أنواع القراءة

299

ياسين النصير

سأركز في هذه الاطلالة القصيرة على نوعين من القراءة، هما: القراءة الاستكشافية، والقراءة الاستنتاجية، وهما نوعان كبيران يستوعبان انواعًا فرعية أخرى من قراءات النصوص، فالقراءة الاستكشافية تعتمد فضلا عن تصفح النص، أو الرؤية المركزة على النص، الانتباه إلى مكونات النص الأساسية. للقراءة الاستنتاجية أشكال وكيفيات عمل، فالقراءة الشعرية، تختلف عن القراءة الروائية، وعن القراءة الفنية، والقراءة التشكيلية، والقراءة النقدية…الخ، لأنها قراءة استكشاف لهوية المقروء، فلا قراءة الرواية تشبه قراءة الشعر، ولا قراءة اللوحة الفنية تشبه قراءة العرض المسرحي. فلكل قراءة آليات تنفيذتنتمي لجنس المقروء وتؤسس لها جنسها الخاص الذي يعتمد قواعد خاصة بالمقروء، فعندما نتحدث عن الشعر، وعن النثر، يكون ضمن الحديث ان هذه الأجناس تؤسس لجنس قراءتها، وإلا أصبحت القراءات متداخلة حتى لو تداخلت الأجناس تحت ما يسمى "النص". مثل هذه القراءات لم تكن واضحة سابقًا، فنحن نقرأ ونمر على النص قد نفهمه وقد نعاود قراءته، ولكن ان تكون لكل نوع قراءته الخاصة، هذا ما يجب الانتباه له. لا تعطينا القراءة الاستكشافية إلا مداخل عامة لطرائق الدخول إلى النص، فالاستكشافية يعني ان تصحبك آلية نقدية ومفاهيمية أولية كخزين لقراءات اختزنتها سابقًا لتستثمرها في استكشاف الهوية الخاصة للنص، وهذه الخطوة ليست من السهولة أن تخدع بعتبة العنوان، من انه رواية أو شعر أو لوحات فنية، فالعنوانات مناصات لها حقول اشتغالها الخاصة التي قد تغاير المحتوى، بالرغم من انها جزء من النص، اي ان تحليلها والكشف عن دلالاتها تشكل بداية لاستكشاف مخفيات النص، ومن دون ذلك لا يمكن قراءة النص دون قراءة العنوان والغلاف والاستهلال والنهاية والاقتباسات والهوامش، لتعيين علامات في خارطة النص، فالنص غابة مشتبكة الجذور، وعليك ان تسلك الطريق إلى نهايتها مستعينا بخارطة القراءة المفترضة. للقراءة الاستكشافية دور في تعديل خارطة فهم النص. وعندما تتسلح بثقافة عامة ومدربة عن العتبات والمناصات الخارجية والداخلية للنصوص ومعارض اللوحات، وفولدر العرض المسرحي، والمعرفة الأولية باتجاه المؤلف وطرائق تنفيذه تكون أكثر وضوحًا، لأنك ستدخل النص وانت مسلح بعدة نقدية لمعرفة الطريق إلى قلب الغابة،في الخطوة الثالثة للقراءة الاستكشافية هي تكون فيها محتذيا ثلاث خطوات: الخطوة الأولى هي القراءة البصرية العامة التي تركز على عدد كبير من الكلمات والجمل والعبارات، قراءة انتقائية، كما لو كنت تستكشف معالم الطريق العامة، وهي قراءة تشبه ما تلمسه بيدك لفحص قماش تشتريه، اي قراءة حواسية، وتعطينا القراءة الحواسية انطباعًا بأهمية النص. الخطوة الثانية، ان تقرأ استهلال النص قراءة مركزة، وهذه أفضل الخطوات التي تدلك على طبيعة الطريق ومواد إنشائه، اما الخطوة الثالثة، فهي النتيجة التي استخلصتها من الخطوتين، اي معرفة خارطة الطريق التفصيلية بخطوطها العامة وعلامات شعبها، ومنعرجاتها، وتقاطعاتها، كي لا تتوه في شعاب التفاصيل، في هذه القراءة تحتاج إلى ورقة وقلم لتدوين الخطوط.أما القراءة الاستنتاجية، فهي القراءة الأعقد، وربما تتطلب جهدًا خاصًا، بمعنى أن قراءة هذا الكتاب ستكون مهمة لمشروعك الخاص، أو لاستنتاجك منها حقلًا معرفيًا جديدًا، أو أنها تدلك على طرائق تفكير مختلفة عما تعرفت عليه سابقًا، أو أنها تغيّر من قراءاتك المقبلة. وهكذا فالقراءة الاستنتاجية قراءة اكتشاف للذات القارئة، قراءة فردية وذاتية ومن ثم تصبح عامة عندما تؤسس لقواعد منهجية. وغالبًا ما تكون القراءة الاستنتاجية قراءة نقدية، وتأويلية ومنفتحة على المستقبل وتفتح النص على مدارات أخرى وأفكار جديدة وتحول القناعات القديمة إلى الشك والسؤال، فالقراءة الاستنتاجية قراءة تدميرية للنص من اجل إعادة بنائه من جديد. قراءة باحثة عن المختفي والمكنون في طيات النص الذي لا يظهر في اية قراءة عادية، كما لا تجعل هذه القراءة محتويات النص بين غلافين، بل تفتحه على الأزمنة والأمكنة والمجتمع والحداثة والنمو والمدينة، وتغنيه بالمعارف، والنص الجيد هو الذي يفتح في الطرق القديمة طرقًا جديدة، بل تحيلك القراءة الاستنتاجية إلى ميادين معرفية لم تكن مستكشفة من قبل، كما لو كنت تسير في طريق غابوي فيه تكسرات وتقاطعات لا تظهر للعيان نتيحة علو وانخفاض الأشجار.المصدر