من هو الخائن أو العميل أو الداعشي أو الا عراقي أو مقاول التفليش ؟؟؟

251

د.كرار حيدر الموسوي

كان اللواء مهدي الغراوي يعلم بأن الهجوم قادم، أواخر مايو/ أيار، فقد اعتقلت قوات الأمن العراقية سبعة أعضاء في تنظيم “داعش” الإرهابي، في مدينة الموصل، وعلمت بأن المجموعة تخطط لشن هجوم على المدينة أوائل يونيو/ حزيران .

وطلب الغراوي قائد العمليات في محافظة نينوى وعاصمتها الموصل تعزيزات من أكثر القادة تمتعاً بثقة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، ولأن الجيش العراقي كان منهكاً تجاهل الضباط هذا الطلب، ونقل دبلوماسيون معلومات عن هجوم وقيل لهم إن قوات عراقية خاصة ترابط في الموصل وبإمكانها التعامل مع أي تطورات .

في الرابع من يونيو حاصرت الشرطة الاتحادية في الموصل تحت قيادة الغراوي القائد العسكري للتنظيم ففضل أن يفجر نفسه، وكان الغراوي يأمل أن يمنع مقتله الهجوم المرتقب، لكنه كان مخطئاً، ففي الساعة الثانية والنصف صباح السادس من يونيو عاد ورجاله إلى غرفة العمليات بعد تفقد نقاط التفتيش، وفي تلك اللحظة كانت قوافل شاحنات تتقدم من الغرب عبر الصحراء التي تقع فيها الحدود بين العراق وسوريا، وكان في كل شاحنة 4 من مقاتلي “داعش” . وشقت هذه القوافل طريقها إلى نقاط التفتيش التي كان في كل منها رجلان لتدخل المدينة، وبحلول الثالثة والنصف صباحاً كان المتشددون داخل الموصل، وبعد 3 أيام ترك الجيش ثاني كبرى مدن العراق .

وأدى سقوط المدينة إلى سلسلة من الأحداث التي مازالت تعيد تشكيل العراق رغم مرور أشهر، فكانت سبباً في بدء هجوم استمر يومين واقترب فيه مقاتلو التنظيم لمسافة 153 كيلومتراً من بغداد، ما أدى لسقوط أربع فرق وأسر ومقتل آلاف الجنود، وساهم هذا الهجوم في إزاحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ودفع القوى الغربية وحلفاءها إلى بدء حملة قصف جوي لمواقع المتشددين، لكن الغموض ظل حتى الآن يكتنف الظروف التي أحاطت بسقوط الموصل وبمن أصدر الأمر بترك القتال والانسحاب، فلم تصدر رواية رسمية، ولم ينشر سوى ما رواه الجنود عن هروب جماعي من الخدمة، ومزاعم من قوات المشاة بأنها اتبعت أوامر بالهرب، ومع ذلك ألقت بغداد اللوم على اللواء الغراوي، ففي أواخر أغسطس/آب اتهمته وزارة الدفاع بالتقصير، وهو الآن ينتظر ما تتوصل إليه هيئة تحقيق ثم محاكمة عسكرية، وإذا كان قرار المحكمة الإدانة فمن الممكن أن يحكم عليه بالإعدام، وتم أيضاً احتجاز 4 ضباط أمن كانوا يخدمون تحت إمرته .

وأظهر تحقيق أجرته “رويترز” أن مسؤولين عسكريين من مستوى أرفع والمالكي يتحملون جانباً من اللوم على الأقل، فقد شرح عدد من أرفع القادة والمسؤولين بالتفصيل للمرة الأولى كيف استفاد تنظيم “داعش” من نقص القوات والخلافات بين كبار الضباط والزعماء السياسيين وحالة الذعر التي أدت إلى ترك المدينة، ويقول الضباط والمسؤولون إن المالكي ووزير دفاعه ارتكبا خطأ فادحاً مبكراً برفض عروض متكررة من القوات الكردية “اليبشمركة” لتقديم المساعدة .

ودور الغراوي في الكارثة موضع خلاف، فهو من أفراد الطائفة الشيعية المهيمنة، ويقول محافظ نينوى وكثير من المواطنين إنه استعدى الأغلبية السنية في الموصل قبل بدء المعركة، وساهم ذلك في ظهور الخلايا النائمة التابعة للتنظيم داخل الموصل، واتهم ضابط عراقي الغراوي بأنه لم يحشد القوات لوقفة أخيرة في مواجهة “داعش” .

