نحو معالجة جادة لانتهاك حرية الصحافة في إقليم كردستان العراق

61

كاظم حبيب

الحرية لسجناء الصحافة والعقيدة في العراق

صدرت في السنوات الأخيرة مجموعة من بيانات الاحتجاج والإدانة بشأن ما حصل ويحصل في إقليم كردستان العراق من انتهاكات فظة على حرية الصحافة وحقوق الصحفيات والصحفيين وحرية التعبير وحق التجمع والتظاهر وملاحقة الصحفيين والعاملين في الإعلام واعتقالهم وتعريضهم للتعذيب والمساءلة القانونية. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش ومركز مترو ومنظمات حقوق إنسان أخرى قد أصدر بيانات كثيرة بهذا الصدد، كما نشرت الصحف العالمية والإقليمية والمحلية أخباراً ومقالات كثيرة عن هذا الموضوع مشيرين بشكل خاص لما انتهى إليه اعتقال خمسة صحفيين كرد أعضاء في نقابة صحفيي كردستان العراق وتقديمهم للمحاكمة وإصدار الأحكام الثقيلة بحقهم حيث وصلت إلى ست سنوات سجن لكلٍ منهم.

إن مثل هذه الأحكام الجائرة لا تنسجم بأي حال مع ادعاء المسؤولين في الإقليم بأنهم يحترمون الدستور والقوانين الخاصة بحرية الصحافة والصحفيين، بل تؤكد غياب مثل هذا الاحترام والمسؤولية إزاء حق الصحفيات والصحفيين في نشر الأخبار ومرافقة التظاهرات والكتابة الحرة والصحيحة عنها وعن أسبابها. وهذا لا يعتبر تجاوزاً على استقلالية الصحفيين أو تدخلهم الشخصي في التعبير عن رأيهم بذلك، رغم أن لهم كل الحق في ذلك أيضاً، بل هو واجب عليهم أكد عليه النظام الداخلي لنقابات العالم كلها، بما فيها نقابة إقليم كردستان العراق، وأنا شخصياً عضو شرف في هذه النقابة التي احترم دورها ونشاطها.

قبل فترة وجيزة كتبت مقالاً أشرت فيه إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده مركز مترو بأن حرية الصحافة في إقليم كردستان مهددة بمخاطر جمة، وأن ما يزيد عن 368 صحفياً وصحفية قد تعرضوا لتجاوزات مختلفة على حقوقهم الصحفية وحريتهم الشخصية، بما في ذلك الاعتقال والإهانة والتعذيب. وقد تلي ذلك لقاء بين مدير مركز مترو ورئيس وزراء إقليم كردستان العراق حيث عرض مدير مترو الأسباب التي دعت إلى إصدار ذلك التقرير وأهمية احترام حرية وحقوق الصحفيين في الإقليم، في حين أكد رئيس وزراء الإقليم احترامه للحقوق ورفضه للتجاوزات، ولكنه لم ينف الاعتقال بل لم ينف تعرض المعتقلين للتعذيب في فترة الاعتقال والتحقيق. إلا أنه وعد بتجاوز ذلك والنظر في موضوع الصحفيين المعتقلين الخمسة. ولم تمض فترة طويلة على ذلك حتى صدرت تلك الأحكام السياسية الثقيلة والمنافية للحقوق والمواثيق الدولية الخاصة باحترام حرية الصحافة وحقوق الصحفيين عن القضاء في مدينة أربيل. إن

