للفساد شبكات منظمة ومؤسساتية في العراق

136

للفساد شبكات منظمة ومؤسساتية في العراق

الفساد يعني إساءة استخدام المسؤولية المناطة بالشخص، بغية تحقيق المنافع والمكاسب الشخصية أو لجماعة او حزب ما وندّدت الكثيرة من الآيات القرآنية بالفساد والمفسدين، وبيّنت عاقبة الذين يرتكبونه، حيث يقول تعالى: “وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” كما يقول سبحانه: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ”.

إن الفساد داء ينهش النسيج االجتماعي من جوانبه الثقافية والسياسية والاقتصادية، وتعتبره منظمة الشفافية العالمية إنه من اهم التحديات التي تواجه العالم اليوم ، ويقوض الحكم الصالح ويشوه السياسة العامة ويدفع إلى إساءة توزيع الموارد العامة ويقوضها، ويضر بالقطاع الخاص وتنميته، ويلحق أكبر الضرر بالفقراء، الذي يحدث في أعلى مستويات الدولة، الى الرشوة الصغيرة التي تمنع الوصول الى الخدمات العامة الاساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، و سئم المواطنون من القيادات ُ التي تغذي هذه المؤسسات الفاسدة. مما سبب الاحباط وإنعدام الثقة المتنامي بالحكوماتُ وضعف ثقة الجمهور بالقادة السياسيين والمسؤولين ..

ممارسات الفساد الكبيرة منه في المؤسسات العامة والخاصة ليست مجرد ممارسات فردية، وإنما نجدها تتحرك من خلال شبكات ومافيات منظمة تجعلها “مؤسسة” توزع الدخول بشكل “غير مشروع وما كشف عنه في هيئة التقاعد العامة ووزارة الكهرباء باعلى المستويات اخيراً ما يثبت ذلك ” و تُحدث تحولات سريعة وفجائية في التركيبة الاجتماعية، الأمر الذي يكرس التفاوت الاجتماعي، ويزيد من احتمالات التوتر وعدم الاستقرار السياسي ويحصل ذلك عندما يستغل المسؤول منصبه، للحصول على المال بطرق غير مشروعة، من خلال تورطه في أفعال غير قانونية وغير أخلاقية من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع والانتقاص من سيادة الدولة ومؤسساتها.

إن انتشار ظاهرة الفساد في العراق وبهذا الشكل الواسع يعكس ضعف المنظومة الاقتصادية والسياسية والقانونية للدولة وكذلك المشكلة الاكبر هي تتمثل في ضعف الرقابة؛ فالأموال التي دخلت البلد من النفط اكثر من تريليون دولار، منذ عام 2003 وحتى الآن، وهي كفيلة ببناء البلد، وعدم الاقتراض من أي جهة خارجية أو داخلية، وللتميز بين الممارسات الفاسدة وغير الفاسدة، فإن الفيصل في ذلك الشفافية والمحاسبة، إذ أن الفساد حتى عندما يتحول إلى ظاهرة عامة، فإن مرتكبيه يمارسونه تحت جنح الظلام ويخفونه عن عيون الناس. والفساد لم يعد مقصوراً على المسؤول الكبير دون غيرها بل أضحى شبه ظاهرة بكل المستويات ، وأن تنوعت درجة تفشيه، وبمعنى آخر لا ينفرد مسؤول دون سواها بالفساد فالمؤسسات على مستوى الوطن تعاني وبدرجات متفاوتة من مشكلة الفساد،وهو محرّم شرعاً بإجماع الأمة لما يحدثه من أذىً للغير، ولما يمثله من خطورة كبيرة تهدد أمن وسلامة المجتمعات، وتحول دون بناء الدولة القوية، والمتأمل لتاريخ الدول يتضح له أن الفساد بجميع أنواعه وصوره كان سببًا في انهيار تلك الدول ورغم اني استطيع القول ان هناك وعود وبوادر إرادة سياسية لذلك، بفعل الرأي العام الضاغط ، لكن ما نريده فعلاً هو أن تكون لدى الاحزاب والقوى السياسية إرادة حاسمة وقاطعة لتفعّيل المحاسبة القضائية والإدارية واصدارالقرارات الرادعة المهمة في ما يتعلق بمواضيع الإفلات من العقاب والسياسة الجزائية للدولة وهي غير متوفر فعلاً . ومن أهم أسباب ذلك هي المافيات واللجان الاقتصادية التي تحمي مصالحها وتتمظهر بأقنعة معينة، فمن يحكمون اليوم يقودون أحزاباً سياسية ليراعوا مصالحها، و يحموا الجهات التي تموّل أحزابهم. مما تجعل الإرادة السياسية غير متوفرة وحاسمة ولا تزيد عن بلونات هوائية تنتهي بأوقات قصيرة ففضائح الفساد شملت، اكثر الوزارات ،النفط والسياسات النفطية في العقود ،والكهرباء في العقود الوهمية ،والصناعة في الاخفاق في تطوير المصانع والمعامل والمنشئات الانتاجية ، والمالية ، التجارة في الحصة الغذائية و الصحة في تهريب الادوية و التربية في طبع الكتب وهكذا الوزارات الاخرى بنسب متفاوتة والمحافظين ،ومشاريع استراتجية كبيرة مثل مشروع الفاو الكبير وهيئة التقاعد العامة وهيئة الاعلام واللجنة الأولمبية ودوائر ضريبة الدخل ومن اهم الاسباب التي تدفع بالفساد هو البطء في أخذ العدالة مجراها و هو المدخل الرئيسي من مداخل الإفلات من العقاب، بالتالي الكيل بمكيالين، عدالة للبسطاء وأخرى للنافذين، فمَن يرتكب جنحة في العراق يتم تطبيق القانون عليه ويحاكَم بسرعة بينما مَن يرتكب جناية بحكم طول الإجراءات ومسار القضية يستطيع الإفلات من العقاب، فملفات الفساد مثلاً،مما تجعل ملفات الفساد معقدة ومركبة .

