الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج34

945

أ.د. فرست مرعي

وفي هذا الجزء سوف نستعرض موقف السياسي العراقي اليساري ووزير العدل العراقي (عزيز شريف( من مسألة هجرة اليهود العراقيين عبر كردستان الى ايران، ومنها الى أسرائيل والدول الاوروبية.

عزيز شريف [ هو: عزيز بن شريف بن عبد الحميد بن حسين بن عبد السلام العاني هو سياسي عراقي، ولد في مدينة عانة في 6 تشرين الثاني 1904، وتوفي في موسكو في 21 نيسان 1990. كان عضوا في الحزب الشيوعي العراق درس الحقوق في ثلاثينات القرن العشرين، وعمل محاميا وقاضيا حتى أصبح عضوا في محكمة الاستئناف، حيث أنه بعد السماح له بإكمال دراسته الثانوية، قدّم عزيز شريف استقالته من التعليم، فأكمل الدراسة الثانوية وكلية الحقوق في بغداد، وبعدها مارس المحاماة متنقلاً بين بغداد والبصرة، واصبح عضواً في نقابة المحامين للمدة بين 12 تشرين الأول 1931 لغاية 25 تشرين الأول 1933. ارتبط بالحركة الشيوعية في عام 1948م، فانتسب إلى حركة الإصلاح الشعبي وجمعية الأهالي عند تأسيسها. اختير بعد ثورة 14 تموز 1958م رئيسا لمجلس السلم والتضامن العراقي، كما اختير في أيلول 1958م عضو احتياط في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وبقي في هذا المنصب حتى سنة 1963. كذلك أصبح مسؤولا لحركة أنصار السلام في سنة 1958م، وحصل على جائزة لينين للسلام سنة 1960م. بعد حركة 8 شباط 1963م، أعدم شقيقه عبد الرحيم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، فلجأ إلى مناطق سيطرة الثورة الكردية، وسكن في دار مجاور لدار الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني. بعدها شغل منصب وزير العدل في 31 كانون الأول 1969م خلفا لمهدي الدولعي حتى 1 آب 1971م، حيث عين وزير دولة حتى عام 1976م. وبسبب علاقته الجيدة مع الزعيم ملا مصطفى البارزاني، لذلك كان له دور مهم في الوساطة بين الحكومة العراقية والأطراف الكردية والذي نتج عنه اتفاقية 11 آذار 1970م].

حيث يقول بهذا الصدده لا سيما وأنه كان وزيراً للعدل في تلك الحقبة حصراً:” أثارت أجهزة الحكومة (= العراقية) مسألة تھريب اليھود إلى خارج العراق عبر كردستان وإعتبرت ذلك جزءاً من سياسة خطيرة. وقد أُثير هذا الموضوع في إجتماع للجنة السلام في 17 آب 1971 حضره ناظم كزار مدير الامن العام. ولنتذكر ان لجنة السلام ليس لها قوام ثابت فكل من يحضر الإجتماع من منتسبي حزب البعث يعتبر عضواً في ذلك الإجتماع. ومما ذكره مدير الامن العام: أن قد أُلقي القبض على بعض اليهود وبأيديهم اوراق عدم تعرض صادرة من الحزب الديموقراطي الكردستاني ولدينا إعترافات بأن فرانسوا(= الحريري) كان مسؤولاً عن تهريب اليهود. وكذلك مسؤولون حزبيون من مستوى متقدم. وبعد مناقشة حادة حول نفي التهمة وتأكيدها. أصدر رئيس اللجنة مرتضى الحديثي بياناً في اليوم ذاته بتأليف لجنة للتحقيق في الموضوع من: السيد غانم عبد الجليل عضو لجنة السلام والسيد دارا توفيق عضو لجنة السلام ومديرأمن محافظة السليمانية

ومدير شرطة محافظة السليمانية، وبين أن هذه اللجنة التحقيقية مخولة بتوقيف وحجز كل من يثبت عليه شيئ ما يشتبه به من خلال التحقيق، وأن تمارس هذه اللجنة التحقيقية عملها فوراً وبصورة سرية. وقد أُرسلت نسخ من هذا القرار إلى كل من مجلس قيادة الثورة و … و … وأعضاء لجنة السلام … وعزيز شريف. ولكن قبل إجتماع لجنة السلام كانت أجهزة الامن قد القت القبض على عدد من اليهود بتهمة إحتمال الهروب”. ينظر: عزيز شريف، مذكرات عزيز شريف، نشريات: عصام عزيز شريف، تقديم: عزالدين مصطفى رسول، شباط 2010م، ص 426-427.

