وصمة داعش تمنع مئات الإيزيديات من العودة إلى سنجار رغم تحريرهن من المسلحين

449

ترجمة/ حامد احمد

وهي مختبئة داخل مقصورة مزيفة تحت مقعد شاحنة نقل، فان لدى الاسيرة الايزيدية الشابة، نسرين أحمد 22 عاما، ألف سبب للهروب من معسكر الاعتقال في سوريا.

وكونها اختطفت من قبل داعش وهي في السادسة عشرة من عمرها، فقد عايشت احداث ابادة جماعية واستعباد واغتصاب وحرب.

الآن، وهي مختبئة في العجلة بينما تشق طريقها خارج بوابات معسكر الهول، هناك فرصة للهروب نحو الحرية.

رغم ذلك، وبعد ان ابتعدت الشاحنة مسافة 25 ميلا عن المعسكر وغيرت النقاب الذي كانت ترتديه برداء ملون مع شال، فان نسرين قد كشفت بانها ما تزال أسيرة.

وهي واقفة لوحدها عند جانب الطريق في مدينة الحسكة بسوريا، حيث يبدو انها حرة وللمرة الاولى منذ ان اقتحم مسلحو داعش قريتها وقتلوا والديها واخوها واقتادوها كأسيرة، فإن ما لصق في دماغها وذهنها ما يزال عالقا بقوة.

وبدلا من ان تتجه شرقا نحو العراق وبلدتها منطقة جبل سنجار، فانها استقلت حافلة متجهة غربا نحو مدينة الرقة، حيث تحتفظ بالهوية الجديدة التي زودها بها داعش، واختارت العيش بسرية مع عائلة المسلح الداعشي المقتول الذي كان يملكها آخر مرة.

هذا القرار أوحى بانه ليس هناك رجعة لمنطقتها في سنجار، علما ان اسمها بقي مدرجا ضمن قائمة 2,887 إيزيدي ما يزالون في عداد المفقودين منذ ان اجتاح داعش منطقتهم عام 2014. الناجون المتشظون من عائلتها لم يكن لديهم اي سبب يدعوهم للاعتقاد بانها ما تزال على قيد الحياة. قالت بعد فترة وجيزة من كشف هويتها الحقيقية من قبل موظف فطن في مجلس بلدي لمنطقة الرقة “أنا خائفة من كل شيء كان في مرة من الأوقات شيء حسن”.

اصبحت الشكوك تراوده عندما وصلت وهي مرتدية نقابا كاملا وتسعى للحصول على وثائق هوية جديدة ولكنها كانت تتكلم بلغة عربية ركيكة. استدعى الموظف مسؤولون آخرون، الذين حققوا معها وتوصلوا لهويتها الحقيقية.

وقالت نسرين لمراسل صحيفة التايمز وهي تستذكر مشاعرها عندما اخبرت المسؤولين عن هويتها الحقيقية “اللحظة التي قلت فيها انا ايزيدية وانه تم اختطافي منذ ان كنت طفلة في سنجار، كانت من المفترض ان تكون لحظة ارتياح. ولكن على العكس من ذلك فانها كانت لحظة رعب شديد بالنسبة لي. الخوف كان يتملكني من كل مكان. كنت خائفة من طائفتي التي أنتمي اليها، خائفة من الذهاب الي بلدي ومنطقتي، خائفة من حكم ابناء طائفتي عليّ، خائفة من كل واحد يسألني ما هي هويتي الحقيقية”. كونها متأثرة بعقيدة وفكر تنظيم داعش، وتشعر بالانكسار بعد سنوات الاستعباد والاساءة، وكونها مرعوبة من فكرة ان تلاحقها وصمة العار عند رجوعها لمنطقتها، فان مصير نسرين قد كشف ان كثيرا من الايزيديات الاخريات المدرجات في قائمة المفقودين ربما ما يزلن على قيد الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش، بنوع أو بآخر من انواع الأسر وذلك بعد 19 شهرا من تحرير آخر معقل كان يسيطر عليه داعش في قرية الباغوز.

