من يقود اخطبوط وحيتان الفساد بالعراق وكل حال ايزول وما اتظل الدنيا فد حال؟؟؟

385

د.كرار حيدر الموسوي

بعد أن تمكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من الاطاحة بأحد أعمدة الفساد الكبرى وهو “بهاء الجوراني” صاحب عقد أبراج نقل الطاقة. تم كشف أحد أخطر الملفات التي تُدار في كواليس السياسية العراقية، والتي تعتبر أيضًا أحد أخطر القضايا التي تم من خلالها تغيير المجرى الاقتصادي العراقي

فما هو هذا الملف؟ وكيف تم كشفه؟

في البداية يعرف أغلب السياسيين المقربين من سلطة مجلس الوزراء ومجلس النواب العراقي، أن هناك خلاف متأصل ومنافسة متجذرة بين رئيس مجلس النواب “محمد الحلبوسي”، وبين عضو لجنة الأمن والدفاع “محمد الكربولي” نائب كتلة تحالف القوى العراقية.

فكلاهما يسعيان للحصول على لقب “الزعامة” في المرحلة القادمة، كما أن أغلب السياسيين يعرفون أن من يقف خلف “الكربولي” داعمًا له للوصول إلى الزعامة السُنية هو رجل الأعمال “خميس الخنجر”، الذي تمكن من صناعة شرخ سياسي كبير بين “محمد الحلبوسي”، و”محمد الكربولي” بعد أن وعد بتقديم دعم دولي وتأمين رعاية سياسية دولية “للكربولي” ليتصدر مشهد الزعامة السياسية السنية في العراق ضمن المرحلة القادمة.

وبالفعل نجح “خميس الخنجر” من سحب “الكربولي” من بين أحضان “الحلبوسي”، خاصة أن الأخير لا يتمتع بخبرة سياسية كبيرة لصغر سنه من جهة، ولعصبيته وتهوره التي عادة ما تُظهره بمظهر الديكتاتوري الانتهازي، أو الديكتاتوري الابتزازي، او الديكتاتوري الصغير

لكن الورقة الرابحة التي امتلكها الحلبوسي من جانب أخر؛ هي علاقاته العميقة مع إحدى “السلطات القضائية في الدولة العراقية”، والتي من المفترض أنها صمام أمان لهذه البلد، لكن رئيس مجلس النواب تمكن من اختراقها، واستطاع أن يجعلها عصا بيده ليهدد بها خصومه ومنافسيه، وهذا ما جعل بعض القامات السياسية تبتعد وتخرج من دائرة الحلبوسي.

عند هذه النقطة نعود إلى قضية إلقاء القبض على أحد أخطر سماسرة الفساد في العراق وهو “بهاء الجوراني” الذي قدّم للقضاء العراقي الكثير من المعلومات التي كشفت عن وجود شبكة من مافيا الفساد السياسي داخل منظومة الدولة العراقية…

وتعمل على نهب وسرقة المالي العام بصورة العقود الوزارية، ليعترف “الجوراني” بأسماء الشبكة التي تعمل معه أو تعمل من خلاله؛

وهذه الشبكة عرفت كيف تُدار الأموال في خزينة الدولة، وعرفت كيف بإمكانها إخراج المليارات بالعقود الوزارية الحصرية.

فشبكة المافيا السياسية هذه تبدأ من “محمد الكربولي” الذي يعمل بالشراكة مع وزيره “فلاح الزيدان” وزير الزراعة السابق، ورئيس كتلة تحالف القوى العراقية الحالي، حيث تمكن من احتكار أغلب عقود وزارة الصناعة في عهد “صالح عبد الله الجبوري” الوزير السابق، و”منهل عزيز الخباز” الوزير الحالي، فوضع الكربولي يده على جميع مخصصات وزراة الصناعة وعقودها الحالية.

على طرف مقابل تم كشف وثائق وعقود بينت أن “محمد تميم” وزير التربية السابق، متورط هو الآخر بقضايا متعلقة بعقود وهمية ومزورة خاصة بالأبنية المدرسية، مع مناقصات بمبالغ كبيرة لبناء مدارس حكومية..

وبالفعل تمت إدانته بالعديد من قضايا الفساد الصادرة من هيئة النزاهة والقضاء العراقي، لكن إلى اليوم لم يُبت بتنفيذها!!

“أبو المنار” شخصية ظهر اسمها أيضاً بين الوثائق كأحد عمالقة الفساد، وليتبين أنه لعب دوراً مقارباً من دور “المعتقل بهاء الجوراني”، وإن صح التعبير فإن “أبو المنار” هو من قام بإدارة جميع الصفقات المالية لوزارة الصناعة.

لكن عند طلبه للتحقيق بعد اعتقال “الجوراني” تمكن “أبو المنار” وبتغطية من الحكومة الهرب خارج البلاد وبحوزته أكثر من 630 ملفًا حول قضايا وصفقات وعقود مزورة قانونياً، ورغم ذلك تمكن من الهرب بجميع الأموال التي بحوزته والتي استلمها أصوليًا من البنك المركزي العراقي.

أكبر شبكة مافيا سياسية

ثم لتظهر خلف أخطر شخصية في شبكة مافيا الفساد السياسي هذه. وهو السمسار “هيثم شغاتي” الملقب “أبو عرب” الذي يُصنف ضمن شبكة الفساد هذه أنه عراب الفساد بين محمد الحلبوسي ومحمد الكربولي، ليتبين أن الإمارات كانت قد طلبت منه مغادرة أراضيها بعد اتهامه بالتعامل مع شبكة دولية لتهريب الأموال.