وحول استغلال بعض المحامين المحسوبين على حزب البعث العربي الاشتراكي لاوضاع اليهود المعتقلين، يذكر وزير العدل العراقي، قوله:” وإستغل الوضع بعض المحامين البعثيين وأصدقائهم وأخذوا يتصلون بذوي المعتقلين، للحصول على مبالغ لقاء التوسط لإطلاق سراحهم . ومما ذكرته زوجة احد الموقوفين وهو المحامي شهرباني عند مراجعتها لإطلاق سراحه. ” إننا نملك داراً صغيرة يسكنها احد البعثيين. ولما طالبه زوجي بالأُجرة ولح في الطلب تسبب في إعتقاله. وكان معلوماً ان المحامي شهرباني كان يعيش على حافة الفاقة لانه لم يكن ذي شهرة او حضوة تجذب إليه أصحاب القضايا التي يمكن ان ينال عنها أجراً مهماً . لقد كان في تقديري ان للموضوع جانبين: جانب واقعي وآخر مبدئي. فمن حيث الواقع ليس مستبعداً أن تهريباً لليهود كان يجري عبر كردستان ولا بد للهاربين من مساعدة عناصر في الثورة سواء اكان ذلك لقاء ربح شخصي ام بتشجيع من القيادة او كلتيهما. اما الناحية المبدئية فهي لماذا يهرب اليهود؟ لقد حدثت إجراءات سيأتي الحديث عنها لإخراج اليهود من العراق. والقلة الضئيلة الباقية هم من إستطاعوا التمسك بالبقاء رغم كل تلك الإجراءات. فهروبهم اليوم يدل على مواجهة ضغط يتجاوزالضغوط التي سبقت منذ إعلان تقسيم فلسطين عام 1947، أي قرابة ربع قرن”. لذلك قدم السيد عزيز شريف (= باعتباره وزير العدل العراقي) مذكرة الى رئيس الجمهورية العراقية حول حيثيات هذا الموضوع وتأثيره، ” ولذا فقد حررت إلى رئيس الجمهورية مذكرة أبديت فيها رأيي في الموضوع مستعرضاً تأريخ تهجير اليهود من العراق. وبينت للرئيس أن القلة الباقية من اليهود في العراق هم الذين أدى بهم الحرص على البقاء في العراق لسبب او آخر يمكن إجمالها في قوة جذورهم في البلد. اما اليوم فأمام الحكومة احد طريقين. فإما أن تضمن لهم الحرية وبها يمكن توطيد روح المواطنة لديهم. وإما أن يفسح لهم المجال للخروج إلى أي بلد شاؤا . لقد كان الموضوع في نظري إنسانياً وسياسياً في الوقت ذاته. إنه مرتبط بالقضية الفلسطينية. ففي مذكرتي التي قدمتها إستعرضت موضوع الصهيونية بالنسبة إلى اليهود في العراق بدءاً من عهد الإحتلال البريطاني. ففي مذكرات الحاكم الملكي العام يقول أنه دعا وجوه اليهود إلى تأليف لجنة صهيونية فإعتذروا وقالوأ “أن العراق جنة عدن بالنسبة إلينا. إننا لا نتمنى أكثر من العيش فيه بسلام مع سائر المواطنين .” ثم ذكرت مذبحة اليهود التي دبرها عملاء سلطة الإحتلال البريطاني عند إنهيار حركة رشيد عالي الكيلاني في عام 1941 ،وذلك لإشاعة الفوضى ليكون دخول الجيش البريطاني في بغداد مقروناً بالمحافظة على أمن المواطنين. وأخيراً المؤامرة الصهيونية الكبرى التي سبقت تقسيم فلسطين وإستمرت بعد التقسيم. كان احد شقيها تفريغ فلسطين من سكانها العرب بالمذابح الجماعية التي إشتهر نموذجها بمذبحة دير ياسين. وبالتهجير القسري والإذابة بكل صورة .” وكان الشق الثاني دفع يهود البلاد العربية إلى الهجرة إلى فلسطين لإملاء الفراغ. ولقد كانت المؤامرة واسعة ليس لتهجير يهود العراق بحسب، بل وكذلك يهود أوروبا، وخاصة الدول الإشتراكية والمؤامرة ما زالت مستمرة . ولقد كان العراق من أشد بؤر تلك المؤامرة إشتعالاً.

