الْحُزْن الْخَفِيّ . . . !

122

د .نيرمين ماجد البورنو

أشد وأصعب أنواع الوجع” الحزن الخفي” الذي تتجرعه الأرواح رويدا رويدا, فيضطر حينها الى الابتسام وعدم الافصاح عما يؤلمه ويكتفي بقول أنا بخير ولا أعلم سبب حزني ولكن بداخله نار ملتهبة وبركان ثائر وبنيان محطم ومشاعر كالجمر ووسادة يحتضنها آخر الليل وأمواج من الدموع تنهال لتريحه من لباس القناع المصطنع الذي يرتديه أمام الناس ليخفي ويكتم به حزنه لكي ليستعد للصمود والعيش لليوم الذي يليه لأنه يدرك أن الألم أكبر من أي دموع ووصف وتفسير ولأن الحزن يقصم روحه ويجعلها هشة محترقة كالرماد, فلماذا نختزل الحزن في أعمق مكان بالقلب والروح ونبكي بصمت وندعي أننا بخير؟ والسعادة نجعلها سطحيةّ…!
للحياة تقلبات كثيرة ولكن كم نحن سيئون بحق أنفسنا عندما نكتم الوجع بقلوبنا ونبتسم, وكم هو مؤلم أن تنهار وتشعر بالضياع من الداخل وتبقي روحا تستنزف وتحولها الى مقبرة واسعة لكل فقد ووجع وانكسار, وتشعر رغم الموت فتبتسم للجميع وتضيع باقي عمرك تجلس مع نفسك تحاكيها ولا تجدها, كثير منا يردد هذه الكلمات “أتمني أن أتحدث مع شخص مجهول لا يعرفني ولا أعرفه وأخبره بكل حزن ينهش روحي وبكل سر أكتمه في حياتي ثم أتركه وأرحل”.
يجب أن نعي أن الخسارة والفقد في الحياة لا تنحصر في الموت فقط بل تتسع لتشمل فقدان الصديق والحبيب والحلم والحيوان الأليف الذي تربيه, فالحزن هنا استجابة طبيعية, لقد أفادت الخبيرة النفسية كريستينا وود أن ” لحظة الحزن تمثل فرصة مثالية للغاية للتفكير في الأخطاء التي أرتكبها الشخص وكيف كان مسؤولا عما حدث” ويمكن أن يمهد الحزن طريقا للتحسن والتقدم, لان الحياة ليست وردية وجميلة دوما كما نتصورها بأحلامنا وخيالتنا فتلك سنة الحياة, وأورد الكاتب الأمريكي جوكورت في تقرير نشره بمجلة سيكولوجي عن متطلبات تتعلق بالحزن الصحي حددها عالم النفس وليام ووردن في كتابه “علاج الحزن وإرشاد الحزن.. دليل لممارسي الصحة العقلية”, ويعمل نموذج ووردن على تمكين الأشخاص الذي يمرون بفترة حزن من المشاركة بنشاط في أربعة متطلبات، لمساعدتهم على قبول الخسارة والتكيف مع الحياة من خلال: قبول واقع الخسارة, وتجربة ألم الحزن, و التكيف مع فقدان أحد الأحباء وأخيرا صلة “الميت” أثناء الشروع بحياة جديدة, في الحقيقة لا يخلو الحزن من الجوانب المشرقة في الحياة بل أن الكثير من الخسائر والمعاناة تعمّق الشخص وتصقل شخصيته وتجعله أكثر وعيا وعقلانية في التعامل مع الصعاب, فالحزن إذن يعلمنا أن نغير زاوية الرؤية باستمرار, فالإنسان القوي لا ينتظر أيدي تمد له لتساعده لينهض ولا ينتظر العون من أحد ليسند ولا يتوقع شيئا من أحد أنه يمشي في طريقة يعرف مساره جيدا ويعرف نقطة البداية والنهاية.