في المقابل، يقول الغراوي إنه ظل صامداً ولم يصدر الأمر النهائي بالانسحاب من المدينة، ويقر آخرون اشتركوا في المعركة بصحة هذا الزعم، ويقولون إنه ظل يقاتل حتى سقطت المدينة، وعند ذلك فقط هرب من ساحة المعركة، ويقول الغراوي إن واحداً من ثلاثة أشخاص ربما يكون قد أصدر الأمر النهائي هم عبود قنبر الذي كان في ذلك الوقت نائباً لرئيس الأركان بوزارة الدفاع أو علي غيدان الذي كان قائداً للقوات البرية أو المالكي الذي كان يوجه كبار الضباط من بغداد .

ويؤكد أن سر من قرر الانسحاب من الموصل يكمن مع هؤلاء الثلاثة، ويقول إن قرار غيدان وقنبر ترك الضفة الغربية للموصل كان سبباً في هروب جماعي من الخدمة لأن الجنود افترضوا أن قادتهم هربوا . وأيد مسؤول عسكري عراقي رفيع ذلك، ولم يعلق أي من الرجال الثلاثة على قراراتهم في الموصل، ورفض المالكي طلبات لإجراء مقابلة، ولم يرد قنبر، بينما لم يتسن الاتصال بغيدان، وقال اللواء قاسم عطا المتحدث العسكري الذي تربطه علاقات وثيقة بالمالكي إن الغراوي “فشل في دوره كقائد، وإن الباقين سيكشف عنهم أمام القضاء” .

ومن أوجه عدة تعد رواية الغراوي لما حدث نافذة على العراق، فهذا القائد شخصية رئيسية منذ عام 2003 عندما بدأ الشيعة يكتسبون نفوذاً بعد أن أطاحت الولايات المتحدة صدام حسين وحزب البعث الذي كان مهيمناً، وحيا القادة الغراوي ذات مرة باعتباره بطلاً، بينما يرى السنة أنه قاتل استغل الحرب العراقية على التطرف للتغطية على عمليات ابتزاز شركات للحصول على أموال وتهديد الأبرياء بالاعتقال والقتل . وصعد نجم الغراوي في القوات المسلحة التي تسودها الانقسامات الطائفية والفساد والسياسة، وأصبح الآن أسير هذه القوى نفسها، ولا يوضح قرار معاقبته وتجاهل دور الشخصيات الأعلى رتبة مدى صعوبة إعادة بناء القوات المسلحة فحسب، بل يبين أيضاً لماذا تواجه البلاد خطر التفكك، وكما أثبتت الموصل فالجيش العراقي مؤسسة فاشلة في دولة فاشلة .

وأصبح الغراوي على حد قوله “كبش فداء” وضحية للاتفاقات والتحالفات التي تبقي النخبة السياسية والعسكرية في العراق في مواقعها، وأحيل غيدان وقنبر موضع ثقة المالكي إلى التقاعد . ويقول الغراوي الذي يعيش في مدينته جنوبي العراق إن رؤساءه ألقوا عليه أخطاء نظام متصدع، ويضيف “هم يريدون فقط إنقاذ أنفسهم من تلك الاتهامات، التحقيق يجب أن يشمل أعلى القادة والقيادات، على الكل أن يقول ما لديه حتى يعرف الناس” .

توقع الغراوي أن تكون الموصل جحيماً، ففي السنوات التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام ،2003 أصبحت المدينة مركزاً لتنظيم “القاعدة” وحركة “التمرد السني”، ويقيم بعثيون سابقون وقادة عسكريون سابقون في محافظة نينوى، كذلك كان للأكراد موطئ قدم في المدينة، فبعد سقوط صدام أصبحوا يهيمنون على قوى الأمن والحكومة المحلية .

عام 2008 وبعد عامين من تولي المالكي رئاسة الوزراء بدأ يعمل على تأكيد سلطته في المدينة، ولأنه كان يتوقع احتمال أن يغدر الأكراد به، بدأ حملة تطهير للضباط الأكراد من فرقتي الجيش الموجودتين في الموصل ويضع رجاله لحماية مصالح بغداد، وعين مجموعة من القادة الذين استعدوا الأكراد والسنة في المدينة، وعام 2011 وقع اختياره على الغراوي .