فقد إشتركت ثلاث منظمات صهيونية في العمل لتهجير يهود العراق، كانت تعمل سراً في الشكل، ولكنها كانت معروفة لدى دوائر الامن. ومعنى ذلك انها مشجعة من قبلها. منها منظمة (تنوعة) الإرهابية التي كانت تقوم بأعمال الإعتداء على متاجر اليهود ومحلات العبادة … وبعد أن أتمت عملها وخرج منفذوها من العراق إدعت دوائر الامن أنها إكتشفت المنظمة ومخازن القنابل … إلخ”. ينظر: عزيز شريف، مذكرات عزيز شريف، المرجع السابق، ص 427-428.

وكانت مديرية الامن في بغداد والمحافظات تقوم باجراءات مشددة ضد اليهود المعتقلين بحجة أن لهم علاقات مع أقارب وأصدقاء لهم في فلسطين (= إسرائيل)،” وفي الوقت ذاته كانت دوائر الامن تلقي القبض على اليهود بتهمة ان لهم مراسلات مع اصدقاء او اقارب في فلسطين. ولايطلق سراح المقبوض عليه إلا بعد المساومات ودفع ما يستطيع حسب قدراته المالية. ونشطت العناصر الطفيلية وبينها بعض أدعياء القومية العربية تحت عنوان جمع المساعدات لفلسطين. فأخذوا ينظمون القوائم بأسماء اليهود ويجبون منهم مبالغ حسب قدرة كل منهم المالية . وأخبراً صدر القرار المشتهر بأسقاط الجنسية العراقية عن اليهود. وكان الإسقاط إختيارياً حسب ما جاء بالنص. ولكنه طبق بالإكراه من قبل قوات الامن. لقد كانت هذه عملية خيانة مزدوجة ضد الشعب الفلسطيني ولكنها أيضاً كانت عملية إثراء متعددة الصور. إثراء للذين إستولوا على املاك اليهود العقارية بمبالغ بخسة وإثراء لرجال الدولة الذين كانوا يرتشون من اغنياء اليهود لمساعدتهم على نقل ذهبهم ومجوهراتهم … إلخ. ينظر: المرجع السابق، ص428.

لذلك بعد المذكرة التي قدمها وزير العدل عزيز شريف،” أصدر الرئيس(= احمد حسن البكر) امراً بإطلاق حرية السفر لليهود. وفي إجتماع آخر للجنة السلام شارك فيه من الجانب الحكومي مدير الامن العام، فأثار الجانب الكردي مسألة هجرة اليهود وأبدى إستغرابه من كونها اصبحت شرعية بعد ان كانت الحكومة تعتبرها مسألة سياسية خطيرة. أجاب ناظم كزار: أن الموضوع قد تطور بطلب من وزير العدل وموافقة الرئيس على رأيه. على ان جانب الإثراء من اليهود لم يتوقف. فقد أُعتبر تنفيذ قرار الرئيس تدريجياً فما معنى التدريج؟ وقد راجعني بعض ذوي المعتقلين وذكروا ان ثمة محامين يطلبون منهم مبالغ باهضة لقاء التوسط لإطلاق سراحهم”. المرجع السابق، ص428.

وعلى أية حال فقد اعترف السيد عزيز شريف وزير العدل العراقي في تلك الحقبة 1969-1971م بعملية تهريب اليهود عبر كردستان، ” بمساعدة عناصر في الثورة (= الكُردية) سواء أكان ذلك لقاء ربح شخصي أم بتشجيع من القيادة او كلتيهما”. المرجع نفسه، ص427.

المصدر