافظ وهبة وشاكر مصطفى سليم، هم أيضاً يحتقرون البدوي ويحتقرون أصحاب ’’ البعران’’ ويسمونه ’’ أبو البعران’’ او ’’إبْدوي’’ [[يعني يمشي وره البعران و يتعطر بروائحهن و يشرب بول البعير وحافي ورجليه مفطره ويغسل ايديه ابول البعير] ويمتنعون عن تزويجه بناتهم لأنه رحال لا دار و لا مكان ومن لا دار له تُلزمه به لا عتب عليه ومن يعتب على بدوي مثل ما يعتب على بعيره]]…أما من استقر منهم وتعلم الزراعة فهو لا يعرف منها سوى(الطشاش) والحصاد وترك بناته بين الحقول يسرحن مع ’حلاله’ من شروق الشمس حتى المغيب أو يُجِبْنَ البراري ل(حش) خُضار الأرض كعلف للحيوانات المنزلية.

اما الإشارة هنا للميزان فهي لا تخص العمل والكد باليد انما الغش وعدم الثقة التي رافقت الميزان والمتعامل بالميزان، والموازين وقتها ليست بدقة اليوم. أما بخصوص ’’الساحل’’ اي الشاطئ /الجرف لا اعتقد ان من يستخدم ’’الفالة’’ يقف على الشاطئ لأنها قصيرة و السمك لا يتواجد بالقرب من الجرف/ الشاطئ/ ’’الساحل’’ انما من يستخدمها يركب المركب الصغير المشحوف/البلم/ القارب ليبتعد عن الشاطئ ليتسنى له النجاح بمهمته، اما الصيد بالشبكة فلا يجيده الا أصحابه ولو كان الموضوع كما تفضل الوردي حول عدم حاجة ابن القبائل ’’الأصيلة’’ للسمك الكثير فهذا التفسير سطحي/ ساذج حيث يمكن له ان يتكرم بالسمك الزائد عن حاجته على أبناء ’’الاصيلة’’ او الفقراء منهم فهم يشترون او يصيدون السمك بكميات كبيرة لتجفيفه بعد تمليحه ’’المسموطة’’ ليستخدم في اوقات شحته… .

ثم يكمل فيقول: [هناك أربع فئات محتقرة في الريف وأكثر هذه الفئات احتقاراً هم الحاكة ويأتي بعدهم الحساويه أي الذين يزرعون الخضر ثم ’’ البربرة’’ أي الذين يصيدون السمك بالشبكة وأخيراً يأتي ’’ المعدان’’ وهم الذين يعيشون على تربية الجاموس] انتهى

وهنا أقول: تطرقتُ أعلاه للمقارنة واضيف هنا البدوي ’’ أبن القبائل الأصيلة’’ لماذا لا يحتقر الراعي او مربي الابقار و الأغنام والماعز والدجاج لماذا لا يحتقر الخياط والحلاق والقهوجي’’الجايجي’’ والحمال/ العتال والبقال الذي يتذلل له و يشتري منه بالأجل والنجار و حائك ’’الليفة’’ والصفارين والحدادين/اهل ’المناكيش’ وحائك العُقل (العكَال) وصانع الأحذية و’ النعلان’ و صانع اقفاص الطيور و الأسِرَةَ و عمال البناء والمضمد والفراش والجرخجي ’الحارس الليلي’ او البزاز او الكببجي و الكاهجي و الباججي والكعكجي والبلام و صاعود النخل وغيرهم فكل هؤلاء لا يحصلون على قوتُهُمْ بحد السيف انما بأيديهم.

ثم هل هناك بدوي حسب علم الوردي امتنع عن تزويج احدى بناته الى معلم او شيخ الجامع او مضمد او بيطري او كاتب النفوس او مساح اراضي؟ لم اسمع عن’’البربره’’سابقاً وفهمت من طرح الوردي انهم بالعامية ’’صيادي السمك’’ ولا اعرف رأي الوردي ببائعي السمك ’’السماجة’’ وبائعي الخضروات!!

وفي ص 178 /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي 1965وتحت عنوان فرعي: (احتقار الحائك): كتب الوردي التالي: [مما يلفت النظر ان هناك فرقاً كبيراً في المنزلة الاجتماعية بين حياكة الحصر القصبية(البواري) وحياكة النسيج، فحائك الحصر لا يقل منزلة عن زارع الحبوب] انتهى [المصدر شاكر مصطفى سليم /الجبايش ج2ص 562 ـ 565]

ثم يكمل الوردي: [اما حائك النسيج فهو وضيع جدا لا يكاد يدانيه أحد في حقارته فأبناء القبائل ’’ الأصيلة’’ لا يزوجونه من بناتهم وهم من جانبهم لا يتزوجوا من بناته وان نشب قتال فليس من المفروض ان يشترك الحائك فيه انه يجلس مع النساء ولا يطلب منه الرجال أية مساهمة في معاركهم مهما كانت ضئيلة].