كان الغراوي بالفعل واحداً ممكن نجوا من ويلات النظام العراقي، ورغم كونه شيعياً فقد كان عضواً في الحرس الجمهوري في عهد صدام، وعام 2004 وبعد سقوط صدام دعمته واشنطن في قيادة واحدة من فرق الشرطة الجديدة في العراق، وكانت تلك الفترة في غاية القسوة، وقد تم ربط قوى الأمن التي هيمن عليها الشيعة بما فيها الشرطة بسلسلة من عمليات القتل خارج نطاق القانون، واتهم الأمريكيون الغراوي بإدارة كتائب الشرطة كواجهة للميليشيات التي ألقيت عليها مسؤولية قتل المئات من الناس أغلبهم من السنة .

وحقق مسؤولون أمريكيون وعراقيون مع الغراوي لقيادته الموقع وهو سجن شهير ببغداد تردد أن السجناء كانوا يعذبون فيه أو يباعون لواحدة من كبرى الميليشيات الشيعية وأكثرها وحشية، وأواخر عام 2006 تحرك المسؤولون الأمريكيون لوقف القتال وضغطوا على المالكي لصرف الغراوي ومحاكمته بتهمة التعذيب، لكنه كلف الأخير مهمة أخرى ولم يشأ أن يحاكمه .

ويتذكر السفير الأمريكي ريان كروكر تبادل الصراخ مع المالكي بسبب الغراوي، ويقول عام 2010 “من دواعي شعوري بخيبة الأمل وهي كثيرة عدم الإيقاع بهذا الفاشل البائس”، ويقول الغراوي إنه لم يرتكب أي أخطاء خلال تلك الفترة، وليس لديه ما يعتذر عنه، ويضيف أنها كانت حرباً أهلية، وكان التمرد السني مصراً على القضاء على الحكومة التي يقودها الشيعة، كما قتل شقيق الغراوي على أيدي مقاتلين من السنة . ويقول الغراوي “كنا نعمل في ظل ظروف خاصة، ومنعنا الحرب الأهلية، بل إننا في واقع الأمر أوقفناها . فأين هي أخطاؤنا؟” . بعد إنزال رتبته، ظل الغراوي ينتظر فرصة ملائمة فعاش حياة كئيبة في فيلته ذات الإضاءة الخافتة في المنطقة الخضراء تزينها صور قديمة من بينها بضع صور له مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي ووزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد، وأوكلت إليه سلسلة من المهام البسيطة، وظل مكتب المالكي يقترح اسمه بانتظام لمناصب أعلى، وظل المسؤولون الأمريكيون يعرقلون الاقتراحات، وبينما كانت القوات الأمريكية تستعد لمغادرة العراق عين المالكي الغراوي في أعلى منصب قيادي للشرطة الاتحادية في الموصل، وهناك استعاد الرجل مجده السابق .

وفي بيته بالعاصمة، وأثناء إجازة قصيرة من الموصل في ديسمبر/كانون الأول الماضي، جلس الغراوي بكل زهو على أريكة خضراء وحوله جدران مطلية باللون الأصفر الشاحب وتحت قدميه سجادة من جلد فهد، وتدلت من على الحائط صورة زيتية له، وراح يتباهى بالاعتقالات وهو يقلب مجموعة من صور المتطرفين الذين اعتقلهم رجاله .

ورغم انتصاراته كان صريحاً في ما يتعلق بالتمرد الذي عاود الظهور العام الماضي، مع تنامي شعور السنة بخيبة الأمل إزاء الحكم الطائفي للمالكي، وقال إن الحرب في أفضل الأحوال تمثل ورطة، وإن تنظيم “القاعدة” الذي كان في ذلك الوقت التنظيم الأم ل”داعش” قبل أن ينفصل عنه الأخير هذا العام يحقق مكاسب، وأضاف “يجب أن أعترف بأن القاعدة أقوى من أي وقت مضى، فالقاعدة تحتاج الموصل وتنظر إلى الموصل باعتبارها إمارتها” . وأكد أنه تنقصه القوات اللازمة لتأمين المحافظة، وأنه واجه معارضة متنامية من السنة في الموصل الذين اتهموه ورجاله بارتكاب عمليات قتل خارج القانون، لكنه رفض هذه الاتهامات . في مارس، عينه المالكي قائد العمليات في نينوى، وكان الأمن في العراق يتدهور، ففي محافظة الأنبار الواقعة إلى الجنوب الغربي من نينوى كانت ثلاث فرق عسكرية شاركت بسبب أعمال العنف في الحرب على مقاتلي “داعش” والعشائر السنية الغاضبة، وفقدت الحكومة السيطرة على الطرق الرئيسية من بغداد إلى الشمال، واعتاد مقاتلو “داعش” إقامة نقاط تفتيش وهمية على الطرق ونصب الكمائن للسيارات .

