الآفات الإجتماعية … أرقام مرعبة تدق ناقوس الخطر!

374

بغداد /عديلة شاهين

تَعددت المواقع الاجتماعية وتداخلت الثقافات وزاد حجم المجتمع الأمر الذي فتح أبواباً غريبة ، فكثرت الأوبئة الاجتماعية وعمّ الانحطاط الأخلاقي ، ليأخذ مظهراً خطيراً تمثّل على شكل آفات إجتماعية خاصةً بين فئة الشباب والمراهقين ،

فالآفات الاجتماعية هي السلوكيات غير الجيدة وغير المقبولة التي تسبب الأضرار للشخص الذي يتبعها وللمجتمع المحيط وهي كالآفة تسبب الضرر في نسيج المجتمع ، وقد حذّر علماء النفس من تفاقم ظاهرة الآفات الاجتماعية مع غياب الدور الرقابي الحكومي والإعلامي وغياب الوعي لدى الأهالي بخطورة الأمر لتكون هذه الآفات على شكل ( سرقة ، مخدرات ومسكرات ، انتحار ، متاجرة بالبشر ، تسول وتشرد ، إغتصاب ، بطالة وفقر ، فساد إداري ، عنف وغيرها ).

هذا ما يشهده مجتمعنا اليوم وذلك يقودنا الى التساؤل أين يكمن الخلل؟ وما الحل؟.

التعاطي بين الثراء والفقر!

كَثُر الحديث عن استفحال ظاهرة تعاطي المخدرات وتناول المسكرات بين أوساط الشباب والمراهقين وتربعت ظاهرة التعاطي والإدمان على طاولات المحاكم بعد تغلغلها في المجتمع والرغم من الأحاديث العلنية حول تفشي هذه الظاهرة ، إلا أنه لم تعطَ لها الأهمية اللازمة.

و عبّر كثيرون للمدى عن سخطهم من الظاهرة ، حيث أطلعنا الشاب فاضل وهو طالب في مرحلة الإعدادية على إحدى القضايا في مدرسته قبل تفشي الوباء وإغلاق المدارس ، حين كشف مدرس مادة الفنية وجود قناني مسكرات في سيارة فارهة مركونة أمام المدرسة وتعود الى أحد طلبة المدرسة يقوم بتوزيعها بين الطلبة في أوقات الأستراحة وبعد إنتهاء الدوام ، في حين يؤكد الشاب محمد إنتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين أقرانه وشرب المسكرات التي في الأغلب تكون على شكل قناني معدنية، مضيفاً: حاول أصدقائي إقناعي بتعاطي المخدرات او شرب المسكرات ، التي أصبحت أمراً طبيعياً جداً لا يخجل صاحبها من التفاخر والتباهي بتناولها ، وكان منهم صديق لا يمتلك أهله قوت يومهم وبالرغم من ذلك يُقبِل بشكل كبير على التعاطي بعد أن امتهن السرقة والنصب والاحتيال ، وبعد عِلم والده بالأمر توفي على الفور ولم تؤثر تلك الحادثة في قراره بتعاطي المخدرات وما يزال مستمراً في التعاطي !

ومن جهتها تحدثت للمدى الباحثة الإجتماعية فاطمة عبد الحسن قائلةً : تُعَد ظاهرة تعاطي المخدرات وشرب المسكرات ظاهرة إجتماعية بحتة وإن ضعف دور الأُسرة والمدرسة من أهم أسباب استفحالها ، إضافة الى تلوث محيط الشباب والمراهقين بأُناس تحاول إقحامهم وتوريطهم

و أضافت : تُغيّب المخدرات العقل والوعي وتسبب تسمماً للجهاز العصبي ، كما أن تداول وتعاطي المخدرات جُرماً يعاقب عليه القانون لما فيها من أضرار جسمية ونفسية تقود الى الهلوسة الفكرية والسمعية والبصرية لأنها تؤدي الى تآكل عدد كبير من الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ ، وبالتالي يواجه المتعاطي صعوبة في التواصل مع غيره.

مؤكدةً : انتشرت مؤخراً آفة شرب المسكرات بسبب غياب دور الأُسرة ورقابة السلطة وأصبح بيعها وتداولها مشروعاً بالرغم من تحريمها في الشريعة الإسلامية ، ومن مخاطر شرب المسكرات هي محاولة المدمن عليها الحصول على الأموال بأي طريقة مما يدفعه إلى إرتكاب الجرائم من قتل وسرقة وخطف لأن المسكرات تُذهِب العقل وبالتالي يكون المدمن متهيئاً لارتكاب الجرائم ، ويصبح الشخص المدمن غير قادر على العمل ، وبالتالي يفقد المجتمع طاقة وجهود هذا الشاب.

و قد كشفت دراسات أن أغلب المدمنين من الذكور بنسبة ٧٣،٣ ٪ في حين بلغت نسبة الفتيات اللاتي يتعاطين المخدرات ٦،٧ ٪ وأن ٤٩ ٪ اقبلوا على الإدمان بمحض إرادتهم و١٥ ٪ من رفاق السوء أثروا على الشباب مقابل ٩٪ من الفتيات.

