هجمات الجرف روايات المدنيين تختلف عن المواقف الرسمية.. وتكتم شديد داخل الناحية

125

بغداد/ تميم الحسن

شقت اصوات الانفجارات هدوء الليلة الماضية في قضاء المسيب التابع لمحافظة بابل، وذهبت اغلب الشكوك في الدقائق الاولى بانه هجوم ضد فصائل الحشد في جرف الصخر التي لا تبعد كثيرا عن القضاء. وتسيطر الفصائل منذ عام 2014 (لحظة طرد داعش من الجرف) على الناحية التابعة لمحافظة بابل والقريبة من الانبار وتجاور مدن كربلاء والنجف، وتدور اشاعات كبيرة حول ما يجري في البلدة بسبب منع تلك الفصائل دخول المسؤولين او القوات الامنية والمدنيين الى الجرف.

لكن الرواية الرسمية للحكومة اكدت ان ماجرى في تلك الليلة هو هجوم بـ”عبوات” ضد ابراج الطاقة، وتزامن مع هجمات مماثلة جرت في مناطق اخرى في شمال بغداد، تسببت بانهيار ابراج الكهرباء في 3 محافظات.

ودشنت في الساعات الاولى من ليلة الاثنين على الثلاثاء، حسابات تابعة لبعض الفصائل، في خطاب موحد كما يبدو، حملة فسرت ماجرى في تلك الليلة بانه هجوم ضد قوات الجيش في جرف الصخر تسبب بمقتل وجرح 9 جنود، بحسب تلك المواقع.

بالمقابل، شكك مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي بتلك الانباء، معتمدين على فرضية ان “الجرف” مسيطر عليه بالكامل من الفصائل، ولا توجد اي قوات اخرى نظامية من الجيش او الشرطة، مايعني ان الهجوم استهدف الجماعات المسلحة.

في السياق ذاته، اشارت بيانات وزارة الدفاع والعمليات المشتركة، على المواقع الرسمية الالكترونية، الى وجود على الاقل 3 افواج من الجيش والشرطة في جرف الصخر، ابرزها لواء المغاوير التابع للفرقة 19/ جيش.

وبحسب مصادر (المدى) في جرف الصخر ان “قوات الجيش والشرطة تتواجد في اطراف البلدة، من جهة كربلاء والانبار، بينما التواجد الاكبر في داخل الجرف هي لفصائل الحشد الشعبي، وابرزها كتائب حزب الله”.

المدينة الخالية

وكان رشيد العزاوي، النائب عن بابل، قد قال في وقت سابق لـ(المدى) ان “جرف الصخر منطقة مغلقة ويمكن تصديق او نفي كل الاشاعات داخلها”. وتنتشر انباء عن وجود معتقلات سرية داخل الجرف تابعة للفصائل، ومخازن لصواريخ نقلتها ايران مؤخرا الى العراق. وتخلو الجرف منذ اكثر من 6 سنوات من المدنيين، حيث نزح جميع السكان الذين يفوق عددهم الـ100 الف نسمة من البلدة منذ سيطرة داعش على تلك المنطقة، فيما تمنع فصائل مسلحة عودة اي من السكان بذريعة الخوف من عودة نشاط التنظيم حتى الان.

ويسكن غالبية النازحين في قضاء المسيب، الذي يبعد اقل من كيلومتر واحد عن البلدة، حيث سمع الاهالي في تلك الليلة “اصوات مرعبة” بحسب وصف شهود عيان، خلافا للرواية الرسمية. ونفت خلية الاعلام الامني، التابعة للحكومة، الأنباء التي أشارت إلى تعرض قطعات القوات الأمنية في جرف الصخر الى اعتداءات، واشارت الى ان ماحدث هو “تفجير أبراج طاقة”.

أعنف من العبوات!

لكن شهود العيان في المسيب، اكدوا لـ(المدى) ان الاصوات القوية واهتزاز الابواب والشبابيك، يشبه تفجيرات سابقة بالصواريخ جرت في الجرف، كما سمعوا اصوات طائرات قبل القصف.

وفي آذار 2020، اكد بيان للجيش مقتل 3 عسكريين ومدني جراء “الضربات الأمريكية” في جرف الصخر، معتبرا الهجوم اعتداء سافرا على سيادة العراق. وقالت قيادة العمليات المشتركة، ان “اعتداء سافرا من طائرات أمريكية مقاتلة استهدف قطعات الجيش العراقي مغاوير الفرقة الـ19 ومقر الـ46 الحشد الشعبي وفوج شرطة بابل الثالث في مناطق محافظة بابل (جرف النصر، السعيدات، البهبهاني، منشأة الأشتر للتصنيع العسكري السابق، مطار كربلاء قيد الإنشاء الواقع على الطريق الرابط بين كربلاء والنجف)”.

وذكرت قيادة العمليات المشتركة حينها، أن هذا الهجوم أدى إلى مقتل 3 مقاتلين وإصابة 4 آخرين “من مغاوير الفرقة الـ19 جيش عراقي واثنين منهم بحالة حرجة”، ومقتل 2 وجرح 2 آخرين “من منتسبي فوج طوارئ شرطة بابل الثالث”.