بينما كان مقاتلو “داعش” يسابقون الريح صوب الموصل قبل فجر يوم السادس من يونيو، كانوا يأملون كما قال واحد منهم في ما بعد أن يستولوا على إحدى الضواحي لعدة ساعات، فلم يتوقعوا أن تنهار سيطرة الدولة، ودخل هؤلاء خمسة أحياء بالمئات وخلال الأيام القليلة التالية ارتفع عددهم متجاوزاً 2000 مقاتل ورحب بهم سكان المدينة الغاضبون .

كان خط الدفاع الأول عن الموصل هو اللواء السادس بالفرقة الثالثة من الجيش العراقي، وعلى الورق كان قوام اللواء 2500 رجل، أما الواقع فكان أقرب إلى 500 رجل، كذلك كان اللواء تنقصه الأسلحة والذخائر وفقاً لما قاله أحد ضباط الصف، فقد سبق نقل المشاة والمدرعات والدبابات إلى الأنبار، حيث قتل أكثر من 6 آلاف جندي وهرب من الخدمة 12 ألفاً، وقال الغراوي إن ذلك لم يبق في الموصل أي دبابات كما أن المدينة كانت تعاني نقص المدفعية، وكانت هناك أيضاً مشكلة الجنود الوهميين، وهم الرجال المسجلون الذين يدفعون للضباط نصف رواتبهم وفي المقابل لا يحضرون لثكناتهم ولا يؤدون ما عليهم من واجبات، وكان محققون من وزارة الدفاع أرسلوا تقريراً عن هذه الظاهرة لرؤسائهم عام ،2013 وقال ضابط ترابط وحدته في الموصل إنه لم يحدث أي تقدم في هذا الشأن .

عموماً، كان من المفترض أن يكون عدد رجال الجيش والشرطة في المدينة ما يقرب من 25 ألفاً، أما في الواقع فلم يكن العدد يزيد في أحسن الأحوال على 10 آلاف، كما قال عدد من المسؤولين .

وفي حي مشيرفة وهو من نقاط الدخول إلى المدينة، كان عدد الجنود في الخدمة ليلة 6 يونيو 40 جندياً، ومع تسلل المتشددين إلى المدينة استولوا على عربات وأسلحة، وقال ضابط يعمل في المدينة إن المتشددين شنقوا عدداً من الجنود وأشعلوا النار في جثثهم وصلبوا البعض .

وعلى الطرف الغربي من حي 17 تموز، شاهد رجال الشرطة من الكتيبة الرابعة سيارتي همفي و15 شاحنة تقترب وهي تطلق نيران المدافع الرشاشة بكثافة، وقال العقيد ذياب العاصي العبيدي قائد الكتيبة “في كتيبتنا كلها عندنا مدفع رشاش واحد، أما هم ففي كل بيك أب مدفع رشاش” .

وأمر الغراوي قواته بتشكيل صف دفاعي لتطويق أحياء الموصل الغربية المحاصرة من جهة نهر دجلة، وقال إنه تلقى اتصالاً هاتفياً من المالكي للصمود حتى وصول قنبر نائب رئيس الأركان وغيدان الذي كان يقود القوات البرية العراقية، وكان الاثنان أعلى رتبة وتوليا تلقائياً بالكامل القيادة في الموصل في 7 يونيو، وصباح اليوم التالي التقى الغراوي محافظ نينوى أثيل النجيفي، ولم يكن المحافظ صديقاً بل سبق أن اتهم الغراوي بالفساد وهو اتهام نفاه، وسأل أحد مستشاري النجيفي الغراوي عن أسباب عدم قيامه بهجوم مضاد، فأجاب بأنه “لا يوجد ما يكفي من القوات” .

وكان الفريق بابكر زيباري يرأس الغراوي ورئيساً لهيئة الأركان للقوات المسلحة في بغداد، واتفق في الرأي أنه لا يوجد ما يكفي من الرجال لإلحاق الهزيمة ب”داعش”، بعدما سبق أن رفض المالكي فرصة لتغيير هذا الوضع .

