قراءة في المجموعة القصصية ( في الوقت الضائع ) للاديب الدكتور صالح الرزوق

243

يتميز الابداع الاديب بالنشاط الدؤوب والحثيث في المثابرة والجهد في جوانب متعددة من الموهبة الاصيلة في اصناف الادب ( النقد والترجمة ) ويداوم على حضوره المرموق في الساحة الادبية والثقافية , كعنصر فعال في عطائه الثر , بما يملك من ثقافة واسعة يوظفها في روائعه الادبية, ويركز على التحليل النقدي الموضوعي في الابداعات السردية ( القصة والرواية ) . ويقدم لنا في براعة هذه المجموعة القصصية ( في الوقت الضائع ) , يحاول من خلالها ان يوغل في منصات الواقع الملتهبة والحساسة والطافحة على المكشوف , ان يضع بصماته الكاشفة في عقلية المجتمع وسلوكيته في الماضي والحاضر . في مختلف اشكال السرد في تقنياته ومكوناته , سواء جاءت عن طريق في شكل مذكرات يومية لطالب الدراسة في المجتمع الغربي , في محاولة لكشف صيغة العلاقة بين المجتمع الشرقي والغربي , ونلمس الجانب السلبي من الاول , في نقل الامراض الاجتماعية في المجتمعات الشرقية ونقلها الى الجانب الغربي , من خلال وجود الجاليات العربية التي تدرس في المجتمع الغربي , والتي تنقل عيوبها وسلوكها السلبي تجاه الحضارة الاوربية , في الفشل والعجز في التكيف والانسجام مع المجتمع الغربي , بما يسبب لها ان تبقى علاقة هامشية وسطحية , بين العقلية العربية والعقلية الغربية, وفي ابراز عيوب هذه العلاقة غير المنسجمة وغير المتكيفة . وايضاً من خلال وجود الطالب وهو الشخصية المحورية الساردة في النص القص في القصة ( بحثاعن ميشيل فوكو ) . في سعيه في البحث في العثور على ارشيفية الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) . كوسيلة في الدخول في تفاصيل الاحداث , التي تبرز شكل العلاقة الهامشية مع المجتمع الغربي , ينقلها الدارس والطالب . ويستخدم الحدث السردي الشخصية المحورية الساردة , في انطاق الاحداث اليومية . وكذلك في تفاصيل علاقاته الشخصية مع صديقته ( اليزابيث ) في الدخول في تفاصيل هذه العلاقة السلبية في النكوص في التكيف , وتعليل هذه العلاقة في نقصان شهاة الاعتراف بالخطأ , بأن نضع اللوم على المجتمع الغربي ولكن ( تعزونا الشهادة لكي نلتفت الى أنفسنا للتفتيش عن جذور هذه المنغصات ) .
او في حالة استخدام وتوظيف المورث التاريخي للعصر عشية نهاية الانهيار الدولة العباسية , من خلال سرد احداث القصة الثانية ( على خط النهاية ) يكشف من خلال منصات احداثها , الالية التي حفرت في انهيار هذه الدولة من الداخل من النخبة الحاكمة على ادارة شؤن البلاد , والتي انشغلت في صراعاته الداخلية في الاستيلاء والاستحواذ على الامارات والنفوذ والمنصب والمال , وعدم القدرة في احتواء هذه الصراعات والنزاعات , في توزيع الحصص والنفوذ , داخل المناطق وحتى داخل الاحياء الواحدة , بين مراكز القوى الحاكمة . يتناولها في شفافية السرد الممتع الذي يشد القارئ , لكنها تملك عمق فكري عميق في واقعنا العربي الحالي . ان المجموعة القصصية ( في الوقت الضائع ) تحتوي على قصتين , وهي :
1 – قصة ( بحثا عن ميشيل فوكو ) :
الشخصية المحورية الساردة للحدث . وهو طالب يحاول ان يحصل على ارشيف مخطوطات الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) وينخرط في البحث عن الارشيف ويواجه صعوبات وعراقيل في البحث , كأنها رحلة المتاعب والارهاق , وبالتالي بعد عدة محاولات فاشلة يرجع في خفي حين , ومن خلال سعيه للحصول على الارشيف المذكور . يسلط الضوء على علاقة الجاليات العربية بالمجتمع الغربي , وشكل ونوع هذه العلاقة التي تتميز بالخيبة والاحباط , في التكيف والانسجام مع المجتمع الغربي . وتظهر بكل وضوح العقلية التي تنتمي الى العالم المتخلف , او بالاحرى