* تعليق: هل من حق عالم الاجتماع ان يقول: [ان حائك النسيج فهو وضيع جداً لا يكاد يدانيه أحد في حقارته…] هذا القول للوردي ولم يضع امامه او في سياقه أنْ قال فلان او انه راي أبناء القبائل ’’ الاصيلة ’’…هذا قول سخيف ومنحرف لا يطرحه انسان عاقل او واعي بهذه الصيغة واعتقد ان هذا الطرح لا يقل عما ورد فيه من كلمات او عبارات ومن يعترض على وصفي هذا عليه ان يراجع النص في الصفحة والكتاب ولا يقول ان الوردي كان يقصد كذا و كذا.

الانتباه لطفاً الى: [الواقع ان احتقار الحائك تراث بدوي قديم وقد كان البدو منذ قديم الزمان إذا أرادوا شتم أحد قالوا له ’’ حائك ابن حائك’’] هذا ما طلع به الوردي من تحليل وكأنه جاء بشيء جديد يختلف عما قاله شاكر مصطفى سليم او حافظ وهبة!!

انظروا تفسير الوردي لطرح الدكتور شاكر مصطفى سليم حول الفرق بين حياكة الحصر وحياكة النسيج حيث كان التالي: [أما التمييز بين حياكة الحصر وحياكة النسيج فسببه في رأيي ان حائك الحصر كزارع الحبوب يظل متمسكا بالقيم البدوية القديمة فهو لا يجالس النساء ولا يمارس الميزان. انه ينتج عدداَ كبيراً من الحصر ويجمعها عنده ليأتيه التاجر بعدئذ فيشتريها منه دفعة واحدة فهو لا يبيعها بالمفرد في الأسواق ولا يتنازل للمساومة على كل حصير منها مرة بعد مره وهو اذن يشبه زارع الحبوب في موسم الحصاد] انتهى.

*تعليق: اعتقد ان التسمية الأنسب هي صناعة الحصران و ليس حياكة الحصر… كان هذا طرح السيد شاكر مصطفى سليم ليتبناه الوردي ثم يصبح هو راي الوردي في اللاحقات ويختفى اسم السيد شاكر مصطفى سليم…هنا وبالتبعية لرأي السيد شاكر مصطفى سليم لم يفهم الوردي الحالة و لم يفكر بها…أن من تجمع القصب او البردي او العيدان الداخلة في صناعة الحصران هي المرأة وكثيراً ما ساهمت المرأة به و اذا انشغل صانع ’’حائك’’ الحصير بالعمل فأن من تقدم له العون هي المرأة في صيد السمك و رعاية الحيوانات المنزلية و تحضير العلف فعيشتهم ليس على ’’الملاليم’’’ التي تأتي من صناعة الحصران و بيعها فهي صعبة و تستغرق أيام طويلة وهي ليست المورد الأساسي للعائلة…و صناعة الحصر من مادة واحدة و لا تتأثر بالأحوال الجوية بعكس حياكة النسيج التي تتطلب جز الصوف و الغسيل و التمشيط للتنظيف والغزل ثم التلوين و الزركشة حيث تستعمل عدة الوان وعدة خيوط وعدة الواح نسج ’’مكائن بسيطة’’ فالفرق ليس في عملية البيع فقط.

ويضيف الوردي: [سأل الدكتور شاكر سليم أحد الخبراء في العرف العشائري عن أسباب احتقار الحاكة، فأجاب: ان الحاكة مغموزون في نسبهم ويكذبون كثيرا وهو ناقصو الذمة فقد سرقوا اقراط الحسين وشهدوا على مريم عندما ولدت وفعلوا أمور مكروهة حفضها التاريخ] [نفس المصدر].

