التشكيلية عايدة الربيعي: حلم عميق يستفيق على معاناة الواقع

255

بغداد- واع- آمنة السلامي

يشكل الفن التشكيلي علامة فارقة في الوقت الحاضر بسبب حضوره الفاعل في الساحات وتأثيره المباشر على الحراك وعلى أنماط الحياة السياسية والاجتماعية.

وعلى الرغم من تعدد مدارس الفن التشكيلي، وتأثر التشكيليين العراقيين بتلك المدارس، بيد أن لكل فنان بصمته ورؤيته أزاء الواقع.

وقد يكون ثمة تفاوت في منجز الفنان الواحد، إلا أن ثمة من بين هذا المنجز ما هو متميز حتى بالنسبة للفنان التشكيلي، وانطلاقا من ذلك تعد لوحة "كهرمانة" و"سمك مسكوف"، من أحب اللوحات إلى التشكيلية العراقية عايدة الربيعي، إذ تجد في هاتين اللوحتين إطارا لمرور الزمن والحياة والناس، بينما هي تقبع في حلمها ووداعتها.

والربيعي التي تخطت حسب قولها مراحل متعددة ممزوجة بالمصاعب والمتاعب لتصل الى مبتغاها وكينونتها كفنانة وأديبة وأكاديمية، لا تجد أشد من الألم والمعاناة في خلق شخصية الفنان.

البدايات والحوافز

تقول الربيعي، إن "السنوات الأولى من طفولتها كانت الأساس في صقل وتأكيد موهبتها"، لافتة الى انتمائها لأسرة فنية تهتم بالرسم والخط والكتابة".

وتضيف الربيعي، "تأثّرت بأخيَّ الفنان التشكيلي المغترب (ثائر الربيعي) الذي كان ومازال ملهمي الأول والذي طالما شجّعني ووقف إلى جانبي ومدّني بكلّ ما يصقل الموهبة، وكنت أمنّي النّفس بأن أصل إلى مستوى يسمح لي بالمشاركة في المحافل الفنية، وقد تمكنت من ذلك بالدراسة والدربة والسعي الجاد".

المعاناة تخلق الإبداع

خلف كل إبداعي شعرا كان أو لوحة أو أغنية أو أي نسق آخر من أنساق الإبداع، تكمن المعاناة، وقد تكون هذه المعاناة شخصية أو اجتماعية عامة، لكنها في الحالتين تمنح العمل الصدق الفني المطلوب وتمنحه رؤية عميقة تجعل الآخرين يتفاعلون معه، وهكذا كان الفنان جواد سليم في عمله الخالد نصب الحرية وكذلك حمامات السلام للفنان فائق حسن، ولم تكن الربيعي بعيدة عن هذا المعنى في لوحاتها الجاذبة، فالربيعي تخلق من معاناتها فنا يمد جسرا بينها وبين معاناة الآخرين، وهي تؤكد ذلك بقولها ،"المعاناة تولد الإبداع، وانا أؤمن بحتمية الفن ودوره اللاعب في نقل المعاناة بمختلف أشكالها، وأن الفن لم يعد نوعاً من أنواع الرفاهية، ولم ينحصر دوره في استحضار الجمال وحسب".

وأضافت، أن "الفنون بكل أشكالها هي المحرك الرئيس لوجدان الشعوب، وأن تداعيات الواقع تخلق الوعي وتبعث الفكر في حياة الشعوب عبر الفن ومفاصل الفكر المختلفة"، مشيرة إلى أن "الفنان يسعى لرسم صورة الواقع لإظهار المعاناة عبر طرح جاد للعديد من قضايا الواقع".

ولفتت الى أن "الحراك الشعبي الذي شهدته الساحات في العراق ولبنان ومصر، برز فيه دور الفن كأداة للتصحيح والتقويم والرفض، وقد شهدت الساحات ازدهارا في شتى أنواع الفنون، خاصة فنون الرسم والتصوير، وأثبتت العروض الفنية في السنوات الأخيرة، إدراك الفنان العراقي لأهمية دوره من خلال التأكيد على الهوية الوطنية، ورفض العنف والطائفية وكل المفردات الطارئة على المجتمع".

الدراسة الأكاديمية ليست عائقاً أمام الإبداع

على عكس ما يذهب له الكثير من الأدباء والفلاسفة والفنانين، من أن الدراسة الأكاديمية تشكل عائقا أمام المشغل الفكري والفني للأدباء والفنانين، إذ يعدها بعضهم انحرافا عن المسار الفكري والفني الذي يتبعه والذي يعززه باطلاع ثقافي خارج المؤسسة التعليمية الرسمية، كما يقول الشاعر الفرنسي "آرثر رامبو" في مقولته الشهيرة، "من السخف أن تبلى سراويلنا على مقاعد الدراسة"، بالضد من ذلك تقول التشكيلية علياء الربيعي، إن "الدراسة الأكاديمية ليست من عوائق الإبداع، بل تصقل موهبة الفنان وتكشف قوته وقدرته في الحصول على دراسات موسعة في الفن وعلومه "، مبينة أن "التحصيل الدراسي هو محصلة لمسار التعليم المتخصص للفنان الإنسان، وهو المدى الذي يحقق عنده أهدافه في المجال المعرفي، لأن المعرفة سر نجاح الكثير من المبدعين والمفكرين، وهذا لا يعني إنكار الفطرة والموهبة في الفن".

مميزات الفن التشكيلي

يتميز الفن التشكيلي بمميزات تجعله متميزا عن سواه من الفنون البصرية الأخرى، وفي هذا السياق فلكل فنان تشكيلي أيضا رؤيته في التعاطي مع اللوحة على وفق نسقه المعرفي والذهني والحسي وإيقاعاته الداخلية.

ويبدو أن لوحات الربيعي منبعثة من هالات يتحكم بها نوع من الميثولوجيا، فهي تريد أن يتداخل الماضي بالحاضر، لتجعل من الماضي محركا مستقبليا كما في لوحة "كهرمانة" التي تعدها الأقرب لنفسها من بين عديد اللوحات التي أنتجتها، الى جانب لوحة "سمك مسكوف" ذات البعد الواقعي البحت، وفي لعبة الألوان لا نجد لونا ما يطغى على لوحات الربيعي وهو ما يؤكد الرؤية على التداخل والتمازج اللوني والزمكاني، مع ميولها النفسية نحو اللونين الأبيض والذهبي التي تحاول الهروب منهما أحيانا لتجد نفسها في النهاية تقع في فخي هذين اللونين المتعاكسين.

المشاركات والجوائز

لكل فعل رد فعل يعاكسه، إلا في الفن، الذي ينسحب رد الفعل فيه طرديا على شكل دروع وجوائز يحصل عليها الفنان مقابل إنجازاته الفنية، وهذا ماينطبق على التشكيلية عايدة الربيعي التي حصدت أكثر من خمسين من الشهادات التقديرية والدروع والجوائز، تقول الربيعي: "حصلت على درع الإبداع في مصر وجائزة في الشعر النثري لمهرجان وزارة التربية 2007 ، ودرع وزارة الثقافة 2010 عن جائزة نازك الملائكة العام2010 وجائزة الإبداع لعام 2011 لمركز النور الثقافي في السويد، وقلادة الإبداع في مهرجان ملتقى الإبداع في أتليه القاهرة 2016 .

الربيعي لم تكن تشكيلية وحسب ، بل أصدرت مجموعة من النصوص الشعرية كما صدرت لها رواية عن دار الكلمة الثقافية بمصر.

العراقالمصدر