الإنسان بين الحقوق والعقوق!!
بعد مآسي الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي قتلت واحدا وستين مليون إنسان , وخربت العمران وأصابت البشرية بويلات مرعبة لا مثيل لها إلا في الحرب القادمة لا سامح الله , وقفت الدول مذهولة أمام هول المشهد الدامي , وقررت أن تبتكر وسيلة لمنع تكرار هذه المأساة الأرضية الهائلة.
وفي العاشر من كانون الأول كل عام , تمر ذكرى إعلان حقوق الإنسان , ولا بد من تهنئة أنفسنا لأننا إستطعنا أن نصدر وثيقة بشرية تعترف بحقوق الإنسان , التي هدرناها على مر الأزمان ولا زلنا نهدرها بشدة وإمعان.
فهل أن إعلان حقوق الإنسان قد ولد ضعيفا , أم أن حقوق الإنسان حقا بالصون والأمان؟
وهل أن إعلان حقوق الإنسان مجرد كلام وحبر على الورق , أم أنه فعل إنساني جماعي معبر عن الدفاع الجاد عن حقوق الإنسان؟
وهل أن البشرية فعلا إرتقت إلى مستوى الإنسانية وترفّعت عن التوحش والحيوانية؟
وهل أنها آلية نافعة للدفاع عن الحقوق الإنسانية وتجسيدها في المجتمعات , أم أنها مجرد تقارير صحفية للإشارة إلى أن حقوق الإنسان قد تم إنتهاكها , وفي بعض الأحيان هناك الخوف الذي يمنع الإعلان عن الإمتهان والإنتهاك السافر؟
البشرية أمام محنة أخلاقية خطيرة وسلوكيات مدمرة لوجودها , بسبب الإمعان بالأقوال , والتناقض في الأفعال وإشاعة الخراب والفقر والجوع والجهل والدمار .
البشرية أمام إمتحان صعب عليها أن تنجح فيه , وإلا ستسقط في مهاوي الجحيم النووي والتدمير الشامل لكل حضارتها ووجودها في الأرض.
حقوق الإنسان تُنتهك ولا نملك إلا الصراخ والتصريحات الخافتة , بل أن هذه الحقوق يتم تسويغ إنتهاكها وسحق البشر تحت مسميات يتم إختلاقها , وأوصاف يتم إطلاقها عليه لكي تشرعن إفناءه ومحقه ومَن معه وحوله من الآخرين.
إنتهاك حقوق الإنسان أصبحت حرفة ومهارة كرسوية في بعض الدول , وتقودها أنظمة كاملة بقوانينها ومؤسساتها , وهمّها أن تبقى في الكرسي وحسب , وتسحق جميع حقوق أبناء شعبها وكرامتهم وتضعهم في السجون والمعتقلات والمقابر , وتعذبهم عذابا مريرا , ولا مَن ينهض ويمنع هدر حقوق الإنسان , لكننا ما أشجعنا وأعظمنا حماسة لسلخ الإنسان من ذاته وموضوعه وتدمير وجوده , ونحسبه شيئا ورقما على يسار حروف الإستبداد والطغيان والظلم والشرور.
ومشاهد إنتهاك حقوق الإنسان متنوعة ومتكررة في الواقع , ولا من إرادة إنسانية ناهضة بوجهها , لأن المعنى التوصيفي لحقوق الإنسان يتناسب طرديا مع المصالح , فإن كان الذي يجري في الواقع متوافقا مع المصالح , فهذا ما يبرره ويسوغه , ويدعو لغض الطرف عنه.
فالكثير مما يجري في بعض البلدان إنتهاك رهيب لحقوق الإنسان , وهناك مظاهرات ومنظمات لا تسكت , وتُظهر للدنيا ما يحصل من سلوكيات تخالف القيم والأعراف المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان , فأين العالم المتحضر والأمم المتحدة من هذا الجور والقهر للإنسان , بإسم العدالة والديمقراطية والإحسان؟
فعندما أنشِئت الأمم المتحدة كانت المبادئ الأساسية لقيامها السلم والأمن والعلاقات الودية , والتعاون لحل المشاكل وتعزيز إحترام حقوق الإنسان , وعلى مدى العقود الماضية إشتعلت الحروب القاسية ما بين العديد من دول الأمم المتحدة , وفي داخل الكيانات السياسية المستقلة, وتأسست أنظمة دكتاتورية وإستبدادية , دمّرت أوطانها وشعوبها , وأذاقت الحياة علقم الكراهية والشر والعدوان.
وماذا فعلت أمام كل ذلك حقوق الإنسان , فقد إزداد الجوع جوعا والفقر فقرا والظلم ظلما والغطرسة غطرسة , والفتك فتكا , والتهجير والترويع والقهر والحصارات البشعة والحروب المعاصرة التي أفنت حياة آلاف الأطفال .
لقد غابت حقوق الإنسان أمام الشر الشرس المرير الطويل , الذي حوّل الحياة إلى جحيم ومقابر وآلام وأوجاع وحرمان وطغيان وتهجير , وإستترت خوفا من المآسي المروعة التي ترتكب بحق الأبرياء في كل مكان , بإسم أرقى المثل والقيم وبإسم الأديان.
فهل أنها حبر على ورق إلا فيما ندر وجاد به الإمكان , أم أن الكرسي أصبح أعظم حقا من الإنسان؟
ولكي تتأكد حقوق الإنسان علينا أن نشيع ثقافة هذه الحقوق بين الناس , ونرتقي بوعي البشرية لتمارس السلوك الحضاري المعاصر , الذي يتحاور مع الإنسان ويحترمه ولا يمتهنه ويستغله ويقهره , ويقتله بسبب الشكل أو اللون أو الرأي والمعتقد , فالكثير من شعوب الأرض تجاوزت هذه المعوقات وإنتقلت إلى مرحلة التآلف والتفاعل المقيد للجميع.
ومهمة التوعية والتثقيف على حقوق الإنسان ليست سهلة , وتحتاج لجهد إعلامي متواصل ومثابرة , وإصرار على أن تكون ضمن المناهج الدراسية في مدارس الأرض لكي يرتقي الإنسان إلى إنسانيته , ويبتعد عن الكراهية والبغضاء والشرور ويحترم نفسه وإخوانه من المخلوقات.
فهل أنها عقوق أم حقوق؟!!
عق والديه: عصاهما وترك الإحسان إليهما , والعقوق:العصيان والجحود
د-صادق السامرائي