ويرجح مرتضى مزهر، وهو من سكنة المسيب تواصل مع (المدى) عبر الهاتف ان “الهجمات هذه المرة كانت ضد فصائل الحشد الشعبي ولم تستهدف الجيش” وفقا لما سمعه السكان من الشرطة والقوات الامنية في المنطقة.

ولا تملك بالمقابل لجنة الامن والدفاع في البرلمان اي معلومات عن الهجوم، فيما اعتبرت اللجنة ان تصريحات العمليات المشتركة، بان الحادث هو استهداف للطاقة الكهربائية في المدينة، امر غير مستبعد لان “داعش” يريد اثبات وجوده.

أنباء غير دقيقة

وذكر بيان الخلية أن “بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تداولت أنباء غير صحيحة، بشأن تعرض قطعات القوات الأمنية شمالي محافظة بابل الى اعتداءات ليلة امس الاثنين”. وأوضح البيان أن “بعض أبراج نقل الطاقة الكهربائية في منطقة البهبهاني شمالي محافظة بابل تعرضت الى اعتداء وتخريب من قبل عناصر عصابات داعش الإرهابية، فسرها البعض على أنها قصف طائرات حربية”، مشيرا إلى أن “قوة أمنية باشرت بعملية تفتيش بحثا عن العناصر التي أقدمت على هذا العمل الارهابي”. وتزامن الهجوم مع احتمال توجيه الرئيس الاميركي في الليلة الاخيرة له في البيت الابيض، ضربات الى فصائل الحشد الشعبي في العراق، حيث كان العراق قد سجل في عام 2020 نحو 20 هجوما ضد مقرات الحشد، سجلت اغلبها على انها حوادث “عرضية”.

ونفت السفارة الاميركية، امس، علاقتها بهجوم جرف الصخر. وقالت السفارة في تغريدة لها على موقع (تويتر) “يمكننا التأكيد على عدم وجود أفراد أو قطعات أميركية بالقرب من جرف الصخر، وليس هنالك ضلوع للولايات المتحدة في الحادث المزعوم”.

وكانت هجمات يعتقد انها اسرائيلية استهدفت قوات سورية – عراقية قرب البو كمال القريبة من الحدود العراقية في اليومين الماضيين، عقب تداول انباء عن نقل صواريخ ايرانية الى العراق، فيما وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بنفس التوقيت، بـ”ضرورة مسك الحدود مع سوريا”.

وكان اعضاء في لجنة الامن قد كشفوا لـ(المدى) في 2019، عن مكاشفة فالح الفياض رئيس هيئة الحشد، اللجنة، بمسؤولية “اسرائيل” عن 4 هجمات على الاقل من اصل الـ20 هجوما الذي استهدف مقرات الحشد في ذلك الوقت، قبل ان تعترف نهاية العام نفسه بقصف كتائب حزب الله في القائم.

ليلة سقوط الأبراج

وكانت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي قد عرضت صوراً، قالت انها لابراج الطاقة التي اسقطتها “داعش” فجر الثلاثاء في جرف الصخر، فيما تزامن الحادث الاخير مع هجمات مماثلة في ديالى وكركوك.

واعتبر رعد الدهلكي، النائب عن ديالى ان الخرق الامني الذي حصل من خلال هجوم عناصر من “داعش” على محطة كهربائية في ناحية جلولاء، شمال شرقي ديالى، وتفجيرها يمثل “سابقة خطيرة وانتكاسة في الملف الامني”.

واضاف الدهلكي في بيان ان الخرق الامني الاخير سيعرقل “ملف عودة العوائل الى مناطقها وترك تلك المناطق ساحة لزمر داعش كي تصول وتجول”.

وكانت وزارة الكهرباء قد كشفت عن تعرض خطوط نقل الطاقة الكهربائية في محافظتي ديالى وكركوك، إلى أعمال تخريبية، تسببت بإطفاء تام للتيار الكهربائي في بعض المحافظات.

وقال الناطق باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، في تصريحات صحفية إن “خطوط نقل الطاقة الى ديالى وكركوك وكذلك تعرضت الى عمليات تخريبية، بالإضافة إلى عمليات التفجير التي استهدفت الأبراج في جلولاء من قبل تنظيم داعش”.

وسبق ان اسقطت عدة ابراج في القائم، بطريقة “السحل”، حيث استخدم مجهولون سيارات لجر الابراج، ماجعل المدينة تغط بالظلام.

واتهم مسؤولون في الانبار، عشائر وبعض المتنفذين، باسقط الابراج بسبب “تنافس” على عقود الحماية، وهي رواية قد تنطبق على احداث “الجرف” وهجوم جلولاء، خصوصا ان يحيى رسول المتحدث العسكري باسم الحكومة، استخدم عبارة “جماعات خارجة عن القانون” في وصف المسؤولين عن اسقاط ابراج جرف الصخر، بحسب مانقلته وسائل اعلام محلية.

بالمقابل يقول علي الغانمي، عضو لجنة الامن في البرلمان لـ(المدى) ان لجنته “لا تملك معلومات حتى الان عن ماجرى في الجرف”، فيما قال ان “استهداف ابراج الطاقة هي رسالة من داعش ليثبت انه مازال موجوداً”.

المصدر