العالم الثالث . بأن يتخللها العيوب والثغرات والنواقص . لذلك تبقى علاقة هامشية من خلال ما يتوارد من اخبار من الجاليات العربية , عبر الوسيط الطالب السوداني الذي يمازحه بأن السودان سلة غذاء العالم . وكذلك العلاقات الاجتماعية مع الرجال والنساء, يعتريها جملة عيوب وسلبيات . وتندرج هذه العلاقات الجافة مع الشخصية المحورية في المتن السردي مع صديقته ( اليزابيث ) يشوبها الفتور والسطحية في العلاقة ( أيا كان الامر , أن علاقتي بالزابيث سطحية , وحتى لا اعلم ماهو اسمها الثاني , وحين أسأل عنها أشير لها بأسم الانسة اليزابيث فقط ) . اي ان هناك برود وشحوب في العلاقة السلوكية وهي صورة من علاقات الجاليات العربية مع النساء . تتميز بالهامشية , حتى في العلاقة الرومانسية . رغم بساطة اليزابيث ( لم تكن اليزابيث تنتمي لعالم الرفاهية , الذي لا ينقصه وسائل الراحة , كانت قريبة من دائرتنا , نحن ابناء العالم الثالث , ايتام هذا العصر الجاف المفترس , لقد كانت لديها عواطف رومنسية , لم تلوثها الصناعة والمادة , أو دورة رأس المال , كانت معتدلة في الانفاق على ملذاتها , مع ذلك هي ليست دفتراً مفتوحاً , أو بيتاً من غير ابواب ونوافذه مشرعة , كما هو شأننا ) .
واخيرً لم يحصل على ارشيف الفيلسوف , كأنه يركض وراء سراب غودو , فلم يتمالك انفاسه الحانقة , إلا باللعنة .
2 – قصة ( على خط النهاية ) :
محاولة الغوص في الموروث التاريخي لنهاية عصر الدولة العباسية . كيف ألت الامور الى السقوط والانهيار , والفوضى في ادارة شؤون البلاد بتعدد مراكز القوى والنفوذ داخل النخبة الحاكمة والمتسلطة بين جماعتين , جماعة البصاصين وجماعة رجال العسس . بينهم من صراعات متنازعة على النفوذ والمال وتوزيع حصص المناصب , والمناطق والامارات , وحتى النزاعات المتصارعة على النفوذ داخل الاحياء . وكل منهما يدعي انه يؤدي فروض الطاعة للسلطان ويحفظ العهد والامانة وهو الامين المأمون على خدمة السلطان والرعية , ولكن كلاً منهما يحفر في الهدم والانهيار الدولة والملك والسلطنة , وكلاً منهما يملك استقلالية وشريعة وفتاوى خاصة يسير عليها . ولكن تأجيج هذه الصراعات تصل الى المعارك , وتمتلئ السيوف بالدماء , من اجل الاستيلاء والاستحواذ على الامارات , وهو ما يدل العطش الى النفوذ والمنصب . بعيداً عن الرعاية واحوال الناس . هذه السلبيات بتنازع على مراكز القوى والنفوذ داخل النخبة الحاكمة , تنعكس سلباً على الاحوال المعيشية للناس والفقراء . مما يزيد حالات تراكم التمرد والرفض , بوضع حواجز امام ديمومة الحياة وتقود الى المتاهة ( وتعمد ان يدخل في متاهة في الدروب الخلفية , حيث توجد بيوت الفقراء , انها دور كئيبة , ولا يتطاير فيها دخان الطعام , وبينها في الفراغات اشجار نخيل لا تثمر لانها مذكرة ) , والشخصية المحورية الساردة . كان يزمع البحث عن سكن ابو زيد البسطامي , و ويتحرك في الرصد من الكشف في عيوب السلطة والنخبة الحاكمة , التي تتحكم بها مصالحها الذاتية الجشعة . وكلا الجماعتين , جماعة البصاصين وجماعة ورجال العسس , كل منهما يسكب الزيت والنار على الاخر . في المناوشات والمنازعات حتى الاقتتال بالسيوف والدماء ( وكانت هناك مناوشات بين فريقين , وشاهد بعض السيوف تقطر بالدم , ثم ألتقى برهط يفرزون الاموات , لم يستطع ان يعرف ماهو المعيار , لكن لاحظ ان جميع الجثث , نسخة واحدة من القسمات ) . هذه الفوضى من الصراعات حتى لا يعود المقاتلين الى ديارهم , ولا يحبذون الصلح والتفاهم بينهم , وبذلك لم يجد ما يسعى اليه الشخصية المحورية من المخطوطات المكتوبة والتي اكتشفها , كأنها كنز ثمين , عشية انهيار الدولة العباسية , التي انشغلت بالصرعات الداخلية للنخبة الحاكمة .
جمعة عبداللهالمصدر