صدى الطفّ بين صحراء كربلاء ووسائل الاعلام العالمية

849

جواد كاظم الخالصي

لم يكن النقل الاعلامي ولا وسائله المتعددة بحداثتها كما هو معهود اليوم متواجدا على ارض كربلاء الساحة الشاهدة تاريخيا على ثورة وقعت فوق رمالها وفِي صحرائها القفراء مزجت بين طيات حبات الرمل فيها حكايات موجعة بالالم الذي خلفته بعد ان هدأت سيوف المعارك التي رُفعت عاليا بوجه هذه الثورة المعطاءة الخالدة والانسانية بكل ابعادها وقيمها وما حوته من ثقافات هي مدرسة للحياة يتعلم منها كل الاجيال وكل حاكم عادل او مستبد ليُصلح شأنه ويتعلم منها الرعية كيف يأخذوا حقوقهم بالصبر والتجلّد والثبات ..
انها ثورة الامام الحسين ع الخالدة في تقويم دين جده النبي محمد ص الذي اخذ بالانحراف نتيجة أفعال وتصرفات من نزى على كرسي خلافة المسلمين غصبا من قبل يزيد وابيه معاوية ومن هنا كان موقف الكلمة صارم كلمة الحق ونصرة الدين الاسلامي وعدم وصوله الى الانحدار الكامل وبالتالي اندثار معالم هذا الدين الحنيف الذي جاء به جده رسول الله محمد ص .
إستلّ القوم سيوفهم الناقمة على حفيد رسول الله واهل بيته واصحابه القلة لتبرق بشعاع الحقد الاموي على آل بيت الرسول وتوغل قتلا بهم باراقة دمائهم وقد كانت تلك الملحمة الحسينية الثورة المتوهجة والصرخة الكبرى بوجه الظالمين يقودها الامان الحسين ع بكل قدرة ودراية وحنكة سياسية تعبّر عن فهم حقيقي لارادة الامة ومشروعها في بناء حكومة عادلة وانسانية تهتم بالجميع دون التسلط على رقاب الناس ،
في هذه الصحراء القافرة لم يكن هناك اعلام او اي وسيلة اعلامية توصل تلك الرسالة الخالدة والنقية الى البشر ليسمعها العالم بكل اتجاهاتهم ومعتقداتهم حتى يتعاطف مع كل ما وقع من انتهاك للانسانية في هذه المعارك التي خاضتها جيوش الكفر والجبروت والفسق والفجور التي جهزها يزيد واعوانه من شذاذ الافاق، لم يكن غير صوت الامام الحسين ع في الافاق يضج مسامع المتخاذلين عن نصرته بل جاؤوا لقتاله وسبي عياله تأمرهم دولة اموية مترامية الاطراف وكبيرة لها السيطرة بقوة السيف والجبروت والباطل على كل الولايات في الجزيرة العربية، والى جانب صوت الامام كان الصوت الاعلامي الصادح والذي أوصل الينا والى العالم تلك المأساة وما حصل فيها هو صوت السيدة زينب ع اخت الامام الحسين ع ومعها صوت ابن اخيها الامام علي ابن الحسين زين العابدين رغم علته ومرضه الذي اقعده حيث بقي صوته صادحا بتثقيف الامة التي سيطر على عقولها منهج بني أمية وتضليلهم حتى ينطلق بعد ذلك الصوت الهادر لتلك الثورة العملاقة والعميقة في الاهداف.
ومن هناك بين غبار الصحراء وذرات رماله ارتفع صوت الثورة في كل المدن والقصبات التي مر بها موكب السبايا وكأننا أمام وسائل اعلامية متطورة تنتقل مع الحدث تصل الى كل بيت وعموم الناس وهو ما ارداته السيدة زينب ع النجاح في ترسيخ رجع الصدى لتلك الثورة وهذا ما تعتمد عليه علوم السياسة رجع الصدى الجماهيري فمتى ما تحقق ذلك فنحن امام نجاح كبير في الجانب الاعلامي لأي حدث يخص عموم المجتمعات وهنا أجزم ان الانتقالة الكبيرة في ترسيخ الوعي العام عند الناس قد نجح فيما لو نظرنا الى ما نحن عليه اليوم من هذا الامتداد العالمي الغير المسبوق لتلك الثورة والتي اصبح تأثيرها كبيرا على مدى قرون من الزمن وهي تتوهج ولن تنطفئ معالمها بل في ازدياد كبير حتى باتت اليوم تهدد عروش الجبابرة ويتخوفون من شعارات ثورة الامام الحسين ع وكأننا نعود الى العسكرة في مواجهة الحسين من جديد من قبل بعض الحكام الطغاة وعندما ارى هذا التعاطف الكبير مع واقعة كربلاء او معركة الطف من قبل الاديان والقوميات الاخرى غير الاسلامية فذلك يعني ان الهدف من ثورة الامام الحسين ع قد تحقق من ثبات روحية الاسلام المحمدي الاصيل وقيَمهِ وكذلك التثبت من انسانية الاسلام مع كل الاديان السماوية الاخرى ، بفعل المنهج الاعلامي الذي قامت به زينب ع وعلى المخالفين النواصب الذين يحملون في دواخلهم حقدا وكرها على الامام الحسين واهل البيت أن يتوقفوا قليلا ليتأملوا هذا الانتشار الواسع لنتائج ثورة الامام الحسين ع الذي تبثه وسائل الاعلام بشكل مباشر وآني في كل بقعة من بقاع الارض حيث يدلل ذلك على عالمية ثورة الإباء والتحدي والموقف والاصلاح ولو لم تكن لهذه الثورة مصداقية لما تعمقت في نفوس المجتمعات على مستوى العالم وما كنّا سنشاهد نجاح مساعي الاعلام الذي قادته العقيلة زينب ع بكل جدارة.

المصدر