محمود راشو، احد المحققين البارزين المسؤولين عن البحث عن الايزيديين المفقودين في سوريا، قال: “نعتقد ان قسما من المفقودين، ربما المئات منهم، ما يزالون على قيد الحياة ومنتشرين عبر هذه المنطقة. في أي وقت نتمكن فيه من ارجاع أحد المفقودين، نقوم بعرض صور لمفقودين ايزيديين آخرين عليهم، وبين فترة واخرى نسمع منهم يقولون “نعم انهم احياء.. لقد رأيناهم”. بواقع الحال ان آلاف منهم قد فقدوا عندما اجتاح تنظيم داعش مناطق الايزيديين في حملة اعتبرتها الامم المتحدة جريمة ابادة جماعية. غالبية الايزيديين من الرجال وكثير من النساء الايزيديات الكبار بالسن قد تم قتلهم في الحال. أما النساء الشابات والفتيات فقد تم استعبادهن وبيعهن، في حين تم غسل أدمغة كثير من الاولاد المخطوفين وأصبحوا مقاتلين وانتحاريين ايضا. في أيلول، تم ارجاع طفلين ايزيديين بنت عمرها 10 سنوات وولد عمره 11 سنة الى العراق وذلك بعد العثور عليهما في تركيا. والدا الطفلين واخوانهم الثلاثة واختهم ما يزالون في عداد المفقودين. تم اتباع أثر عدة نساء أخريات كن مستعبدات لدى داعش وتم العثور عليهن في تركيا ايضا وارجاعهن، وقسم منهن تم ارجاعهن منذ فترة قريبة خلال الشهر الماضي. وظهرت مؤخرا تقارير مؤكدة في سوريا تشير الى ان هناك ايزيديين آخرين ما يزالون محتجزين لدى مسلحين سابقين من داعش في ادلب وعفرين، والمحققون يشكون من ان هناك اعدادا أكثر في العراق.

المحقق راشو كان يوفر ملجأ للذين يعثر عليهم في بيته الواقع في قرية خارج مدينة الحسكة ويقوم بتأهيلهم قبل ارجاعهم الى بيوتهم في العراق، وهو يقوم الآن بالاعتناء بالايزيدية نسرين وذلك منذ ان تم العثور عليها في الرقة قبل 20 يوما. اجراءات الحظر المفروضة على الحدود بسبب وباء كورونا قد منعتها من دخول العراق، ولكن راشو أقر بانها تحتاج لوقت أكثر من التأهيل قبل ان تكون جاهزة للعودة الى بلدها. وقال المحقق راشو “لقد خضعت لغسل دماغ شامل. وسيستغرق وقتا طويلا الى ان تكتشف هويتها الحقيقية وان تتخلص من مخاوفها. ما تزال تتملكها لغة وافكار تنظيم داعش علينا ان نعالج حالة صدمتها النفسية هذه بعناية فائقة”. اكثر من 1200 ايزيدي من قرية كوجو التي تعيش فيها نسرين قد تم اختطافهم من قبل داعش او اعدامهم وذلك في 15 آب 2014. وكان ضمن القتلى والداها وشقيقها الذين تم اصطحابهم بعيدا عن البيت وتم اعدامهم رميا بالرصاص بينما كانت تتوسل عبثا من اجل تركهم احياء. قالت وهي تجلس على الارض في بيت المحقق راشو “كان بامكاني سماع وابل الرصاص، لم أرهم ابدا بعد ذلك”. وكانت نسرين وشقيقتاها المراهقتان، اللتان ما تزالان أحياء، قد تم اقتيادهن في شاحنات مع أسيرات اخريات لبيعهن لمسلحي داعش في قضاء تلعفر غربي الموصل. نسرين تزوجها ثلاثة مسلحين، كان الاول أميرا من الموصل حيث اصطحبها معه الى الرقة في سوريا وقتل بعد ثلاث سنوات من القتال هناك. ثم تزوجها مسلح سعودي قتل في دير الزور عام 2018. وكان زوجها الثالث الاخير هو أفقرهم وهو مسلح سوري من الرقة قطعت قدمه اليسرى بضربة جوية. تزوجها بمراسيم بسيطة واصبحت بعدها حرة وليست عبدة وغير اسمها الى شمس محمد، ثم قتل هو الآخر في معركة. ثم سلمت نفسها لمعسكر الهول كأرملة مسلح داعشي ولم تفصح عن انها اسيرة ايزيدية. وفضلت العيش في الرقة بدلا من العودة لموطنها.

وقالت نسرين “إيزيديات قد تم اختطافهن مثلي لم يعدن للبيت ابدا، لقد رأيتهن بأم عيني”.

عن: التايمز البريطانية

المصدر