وفي 7 يونيو عرض رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني إرسال البيشمركة لتقديم العون، ووصل هذا العرض إلى المالكي الذي قال زيباري إنه رفضه مرتين عن طريق وزير الدفاع، كما حاولت الأمم المتحدة ودبلوماسيون أمريكيون التوسط في وضع ترتيبات مقبولة للمالكي الذي ظل على ارتيابه، وأصر أن القوات العراقية تكفي وزيادة، وأكد مكتب البرزاني أن العروض الكردية بتقديم المساعدة قوبلت بالرفض، وعصر الثامن من يونيو صعد “داعش”، وكانت أكثر من 100 عربة تقل ما لا يقل عن 400 مقاتل عبرت إلى الموصل من سوريا منذ بداية المعركة، وقالت الشرطة والجيش إن الخلايا النائمة في المدينة نشطت وهبت لمساعدة المهاجمين . وقصف المهاجمون مركزاً للشرطة في حي العريبي وهاجموا محيط فندق الموصل المهجور على الضفة الغربية لنهر دجلة الذي تحول إلى موقع قتالي لثلاثين رجلاً من وحدة خاصة في الشرطة . وقصف الغراوي ورجاله من الشرطة الاتحادية المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بالمدفعية، وقال إن “معنويات الموصل ارتفعت” لبرهة من الوقت، وخلال ساعات سادت الفوضى قيادته، وقالت مصادر عسكرية إن غيدان وقنبر عزلا قائد فرقة رفض إرسال رجال للدفاع عن الفندق .

من الناحية النظرية كان تحت إمرة الضابط المعزول 6 آلاف رجل، وكان قائده الغراوي، ويصف الفريق أول زيباري هذا الأمر بخطأ آخر كبير، ويقول “في حالة الأزمة لا يمكنك إبدال القائد” .

بحلول 9 يونيو، كان العبيدي من الكتيبة الرابعة و40 من رجاله من بين آخر رجال الشرطة المحلية الذين يقاتلون لصد المتشددين غربي الموصل، أما الباقون فكانوا إما انضموا إليهم أو هربوا من الخدمة، وقبيل الساعة الرابعة والنصف عصراً اتجهت شاحنة صهريج لنقل المياه صوب فندق الموصل حيث كان العبيدي ورجاله يرابطون، وأطلقت الشرطة النار على الشاحنة التي انفجرت وتحولت إلى كتلة هائلة من النار والشظايا، وقال العبيدي الذي أصيب بجرح في ساقه من جراء الانفجار “لم أشعر بشيء، فقد هز الصوت الموصل كلها، لكني لم أسمع شيئاً” .

وتوعد العبيدي بمواصلة القتال وهو يلوح بمسدسه، ونقله رجال الشرطة إلى زورق لعبور النهر إلى منطقة آمنة، وشهد ضباط ومسؤولون محليون وأمريكيون أدلوا بشهادتهم فيما بعد أمام الكونغرس أن هجوم الفندق هو ما أدى لانكسار الجيش والشرطة، وبعد ذلك ذاب الخط الدفاعي غربي المدينة فلم يعد له وجود .

وبعد حوالي ثلاث ساعات، ومع انتشار التقارير عن قيام الشرطة الاتحادية بحرق معسكراتها والتخلص من الزي العسكري، اجتمع محافظ نينوى ومستشاره مع قنبر وغيدان في قيادة العمليات قرب المطار، وكان المستشار خالد العبيدي ضابطاً متقاعداً وعضواً في البرلمان انتخب حديثاً، وحث القادة العسكريين على الهجوم بالفرقة الثانية التي ظلت ساكنة نسبياً على الجانب الآخر من النهر . وقال قنبر إن لديهم خطة، وحث مستشار النجيفي الغراوي على الهجوم، وقال الأخير إنه لا يمكنه المجازفة بنقل الجنود ورجال الشرطة الاتحادية الذين تبقوا معه، فيما قال المستشار “يمكننا أن نأتي لهم بالقوة”، وقاطعه قنبر قائلاً إن على المحافظ ومستشاره أن يؤديا ما عليهما من واجب، وأضاف “ونحن سنؤدي واجبنا” .

وغادر المحافظ ومستشاره القاعدة الساعة 25 .8 مساء غير واثقين من خطة العسكريين، وقبيل الساعة التاسعة والنصف، أبلغ قنبر وغيدان الغراوي أنهما سينسحبان إلى الجانب الآخر من النهر، وقال الغراوي “قالا مع السلامة فحسب، لم يقدما لي أي معلومات أو أي سبب” .