الفساد يكتسب أشكالاً عدة بما في ذلك الرشوة والمحاباة والمحسوبية ونهب أموال الدولة، ، وتبييض الأموال، وتزوير الانتخابات، والمقصود بالرشوة التماس المال من قبل الموظف أو المسؤول لقاء تقديم الخدمات، لدافعي الرشوة، كتنظيم العقود الحكومية، وتخفيض الضرائب، والحصول على التراخيص في الاتصالات ، وإقدام بعض موظفي الدولة على سرقة المال العام، وهم المؤتمنون عليه والذي يعد أيضاً شكلاً من أشكال الفساد والذي تتم ممارسته على عدة مستويات ، اهمها دفع المال لبعض المسؤولين تسهيلاً لقيامهم بواجباتهم الوظيفية، وتقديم الهدايا الثمينة والرشاوى لبعض المسؤولين نظير الأفعال غير القانونية. وهناك علاقات ارتباط بين مستويات الفساد مما يتطلب جموع المؤسسات والفئات المجتمعية المختلفة بالوقوف الحاسم أمام كل صور الفساد الذي لن ينتهي إلا بالمشاركة الفاعلة في القضاء عليها من أجل بناء عراقنا الحديث، مع الاعتماد على استراتيجية تقويم المفسدين ومحاصرتهم وإغلاق كل الأبواب أمام محاولات إفسادالاخرين، ومنع من يريد العبث بمصالح الوطن كأفراد ومؤسسات يتطلب وضع الاطر التشريعية الحازمة لجرائم الفساد ومعاقبة مرتكبيه ما يستلزم وجود نظام إجرائي فعال ومتكامل لملاحقة المتهمين ومحاكمتهم واسترداد عوائد نشاطهم الإجرامي مما تطلب بالدراسة بيان أهمية الملاحقة الإجرائية من خلال بيان دور هيئة النزاهة في التحقيق في تلك الجرائم وكل ما يتعلق بالفساد الإداري والمالي وهذه الجرائم المرتكبة.

بلا شك فأن الاستفادة كثيراً من منظومة الفساد، تعرقل جهود الهيئات والجهود الوطنية لمحاربة الفساد، إضافة إلى عرقلة إقرار القوانين في مجلس النواب من قبل الكتل السياسية المتمثلة فيه ، فكان بالإمكان دعم إمكانات الهيئات الدستورية لمحاربة الفساد في تقديم الادلة الجنائية للبت في القضايا بصورة شفافة وحتى اعضاء مجلس النواب الذين تثار عليهم من شبهات لرفع الحصنة المؤقتة عليهم لحين انتهاء التحقيق بسبب المساومات وأيضاً نقص في الإمكانية اللوجستية والبشرية ،ناهيك عن السياسات الاقتصادية الفاشلة للحكومات المتعاقبة التي وضعت خططا اقتصادية بعشوائية لا تعتمد على القدرات الاقتصادية الرصينة ، وإنما عن طريق الأحزاب ورجال الأعمال الموالين لها للعبث بمقدرات البلد .

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

المصدر