حتى نهار امس، تكون مرت 3 ايام لم تسجل فيها هجمات ضد المصالح الاجنبية او معسكرات في العراق، كالتي تتبناها مؤخرا جماعات مسلحة، ترفع شعار “المقاومة”. هو امر نادر الحدوث، فمنذ حزيران الماضي على الاقل، بدأ معدل الهجمات ضد المنشآت الحساسة في البلاد، يتصاعد بشكل يومي او شبه يومي، واحيانا اكثر من هجوم في يوم واحد.
وتتزامن تلك الاحداث مع تغييرات في مواقف القوى الشيعية، وادانات واسعة ضد استهداف البعثات الدبلوماسية، سبقها تبدل في موقف طهران بهذا الخصوص.
ويقول مصدر سياسي مطلع لـ(المدى) ان “هناك تهديدا داخليا وخارجيا ضد تلك الجماعات التي تستهدف البعثات الدبلوماسية والسفارة الاميركية، وهو ما تسبب بتبدل تلك المواقف”.
وتسربت خلال اليومين الماضيين، أنباء عن وصول رسالة من وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى القوى الشيعية في العراق، مفادها بان واشنطن “ستغلق” سفارتها في العراق إذا استمرت الهجمات، وستقوم هي بمعالجة الأهداف المشتبه في تورطها باستهداف مراكز القوى الدولية.
ويضيف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: “الجميع سيكون في خطر حتى سفارة طهران ودول اخرى اذا رفعت الولايات المتحدة يدها عن العراق. لا ننسى ان هناك جماعات مسلحة متعددة في العراق، وداعش مازال نشطًا في بعض المناطق”.
البداية من النجف
وبدأت التغيرات في المواقف منذ اكثر من اسبوع، حين أعلن المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، دعمه لخطوات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لفرض هيبة الدولة، بعد محاولة للكاظمي لم تنجح في تحييد عناصر مسلحة متهمة باستهداف المنطقة الخضراء عرفت حينها بـ”خلية الدورة” نهاية حزيران الماضي.
وقال بيان صادر عن مكتب المرجع الديني، بعد لقائه ممثلة الأمم المتحدة، جنين بلاسخارت، بمدينة النجف منتصف ايلول الحالي، إن “الحكومة الراهنة مدعوة إلى (..) فرض هيبة الدولة، وسحب السلاح غير المرخص فيه، وعدم السماح بتقسيم مناطق من البلد إلى مقاطعات تتحكم بها مجاميع معينة بقوة السلاح، تحت عناوين مختلفة.” وكانت “عملية الدورة” التي انتهت باطلاق سراح جميع المعتقلين الـ12 التابعين لكتائب حزب الله، بعد 5 ايام من الاعتقال – باستثناء شخص واحد قالت الحكومة بانه المتهم الرئيس – قد زادت من العداوة بين الكاظمي والفصائل المسلحة، حيث احرق المفرج عنهم صور رئيس الحكومة ووقفوا بأحذيتهم عليها، داخل مقر لكتائب حزب الله في بغداد.
عودة الصدر
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بدوره عاد الى التغريد على “تويتر”، عقب تلك الاحداث، بعد انقطاع لفترة طويلة تزامن مع تراجع الاحتجاجات بسبب انتشار وباء “كورونا” منذ آذار الماضي. وكتب قبل اسبوع على صفحته في تويتر: “لا أجد مصلحة من إدخال العراق في نفق مظلم، وفي أتون العنف، ولا أجد من المصلحة استهداف المقرات الثقافية والدبلوماسية”.
وجرى ذلك عقب استهداف معهد لتعليم اللغة الانكليزية في حي الغدير بمحافظة النجف بعبوة ناسفة يحمل اسم “المعهد الاميركي”.
وقبل ذلك بيوم كشفت وسائل اعلام غربية، عن استهداف عجلة تابعة للسفارة البريطانية في بغداد، بعبوة ناسفة في حي القادسية القريب من المنطقة الخضراء، وسط العاصمة.
