عندما لا نميز بين.. الجمرة والتمرة
محمد جواد الميالي
الجهل الفكري دائماً ما يخلق ضبابية وعدم أتزان في مكنون النفس البشرية، مما يجعلها سهلة الأنقياد لمقصلة الجزار، وتكون مشتتة في الأختيار، فتجدها لا تميز بين الجمرة والتمرة، ولا تفقه في أدنى الأمور فضلاً عن أعلاها، لذلك الشعوب التي تعاني من أنحدار الثقافة الوطنية والسياسية، دائماً ماتكون عرضة للأطماع الدولية..
مثال ذلك ما يحدث في ذاكرة الوعي العراقي، وتناسبه الطردي مع مكونات مجتمعنا من تعددية دينية وتنوع الأقلية، حيث يمتازان بالأختلاف وتشعب الأيدلوجيات، وأحتوائهما على عدة أذواق فكرية، فهي تناسب كل ما يرغب به الطامع بخيرات البلاد، وكل تلك الأمور تصب في مصلحة المحتل، لأن من أهم مواصفات المواطن العراقي، هي سهولة التأثير به، وتغيب الوعي لديه، ليكون أداة طيعة بيد الأجندات الخارجية، ويكون موجه نحو الهدف المنشود، وربما نُعتبر من الشعوب الجاذبة للأستعمار الفكري، والطارد للأفكار البناءة، وهذا هو ما جنيناه من حكم خمسة وثلاثين عاما من فكر البعث الفاسد، الذي كان كسرطان في جسد المجتمع..
هذا الإختلاف يكمن في كون المجتمع يحوي كل المواصفات، التي تؤهله ليكون أسهل الجماهير، التي تقع تحت تأثير الأعلام، وتكون مسيرة بقانون الفوضى الخلاقة.. حيث أنه ينقسم إلى ثلاث أنواع وكالتالي:
الأول هو الجمهور السياسي الذي ينقسم إلى إسلامي، ليبرالي، مدني وشيوعي، وكل فئة تقدس شخصية في الطبقة الحاكمة، وتعتبرها هي الأمل في إنقاذ العراق، وبريئة من الفساد الذي نخر أروقة الدولة، كبراءة الذئب من دم يوسف، ويتكاثرون دائماً في مواقع التواصل الإجتماعي، الذي يعتبر متنفسهم الوحيد، ومكانهم المفضل لعبادة خطوطهم الحمراء.. وهم أغلبية لها التأثير الفاصل في كل أنتخابات، وأصابعهم البنفسجية هي الشريك الأكبر في هذا الخراب..
النوع الثاني هم جمهور الشباب غير المؤدلج “قبل” الأحتجاجات، فما قبلها ليس كما بعدها.. فمن كان لا ينتمي وخرج يتظاهر من أجل الوطن فقط،اليوم أصبح يبحث عن التمثيل السياسي في قبة البرلمان، وتمت أدلجته بنجاح لجهة معينة، كانت تمثل نسبة صغيرة في الحكومات السابقة، وشريكة في الفساد، واليوم هي تستغل تغييب الوعي لبعض شباب الساحات، ليكونوا جمهورها في الأنتخابات القادمة، لكن المحصلة واحدة، تتبع المثل الذي يقول “نفس الطاس ونفس الحمام” والدليل أن الساحات التي ترفض تعددية الأحزاب، لديها لهذه اللحظة خمسة عشر كيان سياسي من ثنايا الخيم سيدخل معترك الإنتخابات!
أما الأخير فهم المستقلون، وهم شبه منعدمون، وسط هذا الكم الهائل من تخبط وتبعية الأحزاب، وأجندات السفارات، هؤلاء الذين لا يمكن أن يؤثروا في معادلة التغيير، لأن الديمقراطية تعتمد على رأي الأغلبية، وللأسف الأغلبية العظمى اليوم مسيرة خلف أبواق ومنصات إعلامية، أحداها ترسم لهم أن أنقاذ الوطن في حرق الإطارات، و أخرى تفسره لهم بأنه في السلاح المنفلت، وهم ضحية في بلد تكثر به القنوات اللامهنية..
هذه مواصفات المواطن العراقي التي تتشابه مع طبق بيتزا إيطالي، في تعدد المكونات واختلاف الأذواق، وربما لا حل لها أبدا..
الأنتخابات القادمة ستثبت أن فوضى هذه السنتين، لم ترفع من نسبة الوعي إطلاقا، بل رسخت فكرة تعددية الأحزاب، وسيكون للأخير ربما حصة الأسد في الانتخابات المبكرة..