بقلم: كرستين أوفر، ويوسف بن مير، وإيمان أخزان، ومارين بوجيت
تواجه البشرية تحديا غير مسبوق بسبب عيشها على كوكب أرض بلغت حرارته ذروتها. وشكلت الإرادة السياسية الباهتة وضعف الوعي المجتمعي عائقا كبيرًا أمام التغيير الذي يعد ضروريًا لمواجهة هذا التحدي.
في شمال إفريقيا، أحد المناطق الأكثر تضررا من التغير المناخي، تواجه دول المنطقة تهميشا بيئيا حادا والمغرب ليس استثناء من هذه القاعدة. كل الظواهر مثل التصحر الزاحف، والغابات المعرضة للخطر، واستنزاف الثروات المائية، وتأثر النظام البيئي، والكوارث الطبيعية، كلها عوامل كفيلة بتهديد ليس التنوع البيولوجي الغني للمغرب فقط، بل وكذلك سبل عيش السكان المحليين وسلامتهم وصحتهم.
فيما يخص الطاقات، يعد المغرب رائدا في القارة الافريقية وأول بلد مؤيد لمفهوم الطاقة المتجددة وتوظيفها لمواءمة التنمية الاقتصادية مع حماية البيئية واستدامتها. ومع انطلاق العديد من المشاريع الضخمة ، يبقى التركيز ضعيفا على المشاريع الصغرى بقدر غير كاف للوصول إلى مرحلة نجاح انتقال طاقي متجدد بنسبة مائة في المائة. ويأتي التشجيع على اتباع اللا مركزية في المغرب ليُقـرّ بإرادة الشعب ورغبته في المشاركة في صنع القرار وإدارة شؤونه الخاصة، لكنها إجراءات لم يتم تطبيقها بشكل يعم جميع أنحاء البلاد.
تتمثل مهمة مؤسسة الأطلس الكبير بوصفها ميسرًا في جمع خبراء من الأوساط الأكاديمية، وهيئات المجتمع المدني، والقطاعين العام والخاص، و الهيئات التشريعية، خبراء على استعداد لإحراز تقدم وإجراء إصلاحات سياسية هادفة من خلال المشاركة الاستباقية والحازمة. ولعبت المناقشات ودورات التكوين التي استفاد منها عدد من المشاركين تحت إشراف الخبراء المحليين والدوليين دورًا أساسيًا في العمل المنجز حاليا في هذا المجال. ولقد قامت المؤسسة بتقييم الوضع الحالي لتنمية قطاع الطاقة ولامركزية سياساته ونعرض في هذا المقال طريقة للمضي قُـدُمًا.
يعول قطاع الطاقة في المغرب كثيرًا على الكربون (الفحم) ويعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة، كما يتأثر بتقلبات الأسعار مع قانون الطلب والعرض. ولقد زاد الطلب على الكهرباء بشكل كبير بسبب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية والتغطية الشاملة، مما استلزم اللجوء للواردات الأجنبية لتلبية الطلب المتزايد. وضع المغرب أهدافًا طموحة معتمدًا على هياكل قانونية ومؤسساتية للطاقة المتجددة قصد جذب الاستثمار الوطني والدولي وتطوير سبل البحث والابتكار. وقد نتج عن ذلك ظهور أعداد كبيرة من مبادرات الطاقة الخضراء بما في ذلك برنامجان طموحان للطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وبالتالي تُعدُّ المعرفة والخبرة داخل المغرب في مجال الطاقة من بين الأهم داخل القارة، وقد أدى مناخ الاستثمار الملفت للانتباه إلى خفض تكاليف إنتاج الطاقة البديلة.
اللامركزية جزء لا يتجزأ من أجندات السياسة المغربية بفضل وجود هيئات تسهل القيام بذلك وفق نهج يضمن الانتاجية والشمولية والعدل. وتشمل بعض الهيئات: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي تُدير فرع التمويل الوطني الموجه لمشاريع التنمية المحلية؛ ميثاق البلديات والذي يتطلب ممثلين منتخبين محليًا لوضع خطط تنمية تشاركية للمشاريع المحلية؛ خارطة طريق اللامركزية والتي تجمع بين الركائز الثلاث: نقل صلاحيات السلطة، واللامركزية، والتفويض؛ ميثاق اللامركزية المقدم من الحكومة بناء على طلب الملك محمد السادس، والذي يهدف خاصة إلى إلزام الوكالات الحكومية الوطنية والإقليمية بوظائف محددة في إدارة الخدمات البشرية، وكذلك الدستور الذي تمت المصادقة عليه حديثًا في عام 2011، والذي كرّس حق مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار بناء على اللامركزية والشفافية والادارة الرشيدة.