الحياة مدرسة وفلسفة متكاملة, والحزن أيضا قائم على نظام فلسفي يولد فينا ليطهرنا, وهذا النظام الفلسفي يصنع فلسفة للصمود أمام الألم والألم ضروري للصمود والتحدي, فكل شعور إنساني اذا تحول الى فكر صار فلسفة والحزن اذا تطور صار فلسفة, أنا لست ضد الحزن لكني ضد الحزن القابع وسط الروح الذي يتحول الى محرقة وبركان ونار ملتهبة لأنه حينها سنقضي عمرنا بالبحث عن المحرقة فلا فائدة اذن من التستر والاختباء خلف القلاع وفوق السحاب ونحن نعيش على الأرض, ولا فائدة من الجمال إذا كان قائمًا على المكياج والتلون لأنه قناع عرض زائل سيسقط عاجلا ولسنا بحاجة لنسخ مكررة, فالجمال الحقيقي هو جوهر الروح وأصالتها حتى بالحزن, نحن نحتاج إلى مشاعر الحزن كي نكتشف هذا الجوهر, ولكي نحول الحزن الى قوة دافعة للإبداع والتألق.
الحزن متلازم وموجود في كل زاوية في زوايا الروح, لذا كثير من الناس يسيطر عليهم شعور الحزن ويسيطر على جوارحهم, ربما لكثرة الهموم التي واجهتهم في حياتهم وأوجعت قلوبهم وصنعت منهم أناس كئيبين يشتهون الموت للهروب من الحزن والفقد والألم , وأصبح أقصي أحلامهم الابتعاد عن الناس وعن صعاب الحياة بحلوها ومرها حتى يستريحون من عذاب الحزن ولكي يتسترون من وجوه ونظرات الشفقة لهم من الناس المحيطون بهم ولربما بسبب كثرة الطعنات التي أصابتهم فكسرت قلوبهم ونهشت أرواحهم, وللأسف الناس لا تحترم الخصوصية لأناس لا يملكون الا الصمت حتى بالحزن المبتسم الصامت بل تتعدي وتخترق وتتجاوز الخطوط الحمراء, لذا تخلص من حزنك بنفسك وستجد كل شيء حينها أصبح أفضل وأبهي وتحدث مع أصدقائك الصادقين وليس المتثعلبين المتلونين منهم, وقم برياضة تحبها تعمل على تحسين مزاجك وغني وقم بأشياء جنونية تجعلك تفرح وتنسي همومك وحزنك وقم بأي هواية تحبها مثل الرسم أو كتابة الشعر, أو أكتب كل شيء يشعرك بالحزن في ورقة وعندما تنتهي من الكتابة احرقها وتخلص منها أو قم بتسجيل مقطع صوتي تتحدث فيه عن كل أوجاعك وأحزانك وبعد الانتهاء قم بحذف المقطع , أو تحدث مع البحر ومع نفسك وفضفض وأرم همومك الثقيلة لتشعر بالتحسن والراحة الشديدة, فالهموم تحصر المرء في زاوية واحدة، وفي محيط واحد, فالإنسان طبيب نفسه, وأعلم أن الحياة لا ولن تقف أبدا على غضب ولا حزن أحد, لذا أحب الحياة وأبتسم ابتسامة حقيقية لنفسك لأنك تستحق الحياة وتعلم وصاحب الذين يصنعون من نور المشكاة فرحا كبيرا ومن يتغافلون عن الحزن الطفيف ومن يحمدون الله كثيرا, وتعلم من أهل العقل والحكمة والصبر كيف خاضوا معارك وحروب طاحنة في حياتهم مع بحر الهموم والأحزان وكيف هزموها فلانت لهم الصعاب وأشرقت الحياة, إنك لن تعيش الا مرة واحدة في الحياة فلا تحزن وأصنع من الفقد والحزن مجد فلا تخطيء وأمض نحو الهدف, وأعلم أن نقاء قلبك لا يليق بخراب ذلك العالم ,لذا تمسك بالقلب القوي الناصع البياض ولا تسمح لسواد القلوب بأن تلوثك, وابتسم فلا أحد يستحق أن تغير ملامحك الجميلة والبريئة لأجله.

المصدر