الدولة العراقية والاختفاء القسري

362

حميد مراد

يتناول المجتمع العراقي ومؤسساته الوطنية والمنظومة الدولية بقلق كبير ملف الاختفاء القسري في العراق ومنذ سنوات طويلة لخطورته على حياة الفرد والعائلة والحريات العامة للمواطنين، لكن المصالح الشخصية والحزبية تدفعهم الى ارتكاب الانتهاكات الجسيمة من اجل السيطرة على زمام الامور في الدولة، رغم النصوص الدستورية الثمانية المعمولة بها في البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية، وميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وخاصة ً الاعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم لسنة 1992، التي تفرض على جميع الدول الالتزام بتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ويطالب بان ” لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري ” .. كما تدعو الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006 التي تحدد وتعرف الاختفاء القسري على انه يتم اختطاف شخص ما أو سجنه من قبل دولة أو منظمة سياسية أو من قبل طرف ثالث بتفويض أو دعم أو موافقة من دولة أو منظمة سياسية، يتبعه من خلال رفض الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، بقصد وضع الضحية خارج نطاق حماية القانون “.
ان جريمة الاختفاء القسري تعتبر من الجرائم التي يحددها القانون الدولي، بأنها جريمة ضد الإنسانية، وتمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويتطلب تحشيد كافة الوسائل من اجل عدم إفلات مرتكبي جريمة الاختفاء القسري من العقاب، وحق الضحايا في العدالة والتعويض.
وفي العراق اصبح موضوع الاعتقالات والتغيب سلوك يومي من اجل بث الخوف والرعب في صفوف المواطنين وكان هذا السلوك له ابعاده القومية والدينية والمذهبية والحزبية والفكرية، وقد نفذ ضد مئات الآلاف من النساء والاطفال والشباب وكبار السن ممن عارضوا رئس السلطة او الحزب الحاكم، او نهج الحكومة، وكانت من اصعب المراحل في هذا المجال على العراقيين .. والتي انقسمت الى خمس مراحل عبر تاريخه المعاصر :-
– المرحلة الاولى:
بدأت عمليات القتل في العهد الملكي بعد مجزرة سميل عام 1933، واخذت الجرائم طريقها بالتصاعد ضد العسكريين والمدنيين والسياسيين.
– والمرحلة الثانية:
جاءت بعد اعلان الجمهورية عام 1958 مورست عمليات السحل والقتل بحق العراقيين وكانت ابرزها ما حدث في قصر الرحاب واحداث الموصل وكركوك.
– والمرحلة الثالثة:
عقب انقلاب 8/شباط من عام 1963 لغاية شهر تشرين من العام نفسه، قوات الحرس القومي تطارد المعارضين، ويقومون باعتقالاتهم وتعذيبهم وتصفيتهم في ممارسة غريبة وجديدة على الساحة السياسية، وتعتبر الانطلاق الاولى لعمليات الاختفاء القسري في العراق.
– والمرحلة الرابعة:
من عام 1968 ولغاية 2003 .. كانت الثقافة العامة ونهج السلطات في هذه المرحلة هي الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والاعدامات الجماعية والفردية والتغيب التام، والترحيل والتهجير، واستخدام السلاح الكيمياوي وعمليات الانفال، وضحايا مناطق الحزام الامني اي يمنع التواجد والسكن والعمل من مناطق معينة من البلاد، فضلا َ عن القمع الدموي المستخدم ضد ثوار الانتفاضة الشعبية، والعثور على رفاة الضحايا بعد سنوات في المقابر الجماعية المنتشرة في المدن العراقية.
– والمرحلة الخامسة:
من عام 2004 ولغاية الان والتي امتازت بالنهج الطائفي وتقليد لمن سبقهم في الحكم من عمليات الاعتقال العشوائي وجرائم الخطف والابتزاز والتغيب في الاماكن المجهولة والمعتقلات السرية، وحرمانهم من الحرية وحق الحياة، والقتل على الهوية، الى جانب قيامهم بإجبار المواطنين على التهجير والمغادرة، وقمع المتظاهرين السلميين.
واليوم يحتفل العالم باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يصادف في 30 من آب من كل عام من اجل تسليط الضوء على الاشخاص الذين جرى تغيبهم وعدم معرفة مصيرهم الذي اصبح مجهولا ً، وهنا لا بد ان نستذكر معاناة الشعب العراقي الذي تعرض الى اعتداءات فضه من قبل الحكومات ولمدة “99” عاما ً !! .. كان الاجدر بالحكومات الالتزام بالمعاير الوطنية والدولية لتعزيز الحريات العامة والعدالة والاستقرار العام في الدولة لا ان تخلق المبررات والذرائع غير القانونية لقمع مواطنيها عن طريق اجهزتها الامنية الفاشية التي زرعت الخوف والقلق الدائم في صفوف المجتمع.
وفي هذه المرحلة الراهنة هناك آلاف من المعتقلين والمفقودين والمغيبين لم تحدد اعدادهم الحقيقية نتيجة الاعتقالات العشوائية من قبل جهات متعددة، ولم يسمح لهم بالوقوف امام المحاكم لإثبات براءتهم او ادانتهم، لذا يتطلب من مجلس النواب العراقي والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني مناهضة الاختفاء القسري والضغط على الحكومة لتتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية ازاء هذا الملف الخطير، والكشف عن مصير العراقيين المعتقلين والمغيبين، وتحديد مصير المفقودين الذين اختفوا في ظروف غامضة.

المصدر