أظهر هذا التقييم أن اللامركزية في انتقال الطاقة تتطلب اعتماد التدابير التالية:
تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات: يجب على كل القطاعات الاقتصادية، والخاصة، والمدنية، والعلمية، وغيرها تنسيق توقعاتها وتبادل المعلومات فيما بينها للوصول لمستوى التغيير الذي لا يمكن تحقيقه إذا عمل كل قطاع بمفرده. وأطلقت مؤسسة الأطلس الكبير بالتعاون مع منظمة جيرمان ووتش مبادرة في عام 2019 لخلق مثل هذا الانسجام بين القطاعات من أجل الانتقال نحو لامركزية الطاقة في المغرب. ويمكن أن يؤدي تعزيز تكامل الطبقات الإدارية والوزارات التي تتبع هذا النموذج إلى تبادل واعتماد أفضل الممارسات.
تعزيز الاتفاقات الإقليمية التي تهم مواجهة التحديات بشكل تعاوني. يشجع المغرب على التعاون بين بلدان جنوب جنوب وقد قام بعقد شراكات اقتصادية ودعم بشكل كبير العلاقات السياسية مع باقي البلدان الافريقية. وبدأت العديد من الوكالات الوطنية العمل في عدة بلدان افريقية. هكذا تضاعفت صادرات المغرب إلى هذه البلدان خمس مرات على مدى عقد من الزمان وهو ما جعله مركزا للكهرباء القائمة على الطاقة المتجددة، ومحور للتجارة وبناء القدرات والابتكار. ستؤدي تقوية هذا التعاون الإقليمي إذًا إلى زيادة الاهتمام بالاستثمار والرفع من فرص الشركات التي تسعى للاندماج في السوق الافريقية مع الحرص على خفض معدلات الفائدة والتضخم من جهة، وزيادة الإنتاجية من جهة ثانية.
تحسين إدارة المبادرات المتمحورة حول الناس. يضع ميثاق اللامركزية معايير واضحة عن كيفية عمل الصعيدين الوطني والإقليمي معا، ولكنه أقل وضوحًا بشأن دور العمالات والبلديات. ونظرًا لكون المراكز الإدارية الإقليمية العامة لا تزال بعيدة عن المجتمعات المحلية النائية، فإن الوضوح بشأن وظائفها ومسؤولياتها في سياق اللامركزية سيساعد في تخطيط الأعمال واتخاذ القرارات التي تهم جميع القطاعات والمستويات.
تعجيل تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة. كانت محاولات دمج أجندات التنمية في تخطيط وسياسات الطاقة محدودة وكان الدعم المالي والحوافز للمشاريع الأصغر لا ترقى إلى مستوى التطلعات. لذا يجب على الحكومات وصناع القرارات والقوانين تسريع وضع استراتيجيات من أجل نقل مشاريع الطاقات المتجددة إلى حيز الواقع.
رفع مستوى الوعي حول الدعم المالي المُتاح. هناك غياب خط ائتمان خاص بالطاقات المتجددة، أو إطار مناسب للتمويلات الناجحة. وتُعد المعلومات حول المناهج اللامركزية والصغرى والتي تنمحور حول الناس والمصالح المشتركة بينهم أمرًا ضروريًا للمساعدة في حشد الدعم وتسهيل الوصول إلى التمويل لفائدة المجتمعات المحلية. هناك حاجة ماسة أيضًا للقيام بتدابير ترويج الاستثمارات وتشجيع شراكات القطاعين العام والخاص على تقاسم تكاليف الاستثمار والمخاطر والفوائد وجذب المستثمرين المحليين والأجانب في التمويل المتعلق بالمناخ.
وفي الختام، فإن المغرب لديه فرص كبيرة لمواجهة أزمة تغيرات المناخ. من الواضح أن توظيف مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع أمر ضروري لتلبية احتياجات الطاقة في المملكة، ولكن يجب أن تكون هذه الاجراءات مصحوبة أيضا بحلول صغيرة لتفعيل الطاقات المتجددة في المساعدة على الحد من الفقر. ولكي تصبح رائدًا عالميا للمناخ، مع نموذج مختلف يهم قضايا الطاقة والكهرباء، فإن ذلك يتطلب وضع سياسات وأطر تنظيمية بالإضافة إلى تطوير أشكال جديدة للتعاون وخلق فرص الاستثمار. تعتبر عملية تحديد أهداف سياسية واضحة أمرًا ضروريًا من أجل: جلب الاستثمارات، وتعبئة جميع الجهات الفاعلة، و تخصيص الموارد. وبالتالي، فلا غنى عن الإرادة السياسية القوية من أجل الانتقال نحو لامركزية الطاقة المتجددة.
كريستين أوفر، مستشارة سياسية في منظمة جيرمان ووتش. الدكتور يوسف بن مير، رئيس مؤسسة الأطلس الكبير في المغرب. إيمان أخزان، مديرة البرامج في مؤسسة الأطلس الكبير. مارين بوجيت، مديرة مشاريع بشبكة العمل المناخي في فرنسا.