افتقارنا إلى ثقافة العلاج النفسي
بقلم مهدي قاسم
من الملفت للنظر هو افتقار مجتمعنا لثقافة ووعي العلاج النفسي و اعتباره علاجا طبيعيا وعاديا ، أسوة بأي علاج آخر من أعضاء الجسد الأخرى المصابة بداء ما ، حيث اعتاد أن يذهب المرضى غير النفسانيين إلى المستشفيات الحكومية أو الخاصة للمعالجة بدون تردد أو خجل بهدف الحصول على علاج شاف من دون شعور بردة فعل أو انعكاسات شعبية سلبية محتملة ، ويا ريت لو أن المسألة تتوقف عند انعدام ثقافة العلاج النفسي فحسب عند غالبية فئات و شرائح المجتمع ، بل تتعداها متخطية نحو ما هو أسوأ من ذلك بكثير:
أي نحو تعيير و لصق دمغة ” المخبل ” أو المجنون بكل واحد يتجرأ على أن يراجع طبيبا نفسانيا في حالة شعوره باضطرابات و اختلالات عقلية أو صدمات نفسية متزعزعة و ذات طابع مزمن تستوجب مثل هكذا مراجعة بهدف الشفاء ، وهو الأمر الذي يجعل البعض المصابين بمثل هكذا اضطرابات و خضات نفسية ليس فقط أن لا يراجع طبيبا نفسيا إنما يمتنع حتى عن الحديث عن معاناته من هكذا أمراض نفسية أو عقلية ، في الوقت الذي تتفاقم مثل هذه الأمراض النفسية عند البعض الآخر و تزداد سوءا و تدهورا و ربما تصل لحد قد تدفع بعضا منهم إلى ارتكاب أعمال خطيرة جدا على الأمن الاجتماعي بشكل خارج عن إرادته أو صفاء وعيه ..
هذا في الوقت الذي تعج نفوس أفراد كثيرين جدا من المجتمع العراقي ، و على نطاق واسع ، بأمراض نفسية مزمنة و مختلفة مستويات وتأثيرات من هذا القبيل ، تلك التي أفرزتها حروب عديدة داخلية و خارجية على حد سواء ، وما تبع ذاك من أعمال عنف وإرهاب و كثرة ممارسات دموية ، فضلا عن ممارسة شتى أساليب قهر وإجبار وإذلال بتواز مع فرض صنوف من كبت و حرمان وخنق رغبات أو تصورات و طموحات شخصية و سحق كل ذلك بدوافع سياسية أو عقائدية أم اجتماعية سواء من قبل سلطة قمعية متخلفة أو بسبب قمع اجتماعي ذات ثوابت متسلطة ..
بتواز مع انعدام أبسط وسائل ترفيه للتنفيس عن ضغوط نفسية ضاغطة و خانقة ..
و من هنا تأتي ضرورة و أهمية البدء بنشر ثقافة علاج الطب النفسي وأهمية دور النقاهة النفسية ،والترويج له في وسائل ومنابر إعلامية مقروءة و مرئية في آن ، وعلى نطاق واسع ، كلما أمكن ذلك ، كنوع من حملة ثقافية واسعة على هذا الصعيد لإقناع المترددين والخائفين بأن علاج الطب النفسي ليس أمرا معيبا أو مخجلا ، بقدر ما هو أمر عادي أسوة بأية امراض جسدية أخرى التي تتطلب علاجا شافيا ..
نقول كل هذا في الوقت الذي نلاحظ ونشاهد زيادة و كثرة عمليات انتحار وإقدام على ارتكاب جرائم و أعمال عنف مروعة ورهيبة سواء على صعيد العنف الأسري أو ضمن نطاق المجتمع بشكل عام وكلها ذات خلفيات نفسية مريضة و مأزومة ومزمنة ، فلو جرت عملية علاجها في وقت مبكر لما استفحلت وتدهورت لتأخذ هذا الطابع المأساوي أو ذاك من عمليات انتحار أو قتل أو اعتداء وحشي بقسوة مفرطة ..
يبقى أن نقول توضيحا أكثر ــ لمن ليس عنده فكرة عن علاج الطب النفسي ــ أنه نوع من علاج نفسي شائع وله تجارب و تقاليد عريقة في أوروبا ، لكونه يتعامل مع مشكلات الصحة العقلية والنفسية المضطربة من خلال طبيب اخصائي مؤهل مهنيا في هذا المجال يستطيع من خلال عدة جلسات حوار ومحادثة مختلفة معرفة طبيعة أفكار و مشاعر و أحاسيس المريض ومزاجه وسلوكياته و كيفية التحكم بأعصابه في حالات غضب وعصبية و وانفعال أو أضطراب نفسي مفاجئ و من ثم تحويل المشاعر العدائية أو العدوانية إلى إلى طاقة إيجابية متفاعلة بتفهم و انسجام مرنين مع البيئة والمجتمع ضمن علاقات صحية ومثمرة بين الطرفين .
ملحوظة : كتبتُ هذه السطور على أثر قيام أم شابة برمي أطفالها من جسر الأئمة إلى النهر وهو الأمر المؤلم و المفجع و الذي أحدث صدمة قوية في الأوساط الاجتماعية ، إضافة إلى قيام أم أخرى ــ تزامنا بذبح طفلها والذي جرت عملية إنقاذه بفضل تدخل طبي سريع و ناجح ، علاوة على ما يرافق ذلك من حدوث عمليات انتحارات شبه أسبوعية في العراق مع زيادة نسبة عنف أسري يوما بعد يوم ضد نساء وأطفال ..