ويقول الغراوي وضباط آخرون إنهما أخذا من قوات الغراوي 46 رجلاً و14 شاحنة وعربة همفي أي معظم ما لدى وحدته، وتقول روايات عدة إن الضابطين صاحبي الرتبة الرفيعة نقلا قيادة المدينة إلى قاعدة على الجانب الشرقي، وقال الغراوي إن قافلة غيدان وقنبر المتقهقرة خلقت الانطباع بأن قوات الجيش تهجر الميدان، وأضاف “هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، هذا هو أكبر خطأ” .

وقال المحافظ النجيفي إن الجنود افترضوا أن قادتهم هربوا وخلال ساعتين كان أغلب رجال الفرقة الثانية هربوا من الخدمة في شرقي المدينة، وظل الغراوي و26 من رجاله مختبئين في قاعدة عملياتهم في الغرب الذي اجتاحه المهاجمون، ويقول الغراوي إن غيدان اتصل به في تلك الليلة وأكد له أن الجيش يسيطر على شرقي الموصل، ويقول رئيس هيئة أركان القوات المسلحة في بغداد إن غيدان وقنبر غادرا الموصل خلال الليل ووصلا إلى كردستان في العاشر من يونيو، ويتساءل “طبعاً بمجرد أن يترك القائد الجنود ويرحل فلماذا تريد أن تحارب؟ القائد الكبير هو العقل المحرك للعملية، ما إن يهرب حتى يصاب الجسد كله بالشلل”، ويؤكد أنه لا يعرف من أصدر الأمر بالرحيل، وأن غيدان وقنبر يتصرفان من دون علم وزارة الدفاع ويرفعان تقاريرهما مباشرة إلى المالكي .

وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي اتصل زيباري بالغراوي وحثه على مغادرة مركز قيادة العمليات، ويتذكر الرجلان قول زيباري “ستقتل، أرجوك انسحب”، ورفض الغراوي وأصر أنه يحتاج لموافقة المكتب العسكري التابع للمالكي، وعقب ذلك قرر أن يقاتل للوصول عبر جسر إلى شرقي الموصل، واتصل بغيدان لإبلاغه، وقال له “سوف أقتل، أنا محاصر من جميع الجهات، انقل تحياتي لرئيس الوزراء وقل له إنني فعلت كل ما في وسعي” . وانحشر هو ورجاله في خمس عربات واتجه صوب النهر، وعلى الضفة الشرقية أشعلت النار في العربات الخمس، وظل هو ورجاله يتفادون الرصاص والحجارة، ولقي ثلاثة من الرجال مصرعهم بالرصاص، وقال الغراوي إن المسألة أصبحت أن يحاول كل واحد النفاد بجلده .

بحلول أغسطس، كان الغراوي عاد إلى مدينته جنوبي العراق غير واثق من خطوته التالية، وفي يوم من الأيام تلقى مكالمة من صديق بوزارة الدفاع تبين منه أنه رهن التحقيق لهروبه من الخدمة في الموصل، وفي الوقت نفسه رقى المالكي قنبر وسعى لحماية غيدان، وبعد استقالة رئيس الوزراء في 15 أغسطس أرغم الرجلان على التقاعد، وكان ذلك بمثابة محاولة من حيدر العبادي رئيس الوزراء الجديد للبدء من جديد والسعي لإعادة بناء القوات العراقية . وأغلق العبادي المكتب الذي اعتاد المالكي أن يوجه منه القادة، وفي هدوء أحال الضباط الذين كانوا يعتبرون موالين لسلفه إلى التقاعد، أما تطهير المؤسسات الأمنية من الطائفية وسبل التحايل لجمع المال والمناورات السياسية فسيستغرق سنوات، والآن على الغراوي أن يتحمل المسؤولية عن سقوط الموصل، ويرى زيباري أن في ذلك ظلماً، ويقول “الغراوي كان ضابطاً يؤدي عمله لكن حظه تعثر مثل كثيرين غيره من الضباط، كلنا علينا أن نتحمل بعض المسؤولية، كل واحد منا” .

وقبل أسبوعين في بغداد، قال الغراوي بذقن غير حليق وصوت أجش أنه يقبل مصيره أياً كان، وأضاف “ربما يصدر عفو عني وربما أسجن وربما أشنق

المصدر