ثم يقول الوردي: [يبدوا ان هذه اعذار مصطنعة جاءت بها القبائل لتبرير احتقارها للحائك] ثم يفسر لنا الوردي ما يعتقد انه السبب في احتقار الحائك فكتب التالي: [الواقع ان احتقار الحائك تراث بدوي قديم وقد كان البدو منذ قديم الزمان إذا أرادوا شتم أحد قالوا له ’’ حائك ابن حائك’’ ومنشأ هذا الاحتقار هو ان الحائك يحترف عملاً من اختصاص المرأة في نظر البدو فهو يعيش بكد يمينه بدلا من ان يعيش من بكد سيفه وقوة ذراعه وهم يضربون به المثل فيقولون:’’ كالحائك عمرة ما قتل فاره’’]

*تعليق: تكلمت عن الحائك وعمله ولماذا يُنظر اليه تلك النظرة وسواء كانت من قديم الزمان او حديثه…اما زج موضوع الكد بيمينه بدل الكد بالسيف وقوة ذراعه فالذراع من اليمين والكد بالذراع يعني الكد باليمين وأصاحب السيف لولا يمينه ما سرق ونهب لذلك حق الإسلام قطع يد السارق…والعجيب في طرح الوردي هو كالحائك عمره ما قتل فارة] يبدو ان الوردي لا يعرف ان الحائك ربما هو أكثر من قتل الفئران لأنه أكثر المتضررين منها فهي تفتك بصناعته ورزقه.

خاتمة:

في ص14 /كراسة الاخلاق/1958 كتب الراحل الوردي التالي: وجاء في امثالهم الدارجة: [الحق بالسيف والعاجز يريد شهود وجاء كذلك قولهم: “الحلال ما حل باليد”]

*”الحق بالسيف والعاجز يريد شهود”: يعني الحكمة والدقة فالعدل الواضح إذا لم يُعطى لأصحابه يؤخذ بسيف العدل وسيف الحق وسيف القانون او بالذراع ان تعثر استرداد الحقوق وهذا ما جرت عليه الأعراف القبلية ويبدأ بال’’عطوة’’ هذا بخصوص الحق البائن…اما من يكون حقه ضائعاً وغير واضح او المشكوك فيه فيحتاج الى شهود ثقات لتوضيح حقه حتى يستحق ان يطالب به. لو كان القول فقط “الحق بالسيف “لكان بالإمكان تفسيره ب ” الاستحواذ بقوة السيف” لكن دخول العاجز والشهود تلغي الغلبة والاستحواذ بالقوة او الغصب.

*”الحلال ما حل باليد”: ان ما حل باليد يعني ما اُنتج باليد…نتيجة الجد والجهد والعمل فهو حلال على منتجه او صانعه وليس كما يريد الوردي بأنه السلب والنهب او الغلبة والاستحواذ

في ص15 اخلاق كتب الراحل الوردي التالي: […والذي يجلس إليهم ويستمع الى أحاديثهم يجد انهم يقيسون الرجولة الكاملة بقياس الغلبة والاستحواذ وهم إذ يمدحون رجلاً يقولون عنه أنه “سبع” يأخذ حقه بذراعه ولا يقدر أحد عليه”] انتهى.

*تعليق: الراحل الوردي لم يجلس مجالس البدو او البادية ولم يحتك بهم انما جالس الشقاوات والسفلة والسقطة واستمع الى حكايات منهم وسجلها وقاس عليها واعتمدها وبنى عليها والتقى كذلك بعض المعمرين بهذا الخصوص ولم يكن بينهم من اهل البادية انما من المحيط الذي عاش في وسطه وتردد على ازقته ومقاهيه وحاراته وسمع بعضه في الجامعة ومجالس الثقافة وبعض المثقفين الذين جره إليهم التقائهم الفكري معه. ان ورود كلمة الحق هنا تعني ان صاحب الحق لا يتنازل عن حقه الذي يريد الطغاة وأبناءهم الاستحواذ عليه دون وجه حق فهو مستعد للتضحية في سبيل حقه وهذا من المحاسن…ولو كان ضمن مفهوم الغلبة او الاستحواذ الذي يريد الوردي حرف القول باتجاهه لكان القول: “انه سبع يأخذ ما يريد وما يشتهي وما يرغب به وما يعجبه ويناسبه بيده غصباً وبالقوة ورغماً عن أصحابه “.

يقال ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان صانع سيوف ويقال ان نوح كان نجاراً ومحمد امتهن التجارة ويقال ان اول حائك هو ادم…ان نظرة العرب على العموم حول الحِرَفْ والاشغال والمهن تعود الى إن أكثر الحرفيين كانوا من التي جلبتهم الفتوحات من الرق والبعض الكثير الاخر من الوافدين من افريقيا بحثاً عن العمل لهذا مشكوك في انسابهم ومن هؤلاء اخذ موضوع المهنة واحتقارها أي ليس بسبب المهنة والسلب والنهب والكد باليد.

…………………………..

عن صناعة الحصران

المصدر