اجتماعياً

250

علاء هادي الحطاب

لست مع مقولات ان العراق سينهار، او انه على حافة الهاوية، او انه ذاهب الى نهايته، العراق بلد لا ينهار مهما مرت به ظروف قاسية وصعبة، هكذا يحدثنا التأريخ، ما يحدث اليوم ليس أسوأ مما حدث بعد غزو المغول لبلادنا عام 1258م اذ تمكن جيش هولاكو خان من اقتحام بغداد بعد أن حاصرها 12 يوماً، فدمَّرها وأباد مُعظم سُكانها، ومع ذلك ذهب هولاكو وجيشه وبقي العراق. العراق بلد قابل للتأقلم مع ظروف الحياة وصعوباتها، وبما يمتلكه من حضارة وتأريخ لا يمكن ان ينهار بسهولة، لكنه يتعرض دائما لهزات كبيرة لاسباب كثيرة لست بوارد التعرض لها الان.

واذا اردنا دراسة حلول ومعالجات الوضع في البلاد فعلينا ان نبدأ اجتماعيا من خلال دراسة الواقع الاجتماعي لاسيما القيمي منه ونتعرف على اسباب تراجع القيمية في مجتمعنا والتي من شأنها ان ترتد سياسيا وامنيا وثقافيا فضلا عن ارتدادها فكريا.

بعد احتلال العراق عام 2003 تراجع مستوى التعليم والزاميته بحيث تسرب الاف الاطفال عن المدارس لاسباب كثيرة ومن هنا بدأت لحظة التراجع القيمي في المجتمع، اذ نشأ جيل كامل غير متعلم بل ولا يهتم بالتعليم وهذا الجيل بدأ الان يولد جيلا اخر غير آبه بالتعليم، بالاضافة الى تراجع قيمة المعلم والمدرسة والجامعة اهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والحال لا يوجد في جامعات البلاد رسوب لطلبة واعادة سنة دراسية الا ماندر وهذا الامر ينسحب على المراحل الابتدائية والثانوية الا في مرحلة البكالوريا، وبطبيعة الحال فان الفرد غير المتعلم من الصعب جدا ان يكون فاعلا ومؤثرا في مجتمعه، فضلا عن ان ننتظر منه ابداع او اختراع فكري وعلمي، هذا لا يعني انعدام الابداع العلمي لدى عدد لا يُستهان به من افراد المجتمع، لكن القاعدة اصبحت ان جميع الطلبة ناجحون في مراحلهم الدراسية خصوصا في الجامعات الحكومية فضلا عن الاهلية وكم نشاهد اليوم خريجاً جامعياً لا يفقه مما درسه ابسط مفردات دراسته.

دخول السوشيال ميديا الى كل منزل من دون رقيب او حسيب، انشغال الاسر عن متابعة ابنائها، تراجع سلطة انفاذ القانون بكل مسمياتها، دخول الافكار المتطرفة، والمستوردة، انتشار البدع والخرافات والعقائد المشبوهة، تراجع اثر كبير السن والوجيه بين افراد بيته وبيئته، غياب دور المثقف الفاعل والمؤثر، ازدياد حالات الطلاق والعنف الاسري، بل والعنف البشري اذ بات شائعا ان يكون الشاب ذو الخمسة عشر عاما قاتلا لغيره بل وحتى لاقربائه وذويه، انتشار افات المخدرات وعموم وسائل الادمان من دون رادع قانوني او قيمي او عرفي، وغيرها اسباب كثيرة ادت الى تفاقم المشكلات اجتماعيا مما ادى الى عدم الاستقرار الداخلي للمجتمع والدولة الضابطة لحركة المجتمع قانونيا من خلال مؤسساتها المستقرة وحتى تلك المؤسسات لم تُعد مستقرة، فعندما يُضرب الطبيب ويُهان المعلم ويُعتدى على رجل المرور الذي يمثل انضباط الشارع وأهم مؤسسات انفاذ القانون، عندها حتما ستتراجع القيم في المجتمع ويصبح الخطأ قانونا وعرفا مباحا واقعا ولا يستحي منه فاعله.

اذن علينا اذا اردنا مراجعة حقيقية ان نبدأ بمجتمعنا واعادة دور وفاعلية القيم الخيرة فيه وان نتكاتف جميعا لاحياء تلك القيم الخيرة بمفهومها العام في مجتمعنا وكل حسب دوره ومساحة اشتغاله ومسؤوليته، ويقع الجهد الاكبر في ذلك على الدولة ومؤسساتها من خلال تشريعات واجراءات وقوانين وسلطة قوية لتطبيق هذه القوانين تبدأ بالجانب التعليمي قبل كل شيء، فاذا انشأنا هذا الجيل الجديد الذي لم يبلغ مرحلة المراهقة والشباب على تعليم رصين لا يتجاوزه التلميذ بـ ( رصيد ابو العشرة) ولا بمحاباة جيرانه المعلم او المدرس ولا بضغط والده النافذ اجتماعيا او سياسيا او امنيا او دينيا او غيره، ولا لاجل المذهب او العشيرة، وعندما لا يتجاوز الطالب الجامعي ويتخرج من كليته الا عندما يفهم جيدا ما يدرسه، عندها نكون قد وضعنا حجز الزاوية في اصلاح مجتمعنا.

المصدر