ثم لتظهر بعض الوثائق أيضاً أن “أبو عرب” هذا تربطه علاقات عميقة وقوية بالسيد نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، وتمكن من الهيمنة خلال السنوات الماضية على أغلب عقود وزارة التربية ووزارة الصناعة والتي تقدر بمليارات الدولارات..

خطورة أبو عرب تأتي كونه يتعامل مع الجانب الأمريكي بعقود مليارية، ويحمل جواز سفر أمريكي ولديه مشاريع ضخمة في الإمارات العربية المتحدة، وتمكن من تحويل المليارات إلى دبي، قبل طلب الإمارات بمغادرته أراضيها.

لكنه اليوم تمكن من وضع خلفاً له في شبكة المافيا السياسية هذه داخل الأراضي العراقية، وهو أخوه “يونس شغاتي” الذي يشغل في الوقت الحالي منصب نائب في البرلمان العراقي، والمقرب أيضاً من رئيس النواب “محمد الحلبوسي”.

أما الشخصية الزئبقية في عالم الفساد والمنتمي أيضًا لشبكة الفساد هذه…

فهو “أحمد عبد الله الجبوري” المعروف بلقب “أبو مازن” الذي أدار وزارة الصناعة في حكومة عادل عبد المهدي قبل أن يُدان بعقود ووثائق فساد أجبرته على تقديم استقالته من مجلس النواب.

فأبو مازن هو من أوصل “صالح الجبوري” إلى منصب وزير الصناعة، وهو من تمكن من الهيمنة على مخصصات الوزارة كاملاً، خاصة أن أغلب الصفقات كانت موقعة من مدير مكتب الوزير “معتصم عادل عبد الجبار” الملقب “أبو شمس” والذي تم إثبات وثائق تفيد باستلامه مبلغ 400 مليون دولار من “أبو مازن” ليكون الحارس الخاص لعقود وزارة الصناعة لصالح أبو مازن وبصورة احتكارية.

ثم لتصل شبكة الفساد هذه إلى النائب “مثنى السامرائي”، الذي أدين بعدة صفقات فساد ضمن وزارة التربية في زمن وزيرته “سها العلي بيك” حين عقد صفقة ثلاثية بينه وبين الوزيرة وبين رئيس النواب الحلبوسي للموافقة على مناقصة الضمان في وزارة التربية مع شركة لبنانية وهمية.

ليتبين من خلال الوثائق أن حصة “مثنى السامرائي” من هذه الصفق هي 15 مليار دينار عراقي سنويًا، ولمدة 4 سنوات متتالية.

أي أنه سيضع يده على ما مقداره 60 مليار دينار عراقي على مدى أربع سنوات، بينما قيمة العقد الكلي هي 41 مليار دينار سنوياً، أي 164 مليار دينار على مدى أربع سنوات يتقاسمها مع وزيرة التربية ومع الحلبوسي.

وتمت إدانته كذلك بالوثائق والعقود الصادرة من القضاء العراقي ومن هيئة النزاهة، ورُفعت عنه الحصانة كونه نائباً في مجلس النواب…

لكن لم ينفذ أي شيء ضده إلى اليوم، كما تم كشف قضايا كثيرة تدينه في فترة تسلم “محمد التميم” وزير التربية السابق الذي عقد معه الكثير من صفقات طباعة الكتب المدرسية وإتلافها لتدوير العقود المالية ونهبها من خزينة الدولة.

وهنا نطرح التساؤل الآتي..

هل إلقاء القبض على “بهاء الجوراني” وكشف شبكة الفساد هذه جاءت نتيجة الخلاف السياسي والحرب الباردة بين رئيس مجلس النواب “محمد الحلبوسي” وبين عضو لجنة الأمن والدفاع “محمد الكربولي”…

خاصة أن هذا الخلاف تُرجم حين أصدر “تحالف القوى العراقية” بياناً ضد مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي “رائد الجوحي”، ليهددوه بعدم التدخل في وزارة الصناعة بتاتاً..

الأمر الذي جعل “الجوحي” يفتح عليهم جميع قضايا الفساد ويكشف شبكة مافيا الفساد السياسي هذه، والتي تُدار بالخفاء متعاونة فيما بين أعضائها للهيمنة على خزينة الدولة…

فـ”الجوحي” كان رئيساً لفريق من القضاة في محكمة الجنايات العراقية العليا، وهو الذي كشف جميع هذه الصفقات والتي تقدر بمليارات الدولارات المنهوبة من خزينة الدولة من خلال النواب والوزراء الذين يعملون لصالح هؤلاء النواب.

لن تبقى بعض الأسئلة خفية وغير واضحة في عالم فساد السياسة هذا؟..

فمثلاً..

لماذا منح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جميع مناصب المكون السني لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والذي تمكن من الاستفراد بهذه المناصب لنفسه وجعلها كأدوات للابتزاز والسرقة؟.

فالحلوبسي ومن خلال مناصب المكون السني هذه، تمكن من بناء امبراطورية مالية جعلته قادراً على امتصاص أموال الشعب وأموال العراق مع توفير الحماية له ولشبكته هذه..

ولو أن الخلاف بينه وبين “الكربولي” لم يظهر لما تم إلقاء القبض على السمسار “بهاء الجوراني” ولما تمت معرفة قوة هذه الشبكة في قيامها بأقوى عملية السرقة التي قد تحصل في دولة ما، لتستحق لقب أكبر شبكة مافيا سياسية في تاريخ العراق الجديد..

المصدر