موقف إيراني نادر
المنعطف الآخر في الاحداث، هو بيان نادر للخارجية الايرانية وسط تلك الاحداث، دان فيه استهداف البعثات الدبلوماسية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية سعيد خطيب، الجمعة ما قبل الماضية، إن طهران “تندد وتستنكر استهداف أي من البعثات الدبلوماسية في بغداد”. ورجح سياسيون مطلعون لـ(المدى) قبل نحو اسبوعين، ان توجه واشنطن “ضربة قاضية” وشيكة، لمجموعة من الفصائل المسلحة التي تستهدف السفارة والمصالح الاميركية في العراق. احمد الاسدي، القيادي في كتلة الفتح، قال لـ(المدى) تعليقا على استهداف البعثات الدبلوماسية ان “القوى الشيعية والفعاليات الدينية ترى ان هيبة الدولة تحفظ بسلامة الهيئات الدبلوماسية الرسمية”.
واضاف ان رفض تلك الجهات لضرب السفارات “امر ليس جديدا، ودائما ما تؤكد القوى السياسية على حماية البعثات”. وكان تحالف الفتح، قد دان الخميس الماضي، استهداف البعثات الدبلوماسية في البلاد وما تتعرض له من تهديدات.
واعتبر التحالف في بيان له، أن هذه الاعمال “إضعاف للدولة وضرب لهيبتها وهو أمر مرفوض ويؤدي إلى نتائج خطيرة”.
وجاء موقف التحالف عقب تغريدة ثانية للصدر، مخاطبًا فيها الحشد الشعبي، باخذ اجراءات اوسع للتصدي لعمليات القصف والاغتيالات من قبل منتمين الى “الحشد”.
وكتب الصدر على صفحته في (تويتر)، الاربعاء الماضي، “لا بد لكم من السعي بالحكمة (..) إلى إنهاء جعل العراق ساحة لصراع الآخرين…”، قبل ان ينشر تغريدة اخرى الجمعة، طالب فيها بتشكيل “لجنة امنية” للتحقيق باستهداف البعثات الاجنبية.
بالمقابل رد الكاظمي، على “تغريدة الصدر”، وكتب على (تويتر) قائلا ان “تحالف الفساد والسلاح المنفلت لا مكان له في العراق”.
واكد رئيس الوزراء انه “يدعم مقترحات الصدر” في تشكيل لجنة امنية للتحقيق بتلك الحوادث.
تبدل المواقف
الكاظمي كان، قد اعفى الخميس الماضي، اثنين من قادة الحشد، وهما حامد الجزائري نائب رئيس سرايا الخرساني، ووعد قدو رئيس “لواء الشبك” في سهل نينوى، وهما فصيلان ضمن الحشد الشعبي.
وقدو والجزائري، متهمان من قبل الولايات المتحدة وناشطين، بالتورط باعمال عنف ضد الاقليات في الموصل ومحتجي انتفاضة تشرين.
ومنذ الثلاثاء الماضي، وحتى بعد منتصف نهار امس السبت، لم تعلن اي جهة عن القيام بعملية مسلحة ضد مواقع التحالف الدولي، او ضرب الارتال على الطرق السريعة، على الرغم من ترويج منصات تابعة لتلك الجماعات التي تتبنى هجمات بصواريخ “الكاتيوشا”، عن عمليات وشيكة.
وشنت تلك المواقع التي يبدو من خطابها بانها تدار من جهة واحدة، حملة ضد تغريدات الصدر، فيما لم تنتقد تحالف الفتح، وعصائب اهل الحق، وهيئة الحشد الشعبي، التي انضمت ايضا الى مجموعة “رافضي استهداف السفارات”.
من جهته اعتبر اثيل النجيفي، القيادي في جبهة الانقاذ والتنمية، ان ما جرى من تبدل بمواقف القوى السياسية هو “امر يحسب لصالح رئيس الوزراء”.
وقال النجيفي لـ(المدى): “منذ استلام الكاظمي لمنصب رئاسة الوزراء وهو في صراع مع القوى والفصائل للاندماج في الدولة”، مشيرا الى ان تبدل المواقف “يدل على ان الكاظمي نجح في اقناعهم”.