الحاكم بأمر الله، الدكتور صالح الورداني
———
اتفق جميع المؤرخين على تشويه الفاطميين، ويبدو ذلك بوضوح عند مؤرخي فترة ما قبل سقوط الدولة الفاطمية الذين كانت تحرضهم بغداد ، كما يبدو عند مؤرخي فترة الأيوبيين وما بعدهم..
ويعد الحاكم بأمر الله الفاطمي( 375 – 411ه ) من أكثر حكام الفاطميين الذين تعرضوا للطعن والتشويه من قبل الفقهاء والمؤرخين..
روى ابن كثير في البداية والنهاية حوادث عام 405ه: فِيهَا مَنَعَ الْحَاكِمُ صَاحِبُ مِصْرَ النِّسَاءَ مِنَ الخروج من منازلهم، أو أن يطلن من الأسطحة أو من الطاقات ،ومنع الخفافين من عمل الخفاف ـ الخشبية أي القباقيب ـ لَهُنَّ، وَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ إِلَى الْحَمَّامَاتِ..
وَقَتَلَ خَلْقًا مِنَ النِّسَاءِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي ذَلِكَ، وهدم بعض الحمامات عليهن، وجهز نساء عجائز كثيرة يستعلمن أحوال النساء لمن يعشقن أو يعشقهن، بِأَسْمَائِهِنَّ وَأَسْمَاءِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ..
ثم إنه أكثر من الدوران بنفسه ليلاً ونهاراً فِي الْبَلَدِ، فِي طَلَبِ ذَلِكَ، وَغَرَّقَ خَلْقًا من الرجال والنساء والصبيان ممن يطلع على فسقهم، فضاق الحال وإشتد على النساء وعلى الفساق ذلك..
وروى المقريزي في اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الحنفا حوادث سنة اثنتين وأربعمائة :وفي جمادى الآخرة منع بيع قليل الزبيب وكثيره، وكوتب بالمنع من حمله، وألقى في النيل منه شيء كثير..
وقرئ سجله وفيه تشدده في المسكرات والمنع من بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي لا قشر له، والمنع من الملاهي ومن اجتماع الناس في المآتم واتباع الجنائز، والمنع من بيع العسل إلا أن يكون ثلاثة أرطال فما دونها..
ونهى عن الكلام في النجوم، فتغيب عدة من المنجمين وبقي منهم جماعة وطردوا؛ وحذر الناس أن يخفوا أحداً منهم، فأظهر جماعة منهم التوبة فعفى عنهم، وحلفوا ألا ينظروا في النجوم..
وأمر بغلق سائر الدواوين وجميع الأماكن التي تباع فيها الغلال والفواكه وغيرها ثلاثة أيام من آخر حزن عاشوراء، فلما كان يوم عاشوراء أغلقت سائر حوانيت مصر والقاهرة بأسرها إلا حوانيت الخبازين..
وأكثر الحاكم في هذا الشهر- المحرم- من الصدقات وإعطاء الأموال الكثيرة جدا وأعتق سائر مماليكه وجواريه..
وفي رجب أمر بقتل الكلاب، فقتلت بأجمعها، وأطلق أموالا جزيلة للصدقة. وأكثر من الركوب في الليل..
وفي سنة ثمان وأربعمائة قدم مصر داع عجمي اسمه محمد بن اسماعيل الدرزي واتصل بالحاكم فأنعم عليه. ودعا الناس إلى القول بإلهية الحاكم، فأنكر الناس عليه ذلك، ووثب به أحد الأتراك ومحمد في موكب الحاكم فقتله، وثارت الفتنة، فنهبت داره وغلقت أبواب القاهرة.. واستمرت الفتنة ثلاثة أيام قتل فيها جماعة من الدرزية، وقبض على التركي قاتل الدرزي وحبس ثم قتل..
ثم ظهر داع آخر اسمه حمزة بن أحمد، وتلقب بالهادي، وأقام بمسجد تبر خارج القاهرة، ودعا إلى مقالة الدرزي، وبث دعاته في أعمال مصر والشام، وترخص في أعمال الشريعة، وأباح الأمهات والبنات ونحوهن؛ وأسقط جميع التكاليف في الصلاة والصوم ونحو ذلك.. فاستجاب له خلق كثير، فظهر من حينئذ مذهب الدرزية ببلاد صيدا وبيروت وساحل الشام..
وفي سنة إحدى عشرة وأربعمائة اختفي الحاكم في ظروف غامضة، وقيل أنه قتل بتدبير من شقيقته ست الملك..
ويظهر لنا مما سبق أن الحاكم كان رجلا عادلا وعاقلا، وأن ما أشيع عنه مجرد أكاذيب، وأن شدة التزامه وعدله دفع ببعض الجهلاء إلى تأليهه..
أما ما يتعلق بحظر القباقيب على النساء ومنعهن من الخروج فقد كان سببه انتشار الفسق والفجور بين المصريين، واستخدام العاهرات للقباقيب في استدراج الرجال لأوكارهن عن طريق الضرب بها على الأرض بنغمة يفهمها الفساق والزناة فيتبعونهن إلى محلاتهن..
وما يتعلق بمنع الفقاع فهو شراب يصنع من التمر والقمح ، وهو نوع من الخمور..
أما حظر الملوخية فقد كان سببه تلوث هذا النبات وحدوث حالات تسمم بسبب أكله..
وما ذكر عن منعه الناس من العمل نهاراً فقد كان بسبب موجة شديدة من الحر مرت بالبلاد، مما جعله يصدر قراره بالعمل ليلاً حيث تكون درجة الحرارة قد خفت والشمس قد ذهبت..
وفيما يتعلق بالأسماك القشرية فهى مسألة فقهية تعود لمذهب أهل البيت الذي كان يطبقه الحاكم والذي يحرم الأسماك الملساء..
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
القادم بوست