الحسين.. أسطورة التاريخ

662

بغداد- واع- علي جاسم السواد لا تزال تلك اللوحة السوداء تتحرك من كل حدب وصوب نحو كربلاء العظيمة لتحمل بين مضامينها لغزاً لم تفك جفرته الأزمنة، لغز عصيٌّ عن الفهم والإدراك، لا يتحسس قيمة فلسفته إلّا من خطو بأجسادهم الموشحة بالسواد ،هذه اللوحة العظيمة التي ظلّت أبعادها الفنية غير متسعة لحدود مكانية أو زمانية. إنها لوحة عشق ،أبطالها حفاة ومترفون، عمال وفلاحون ،وتجار وطلاب وشيوخ وشباب ،وأطفال ونساء ،وخصوم وأحبة، لوحة تجاوزت فسيفسائها الأعراف والقواعد، لا تضع معايير في زوايا إبداعها أو تتمسك بشروط لمن يمثل إحدى أركانها ، ملايين جمعتهم أسطورة الحسين الخالدة في عمق الأزمنة، فآمنوا بها فازداوا هدى. ملايين لم يحركها إلّا الضمير ولم يدفعها للسير صوب قبلة الإصلاح والقيم إلّا فطرة إنسانية غرستها مبادئ تلك الأسطورة الفعلية العظيمة، مئات الكيلومترات اختزلها هؤلاء في لحظة العشق الأزلي ،فكانت خاطفة تشبه من قال لنبي"أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ " وهي كذلك، فمن خط سائراً لوحة العشق الحسيني الموغلة في عمق التأريخ ،هو وحده يدرك حقيقة اختزال الوقت والزمن في حركة قدمين متعبة ،سارت من دون أن يمنعها وباء أو جوع أو تعب ،وكأن يد امتدت عبر الأفق لتزيل عرق جباههم الشامخة ،وتزيل عن أجسادهم الغبار والأتربة ،وتمنحهم الهاماً وقوة من دون أن يضعوا لحدود الزمان والمكان اعتبارا في حركة مسيرهم. لوحة تشابكت فيها القيم لتغرس من جديد مفاهيم إنسانية أفرزتها ثورة الحسين(ع) لتواصل تلك الثورة منح الدنيا درساً تلو الآخر على أرض الحضارات والقيم. أيام مرت وذلك الزحف صوب كربلاء لم يتوقف ،وتلك النوايا الطيبة لا تزال تفوح منها رائحة النبل الصادقة لقضية تشرفت بها أرض الرافدين ،لتحمل قرباناً ظل يشع الأرض نوراً وهدى، زيارة بدأت منذ أكثر من عشرة أيام ،وكانت لها استعدادات استثنائية بسبب تفشي فيروس كورونا الذي فرض نمطاً صحياً على الجميع، وهذه الاستعدادات بدأت بعد أن وجه القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بتشكيل لجنة عليا برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، وعضوية كل من نائب قائد العمليات المشتركة ووكلاء الوزارات الخدمية، لتأمين وإنجاح الزيارة الأربعينية. وانطلقت خطة أمنية خاصة لقيادة عمليات كربلاء بعد أن فتحت المدينة المقدسة أذرعها لاحتضان زوار الحسين (ع)، وتضمنت الخطة انتشار القطاعات العسكرية على محاور المحافظات في بغداد وكربلاء وبابل والنجف الأشرف، بهدف تأمين الحماية اللازمة للزوار. قيادة العمليات المشتركة، هي الأخرى أعلنت ادخال القطاعات الأمنية في المحافظات بحالة الإنذار (ج) لتأمين زيارة الأربعينية، وتعزيز عمليات كربلاء، بقطعات من الجيش والشرطة الاتحادية وفوج الطوارئ، إضافة إلى مشاركة قوات الحشد الشعبي، وفرقة العباس القتالية في إسناد القوات الأمنية، وفي النجف الأشرف أطلقت الأجهزة الأمنية عملية استباقية في محور الصحراء المحيطة بمحافظة النجف الأشرف ومحافظة كربلاء المقدسة ،وصولاً إلى صحراء محافظة الأنبار لتأمين الزيارة أربعينية ،وتوفير الحماية للزائرين ،وتضمنت العملية مسح وتفتيش محور بادية النجف وكربلاء بقرابة 100 ألف كليومتر مربع، فيما أعلن عدد من المحافظات تعطيل الدوام الرسمي أيام الزيارة ،وتسخير جهودها البلدية والصحية لخدمة الزائرين، وكانت وزارة الصحة قد دعت المواطنين الزائرين وأصحاب المواكب الحسينية والمسؤولين على المراقد المقدسة والمقامات والجوامع والحسينيات اتخاذ الاحتياطات اللازمة وتطبيق جميع الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار العدوى بين الزائرين من خلال الالتزام التام بارتداء الكمامات من قبل كل الزائرين ومن دون استثناء ،والحفاظ على التباعد الجسدي وتعقيم اليدين باستمرار ،فيما أكدت على الملاكات الصحية والمفارز الطبية المنتشرة على طول سير الزائرين إلى كربلاء اتخاذ الإجراءات الصحية الوقائية اللازمة ،وتقديم الخدمات الصحية التشخيصية والعلاجية والتوعوية والإشراف على تنفيذ الإجراءات الوقائية في المواكب الحسينية ،وخاصة في الطعام المقدم للزائرين ،وأن يكون بشكل مغلف ،واستخدام الأواني ذات الاستخدام الواحد ،وكذلك تعفير أمكنة الزائرين بشكل مستمر. وسخرت جميع الوزارات جهودها لخدمة الزائرين في جميع المستويات ،خاصة في مجال توفير المركبات للتفويج العكسي للزائرين بعد إكمال مراسيم الزيارة. وشهدت الزيارة غياباً للزائرين العرب والأجانب بعد إغلاق المنافذ الحدودية نتيجة الإجراءات الوقائية بسبب جائحة كورونا العراقالمصدر