هذه الأحكام التي صدرت بدعوى مشاركتهم في التظاهرات والعمل على إسقاط الحكومة غير واقعي وغير مقبول في آن واحد ويدعو للقلق الشديد. فعمل الصحفيات والصحفيين والمصورين يتلخص في الكتابة عن أحوال المجتمع والاقتصاد الوطني والتعليم والثقافة والبيئة، وكذلك عن علاقة الحكومة وسياساتها بالمجتمع ومدى استجابتها لمطالبهم المشروعة والعادلة، وكذلك مرافقة الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات والكتابة عنها بصدق ومسؤولية وأمانة تامة. وبالتالي فحين يتحدث الصحفيون والصحفيات أو من يعمل في التلفزة عما يطالب به المتظاهرون لا يعبرون بذلك عن رأيهم الشخصي بل يعبرون فيه عن واقع حال وعن تلك المطالب التي خرج بسببها المتظاهرات والمتظاهرون إلى الشوارع، ولولا وجود مشكلات في الإقليم لما تظاهر الناس ولما احتجوا على عدم دفع الرواتب للموظفين والمتقاعدين أشهر عدة، أو اقتطاع نسبة كبيرة من تلك الرواتب، أو ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي لا تتناغم مع مستوى رواتب صغار الموظفين والمتقاعدين من الذكور والإناث.

إن ما جرى ويجري في إقليم كردستان العراق من تجاوزات على حرية الصحافة وحقوق الصحفيين والصحفيات هو جزء لا يتجزأ مما يحصل في كل العراق والذي يجب الاحتجاج ضده وإدانته، لأنه يتعارض مع الدستور العراقي ومشروع الدستور الكردستاني وقانون الصحافة و يضع الصحفية والصحفي العراقي في كل البلاد تحت طائلة العقاب حين يتحدثان عن واقع العراق المزري وتفاقم البطالة إلى مستويات عالية جداً وارتفاع مستوى الفقر وعدد الفقراء إلى أكثر من نصف المجتمع العراقي، وأن في العراق قد قتل خلال السنوات المنصرمة أكثر من 460 صحفياً وإعلامياً عراقياً من النساء والرجال، دع عنك الشهداء الآخرين ممن سقطوا في ساحات النضال اليومي أو اغتيلوا غدراً أو اختطفوا وغيبوا في سجون العراق الرسمية وغير الرسمية التابعة للحشد الشعبي والمليشيات الطائفية المسلحة التابعة للحشد رسمياً أو بشكل غير رسمي وكذلك من نقل من المناضلات والمناضلين المغيبين إلى سجون إيران عبر الحدود المفتوحة كلية لأجهزة الأمن الإيرانية.

إن من واجب كل مواطنة ومواطن عراقي شريف وواعٍ لما يتعرض له الصحفيون والصحفيات في العراق كله، وليس في إقليم كردستان فقط، أن ينهض ليحتج ويدين ذلك بكل شجاعة ومسؤولية، لأن انتهاك حرية الصحافة وحقوق الصحفيات والصحفيين تعني كتم الأفواه وكسر الأيدي التي تمسك بالقلم لتكتب عن أوضاع الناس وبؤسهم وفاقتهم ومطالبهم، أو عن حقوق ضائعة أو عن تغيير ديمغرافي لمناطق السكن أو الفساد المستشري في البلاد كلها أو التجاوز على دور الناس ومحلات عملهم أو التمييز الديني والمذهبي (الطائفي) والقومي …الخ.

علينا جميعاً، وأمام هذا الواقع غير المقبول، أن نطالب المسؤولين في الإقليم، ابتداءً من رئيس الإقليم ومروراً برئيس الحكومة وأعضاء الحكومة والبرلمان في كردستان العراق، وبإلحاح شديد برفضهم تلك الأحكام الثقيلة والجائرة التي أصدرها القضاء في أربيل وإعادة الحرية للصحفيين الخمسة وإيقاف أي تجاوز على حقوق الإنسان وحرية الصحافة وحقوق الصحفيات والصحفيين. إن من واجبنا جميعاً متابعة ما صرح به رئيس إقليم كردستان أخيراً بأنه وبقية المسؤولين سينظرون باهتمام وجدية في حملة الإدانة العالمية لهذه الأحكام ومطالبة نقابة الصحفيين العالمية برفض تلك الأحكام السياسية.

الحرية والكرامة واحترام حقوق الصحافة لكل العاملات والعاملين في الإعلام، لاسيما الصحفيات والصحفيين، في سائر أرجاء العراق. الحرية للسجناء الصحفيين الخمسة.

المصدر