و حول إرتباط الفقر والثراء بتعاطي المخدرات وشرب المسكرات تقول : يشكل الثراء الفاحش عامل خطورة على الأبناء مع غياب الرقابة حيث يكون المال هو الحاكم ، ويجعل صاحبه قادراً على فعل كل شيء ، حيث غالباً ما يستهدف مروجو المخدرات أبناء الطبقات الثرية الذين يمتلكون الأموال اللازمة لشرائها في المقابل ظهرت أصناف من المخدرات تناسب الطبقات الفقيرة ، فجميع الدراسات تثبت بأن الفقراء هم الأكثر تعاطياً للمخدرات للهروب من الواقع.

الإنتحار

إنتشر مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفاده إنتحار الطالبة نجوى إبراهيم من محافظة حلبجة في إقليم كردستان العراق وهي في مرحلة السادس إعدادي ، بسبب عدم حصولها على معدل جيد ، وقد سبقتها أعداد هائلة لأشخاص اقدموا على ألإنتحار خاصة من فئة الشباب لأسباب مختلفة ، وبحسب بيان صادر عن لجنة حقوق الإنسان البرلمانية في العراق، إرتفعت أعداد حالات الانتحار من ٣٨٣ في عام ٢٠١٦ الى ٥١٩ في عام ٢٠١٨ وأصبحت في تزايد في العامين ٢٠١٩ و٢٠٢٠، وقد سجلت مفوضية حقوق الإنسان في العراق في عام ٢٠١٩ – ٧٢٥ حالة ومحاولة انتحار، وإن ٢١ رجلاً وإمرأة لاقوا حتفهم (٩ نساء و١٢ رجلاً) وتراوحت طرق الإنتحار بين الشنق والغرق والحرق والسم واستخدام السلاح الناري، ووفق دراسة أميركية أجراها مركز غالوب للدراسات الدولية حول نسب الانتحار حل العراق في المركز الرابع عالمياً بعد تشاد والنيجر وسيراليون.

وتحدث للمدى إستشاري الطب النفسي د. محمد الأمارة موضحاً : يكون السلوك الأنتحاري في الغالب ناتجاً عن إضطراب أساسي في صحة الفرد العقلية مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية أو نتيجة بعض الظروف المحيطة بالفرد مثل الفقر والبطالة أو تعاطي الكحول والمخدرات ، وبحسب الإحصائيات فأن ٩٠٪ من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار يعانون من إضطرابات نفسية نتيجة إختلاط مشاعر الوحدة باليأس أو المرور بتجربة مؤلمة كفقدان عزيز مثلاً ، أيضاً قد يكون تعرض الطفل في المدرسة الى التنمر دافعاً للتفكير في ألإنتحار أو مرور الشخص بمشكلة قانونية كالسجن التي تذهب بخيال صاحبها إلى الإنتحار هرباً من مواجهة المجتمع.

مضيفاً : من المشاكل الخطيرة التي ساهمت في زيادة أعداد المنتحرين هي عدم إمتلاك مجتمعنا لثقافة الطب النفسي واللجوء إلى العلاج بعد الوصول إلى مرحلة اليأس من الحياة وميل الشخص إلى السوداوية ، لذا لا بد من الاستمرار في إلقاء الضوء على السلوك الإنتحاري وتعميم مفاهيمه ودوافعه وتشجيع العائلات على إستشارة الأطباء النفسيين من دون خجل أو تردّد فالأمراض النفسية هي بيولوجية وتحتاج إلى العلاج بالعقاقير الطبية.

مواجهة الظاهرة

قدمت الباحثة الإجتماعية السيدة فاطمة عبد الحسن للمدى عدداً من الحلول التي من شأنها معالجة الآفات الإجتماعية نلخصها بالنقاط التالية :

* إستخدام وسائل الإعلام في توعية الناس بأن هذه الآفات تؤدي إلى الهلاك.

* تنمية مهارات الفرد منذ صغره وإشغال وقته لأن في هذه المرحلة يكون العقل منشغلاً بالتفكير الخاطئ والعاطفة.

* مساعدة الشباب في توفير فرص عمل لتفريغ طاقتهم وكي لا تضيق بهم الدنيا.

* ترسيخ مفهوم الحلال والحرام من خلال توعية الشباب والمراهقين بتعاليم الدين الإسلامي.

* توفير مراكز شبابية تهتم بفئة الشباب والمراهقين.

* إبعاد المراهق عن كل شخص غير سوي أخلاقياً ومتابعة تصرفاته.

* إبعاد المراهق قدر الإمكان عن وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت التي لها دور هائل في المساعدة على إنتشار آفات المجتمع.

* التفاهم بين الزوجين أمام الأبناء وتنشئتهم بطريقة سليمة بعيداً عن المشاكل والمشاحنات.

المصدر