أنا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد

492

ان الله وعد الرسل والمؤمنين بالنصر وأن الله لا يخلف وعده. فلو كانت على وجه هذه الأرض امة عادلة مستقيمة مؤمنة في بلد ما لنصرها واتم وعده ونصر جنده وهزم الأحزاب وحده. لكن الواقع المزري الحالي يقول غير ذلك فيبرز لأول وهلة تساؤل مشروع وهو ان الكثير من العرب المسلمين ممن يصلون ويصومون ويزكون اموالهم ويحجون البيت ومع ذلك فإن اوضاعهم واحوال بلدانهم تسير من سيء إلى اسوء والنكسات والهزائم تحيق بهم. حتى وصل الذل والهوان إلى درجات خطيرة تهدد معقل الاسلام مكة والمدينة الذي انبثق منهما نور الاسلام.
بطبيعة الحال هناك الكثير من الاشكالات التي ينبغي شرح مفاهيمها كي نتعرف على اسباب الهزائم المنكرة للعرب وما يعانوه من حالات الاستسلام والتخاذل والركوع للمستعمرين الظلمة.
لو تمعنا مرة أخرى في عنوان المقال الذي هو جزء من اية قرانية وجدنا بان الله تحدث عن نصر المؤمنين حصرا ولم يخص المسلمين. من السهولة بمكان التعرف من خلال الايات القرانية والسنة النبوية الشريفة على هذين المفهومين الايمان والاسلام. إذ يتبين بصورة لا تقبل الشك بأن هناك فرق كبير بينهما. فلقد سبق ان فرق القران الكريم بين الاصطلاحين إذ قال تعالى “قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم”.
كما ان الايمان نفسه يشكل مجموعة من القيم الغيبية كالايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. لكن هذه القيم الغيبية لا فائدة منها دون ان تترجم إلى أفعال دنيوية على أرض الواقع. فالايمان كما يذكر القران الكريم مرارا مرتبط بالعمل الصالح “الذين امنوا وعملوا الصالحات” أي يجب ان يترجم الايمان بالله الى واقع عملي يومي دنيوي في تعامل المؤمن مع غيره من الناس. ان مفاهيم القران والسنة كل لا يتجزأ فبعضها مكمل للبعض الاخر. عدا ذلك يكون الايمان سلبي ولا يفيد الانسانية في شيء ولن يرضى الله تعالى عن فاعله. ينبغي اذن لاتمام واكمال الايمان ممارسة الأمر بالمعروف كالعدل والتسامح والعمل لكسب الحلال والامانة والنهي عن المنكر كتحريم الكذب والغش والسرقة والخداع.
لقد حذر رسول الله ايضا الذين يفرقون بين العبادات والمعاملات فقد قال (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلن يزدد عن الله الا بعدا) وقال ايضا في حديث آخر (رب صائم قائم لا يستفيد من صلاته وصيامه غير التعب). وقال ايضا عن اهمية مساعدة الاخرين وثوابها عند الله (لان فرجت كربة عن اخي خير من أن أصلي في مسجدي شهرا كاملا).
بالنتيجة ان النصر يكون حليف المسلمين اذا امنوا بالله وعملوا الصالحات بالدنيا. أن النصر اذن متعلق بالإلتزامات المسلمين بحقيقة الايمان السابقة الذكر.
ينبغي على المسلمين اليوم مراجعة ايمانية شاملة لاسس وغايات دينهم. عليهم ايضا ان يدركوا اهمية الاخلاص في التوكل على الله والعمل بالاسباب الدنيوية.
ان النكسات المتواصلة منذ بداية القرن العشرين ولحد الان كانت بسبب تراجع وضعف ثقة المسلمين بقدرة الله وعلمه للغيب وامتلاكه الرزق وانه يحيي ويميت ويعلم الغيب واذا أراد شيئا فانما يقول له كن فيكون. أن ضعف الايمان بهذه الصفات الإلهية جعل المسلمين يتكلون على الغزاة المستعمرين كبريطانيا أو أمريكا أو اسرائيل أو الصين أو روسيا. كما ان أسس الضعف تكمن ايضا في التفريق بين الأمور العبادية والمعاملات التي تجسد مكارم الاخلاق. متناسين بأن الرسول قال منذ بداية الرسالة (إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق). هنا في هذا الموضع ان الاخلاق تعني المواصفات النبيلة التي تدعوا إلى الاستقامة وعمل الخير والامانة ومساعدة الفقراء والضعفاء.
أن التعبد بالاسلام الوراثي عمق الشرخ بمرور الزمن بالتناقض بين عادات الاباء والاجداد وبين أسس الاسلام القومية. ان اغلب معتنقي الاسلام اختاروا منه ما يناسب ماربهم ومصالحهم ونواياهم وهم غير مستعدين للتضحية للدفاع عنه وعن اوطانهم.
في نهاية المطاف إن المفهوم الحقيقي للمؤمنين الموعودين بالنصر غير متوفر لدى مسلمي اليوم. لذا نرى مصيرهم اليوم بين خيارين لا ثالث لهما. فإن ارادوا العزة والنصر والتمكين في الارض عليهم أن يعيدوا صياغة مفاهيمهم وفق ما جاء به محكم القران الكريم وممارسات رسوله محمد. فقد وعد الله المؤمنين المستضعفين الصادقين العدول بالنصر ووراثة الارض فيقول تعالى “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين”.
اما الوجة الاخر الذي فيه الخسران المبين في الدنيا والاخرة. هو الاستمرار على هذا الحال دون استغفار وتوبة نصوح. عندها سوف يرتد المزيد من العرب المسلمون عن دينهم وعقيدتهم وهويتهم ويذهبوا مسرعين نحو التيه الكبير والاستعباد والردى ولن يكون لهم ناصر في الارض ولا في السماء.
ان الخروج من المازق يعتمد على رغبة الشعوب في تغيير الواقع المزري إلى افاق الايمان. فقد قال تعالى “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
الان وفي هذه الظروف العسيرة نحن في فتنة ماحقة ستسحق بعذابها حتى المؤمنين الصامتين. إذ قال تعالى “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”.
فها هو مع الأسف قطار الذل والمسكنة يسير بسرعة ولن يتوقف الا عندما يتحقق الحلم الصهيوني لسيطرة اسرائيل على بلدان الشرق الأوسط. يخاف الاحرار العرب اليوم من سيطرتها على المزيد في المستقبل القريب. بل قد تضطر الدولة العبرية من تغيير علمها الحالي من النيل إلى الفرات ليكون من حدود الصين إلى المحيط الاطلسي
الدكتور نصيف الجبوري

المصدر